احدب تل ابيب...بقلم: خيري منصور

30.06.2011 03:11 PM

لأحدب نوتردام حكاية معروفة رواها فيكتور هوغو، أما أحدب تل أبيب فهو من طراز آخر قد يكون جنرالاً كباراك، أو راديكالياً في صهيونيته كنتنياهو أو ليبرمان . والجديد في حكاية أحدب تل أبيب أنه لم يقطع النهر حاملاً على ظهره صَخْرة، لكن من ربّتوا على ظهره، وقالوا له:كل شيء على ما يرام، هم الذين كسروا ظهره، خصوصاً عندما صدّق ذلك التربيت وأوغل في وَهْمِهِ الذي لم يكن حلماً قابلاً للصرف . 

في مقالة بعنوان “تسونامي أيلول” ليوئيل ماركوس نشرتها “هآرتس” قبل أقل من أسبوع نجد أنفسنا أمام أسلوب في الكتابة يستعين بالحكايات، ومنها مثلاً أن الفلسطينيين والدولة الصهيونية كمن يؤجلون الذهاب إلى طبيب الأسنان رغم الآلام التي يعانونها، لكن هذا التأكيد لا يشفي أسنانهم المنخورة بل يضاعف من تسوّسها . 

المثال بحد ذاته لا يخلو من طرافة تماماً كأحدب تل أبيب الذي تقوس ظهره لفرط ما ربّت عليه المعجبون بأفعاله أو الساعون إلى توريطه بأهداف يعجز عن تحقيقها، لكن توزيع الألم بالتساوي بين ضحية وجلاد لا يبرره حتى ذلك المشترك الآدمي في تكوين الجسد ومنه الأسنان والفك . 

إن من يؤجل دائماً ويحول التسويف إلى استراتيجية دائمة وثابتة هو ذلك الذي أصاب أسنانه التسوس لأنها حاولت قضم عظام الأطفال . 

ويذكرنا هذا المثال رغم طرافته بما كتبه دويتشر ذات يوم، وهو يلخص الصراع العربي  الصهيوني بمشهد متخيل، هو احتراق شقة يعيش فيها يهودي في الطابق العاشر، ما اضطره إلى القفز من النافذة، وتشاء المصادفة أن يسقط على عربي ويتسبب في كسر عظامه، وهذا الاختزال للصراع يخلط الأوراق ويوزع الخسائر والآلام بالتساوي على الجلاد والضحية، لهذا لا يصح أن نساوي بين من يشكو من تسوس أسنانه لكثرة ما قضم من لحم الآخرين وعظمهم وبين من أسقطت أسنانه بلكمة عنيفة من قبضة مغلّفة بالفولاذ . 

وإذا كان أحدب تل أبيب بحاجة إلى من يقول له: قف! وتأمل الأرض التي تقف عليها ولا تصدق من ربتوا على ظهرك حتى كسروا عمودك الفقري، فإن الجنرال الذي يجاوره أو يقتسم معه المستوطنة أو الثكنة ذاتها عليه أن يذهب فوراً إلى طبيب الأسنان شرط أن يكون صادقاً في ذكر الأسباب التي أدت إلى تسوّس أسنانه . 

إن استراتيجية التسويف لها تاريخ طويل في الدولة الصهيونية، لأن الرهان كان منذ البدء على كسب الوقت وليس شراءه كما يقول البعض، فما دام الحصول على الوقت ممكناً بالمجان، ومن دون دفع أي ثمن فإن شراءه يصبح بلا معنى، أو تبديداً للمال الذي لا يمكن لشايلوك وذريته أن يبددوه في غير التسليح وبناء المستوطنات والسجون . 

إن وصف أيلول القادم، وها نحن نشمّ رائحته على بعد خطوات منه، بأنه تسونامي يتطلب من الجنرال الذي سماه كذلك، أن يعد العدّة لاستقبال هذا الإعصار، وقد بدأ بالفعل يعدها، لكن من خلال تجنيد دول أو دويلات لتكون مصدّاً وعاملاً دولياً في إجهاض الدولة الفلسطينية وبعيداً عن الأحدب وطبيب الأسنان، فإن التهرب من لحظة الاعتراف بالحقيقة هو سياسة صهيونية بامتياز، ومن حق الأعمى أن ينكر وجود الشمس أحياناً.

جريدة الخليج

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير