مدرسة الحكم الشرقي..بقلم: سلامة احمد سلامة

15.08.2011 03:24 PM

بدا لى من استقراء الأحداث المحيطة بنا فى عالمنا العربى التعس، أن «متلازمة العناد» لم تكن مقصورة على رئيس مصر المخلوع. ولكنها كانت أشبه بحالة مرضية اجتاحت حكام المنطقة ورؤساءها، وبالأخص هؤلاء الذين جاءوا إلى السلطة فى أعقاب انقلاب عسكرى أو ثورة أو نتيجة لنظام سلطوى أو ما يمكن أن يعتبره البعض حركة تحرر.. فقد جاء مبارك مصادفة بعد اغتيال السادات. وجاء بشار الأسد فى حركة انقلابية داخلية لحزب البعث بعد وفاة حافظ الأسد حملته من لندن إلى دمشق. 

وفى ليبيا قفز الملازم معمر القذافى بعد انقلاب عسكرى ضد الملك السنوسى ليقود الجماهيرية وينصِّب نفسه ملكا على القارة الأفريقية. وفى اليمن أفرزت الحرب الأهلية بين شمال اليمن وجنوبه وصول الشاويش على عبدالله صالح إلى الحكم. ولا يبدو الأمر مختلفا كثيرا عما يحدث أو ينتظر حدوثه فى السودان!! 

فى كل هذه الحالات ـ وبدون استثناء ـ لم تنجح الحركات الشعبية والدعوات الديمقراطية لتداول السطة فى زحزحة هؤلاء الحكام أو فى الأخذ بقواعد التحول السلمى والانتقال الهادئ للسلطة، بل اتسمت الأنظمة الحاكمة بالتمسك بشرعية البقاء فى السلطة وعدم الاعتراف بأى شرعية أخرى. واللجوء إلى القمع والعنف فى إسكات المعارضة. وبدا وكأن مقاومة التغيير صارت مدرسة فى الحكم الشرقى.. الأمر الذى حدا بكثير من الغربيين إلى القول بأن ثمة تناقضا جوهريا بين الإسلام والديمقراطية! 

وربما لو عدنا إلى تعريفات علماء النفس للشخصية العنيدة التى ميزت هؤلاء الحكام وجعلت الرئيس المخلوع يقول عن نفسه إنه حاصل على الدكتوراه فى العند، لوجدنا تشابها كبيرا فى السمات الشخصية لكل من مبارك وبشار وعلى عبدالله صالح والقذافى. 

و«العنيد» كما تقول المراجع العلمية هو الشخص الذى يقاوم بشدة أى مؤثرات خارجية، ويفضل أن يسلك طريقه ويقرر بنفسه مدفوعا بأحاسيسه وغرائزه.. وهو بطىء فى الاستجابة لأى عملية تصحيحية خارجية. وهكذا يظل محصورا فى إطار أنماط ثابتة من السلوك والمشاعر. فالمعاند شخص مكتف بذاته.. لا يأبه بالآخرين فى البيئة المحيطة.. ونادرا ما يسأل النصيحة أو المشورة عندما يتخذ قرارا. وهو «تحكمى» فى أفكاره وقراراته ومواقفه. 

أما المخاوف الكامنة التى تحرك الشخص المعاند، فهى الخوف من التعامل مع المواقف الجديدة. ومن ثم فهو يحاول أن يصطنع مواقف تشبه ما اعتاد عليه من مواقف سابقة. وتجنب المواقف الجديدة!! 

والمحور الإيجابى فى حياة الشخص المعاند هو «التصميم». فالمعاند يرى نفسه باعتباره القوة التى لا تقاوم. ولا يغير رأيه مهما واجه من اعتراضات ومعارضات. 

أما الجانب السلبى من شخصية المعاند، فهو ينظر إلى نفسه باعتباره صخرة لا يمكن زحزحتها مهما قيل أو حدث.. إنه أشبه بالبغل الحرون حين يرقد على الأرض ويرفض أن ينهض مهما وكزه صاحبه أو انهال عليه ضربا.. ومن الواضح أن مثل هذا السلوك يمكن أن يكون وخيم العواقب! 

وكما رأينا فى الأمثلة التى تحيط بنا.. فإن أحدا من الحكام الذين ذكرناهم فى سوريا واليمن وليبيا، استجاب لمطالب شعبه. أو أبدى من المرونة ما يخرجه من دائرة العناد بحلول وسط يقترب فيها من إرضاء مطالب شعبه.. وقد اتبع الثلاثة أسلوبا واحدا فى المراوغة والمخاتلة، والتقدم بوعود كاذبة، وإعادة إنتاج نفس المواقف التى اعتاد أن يخدع بها شعبه. 

ففى سوريا يواصل الأسد ـ فى مواجهة الضغوط الدولية والعربية ـ تقديم تعهدات سرعان ما ينكث عن الوفاء بها.. وفى ليبيا ما فتئ العقيد فى كر وفر يمارس وحشيته ضد المدنيين وهو يظن أنه قادر على الوقوف فى وجه الأطلنطى وحده.. وفى اليمن يلعب على عبدالله صالح دور الميت الحى بعد محاولة الاغتيال التى تعرض لها بحجة التمسك بالشرعية الدستورية وعدم التخلى عن منصبه بأى ثمن.

يقولون إن «المعاند» مثل شجرة البلوط الضخمة.. تنكسر إذا لم تنحن أمام هبوب الريح.. ولو أتيحت الفرصة لعالم نفسى كبير مثل أحمد عكاشة، لخرج من دراسته لهذه النماذج غير السوية للحكام العرب بنتائج مذهلة!!

 

عن الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير