استراتيجية الأمن الأمريكي الجديدة تضمنت ما تريده اسرائيل

27.12.2017 10:26 AM

ترجمة خاصة-وطن: تُمًّكن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، القيادة الإسرائيلية من تقييم الفرص والتحديات حول العالم، بالاستفادة من المستمدة من وجهات النّظر والتقديرات الأمريكية. قدم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أحدث استراتيجية للأمن القومي، محددا من خلالها وجهة نظر الادارة حول الأمن القومي، واضعا المبادئ التوجيهية الأساسية، غير التفصيلية، من أجل تنفيذها.

من الجدير بالإشارة إلى أن الوثيقة تجمع بين السياسات المتعلقة بقضايا الأمن الداخلي من جهة، وقضايا الأمن الخارجي من جهة أخرى، انطلاقا من رؤية "أمريكا أولاً"، التي لم ينفك ترامب عن الترويج لها خلال حملته الانتخابية.

وفي الوقت الذي لم تُقَدّم فيه الاستراتيجية الجديدة وصفةً، أو خطة عمل متماسكة ومنظمة للتعاون مع إسرائيل في الشؤون الأمنية، فإنها تركت الأمر، وعن قصد واضح، أكثر مرونة وسهولة للفرق الأمنية من الجانبين لاختيار أفضل طرق وبدائل العمل بينهما، حيث أفردت بندا خاصا يقترح إجراء حوار أمريكي-إسرائيلي من أجل وضع استراتيجية لسياسة أمنية منسقة بينهما في الشرق الأوسط، مع التأكيد على سرعة اجراء ذلك الحوار.

وحسب تشخيص الوثيقة، فإن الساحة الدولية منشغلة على نحو شبه دائم، بالصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وثلاثة أنواع مختلفة من التهديدات من ناحية أخرى، وهي: قوى "منحرفة" وقَصَدَت بها روسيا والصين، ودول "مارقة" وقَصَدَت بها إيران وكوريا الشمالية، أما النوع الثالث من التهديدات فهو "الجماعات الجهادية"، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، وفق الكاتب.

ولتحقيق الانتصار في هذا الصراع المحموم، ينبغي على الولايات المتحدة الدفاع عن مواطنيها أينما كانوا، وعن الأصول والارث والممتلكات على الأراضي الامريكية، إضافة إلى تعزيز مصالحها حول العالم، انطلاقا من التعاون المبني على تحالفات قوية مع القوى الإقليمية الفاعلة التي تتقاسم مع الولايات المتحدة قيمها ومصالحها.
وعلى العكس مما ادعاه بعض منتقدي ترامب، فإن هذه الاستراتيجية ليست باستراتيجية انعزالية، بل إنها نتاج الرغبة في التأثير على النظام السياسي الدولي انطلاقا من المصالح الأمريكية التي تنبع من دورها التاريخي المعروف، وفق الكاتب.

فضلا عن ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لا تُعزّز الحرب، ولا تدعو إلى استخدام القوة، بل تطمح بدلا من ذلك إلى تحقيق الاستقرار من خلال تعزيز القوة الأمريكية، واسقاطها على شبكة الولايات المتحدة من الحلفاء الدوليين.

وبخصوص الوضع المعقد في الشرق الأوسط، وفق الكاتب، تُشَخّص استراتيجية الأمن القومي ثلاثة تهديدات رئيسية، وهي: تنامي دور التنظيمات "الإرهابية" وتصدير الإرهاب حول العالم، والثاني هو التوسع الإيراني في المنطقة بما في ذلك دعم "الإرهاب" والتخريب، والثالث هو التهديدات التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي المعتمد على الطاقة.

وتؤكد الاستراتيجية على أن الولايات المتحدة ليست بصدد الانسحاب من الشرق الأوسط بأي حال، أو تقليل وجودها فيه. كما أن ترامب لا يخطط لعمل "محور" متصل بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، كما روّجت الاستراتيجية السابقة في عهد باراك أوباما.

كما تنص الاستراتيجية على أن السياسات الأمريكية لن تشمل أية محاولات لفرض اصلاحات ديمقراطية على الأنظمة في الشرق الأوسط، كما جرى في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. غير أن الولايات المتحدة ستقوم بدعم الأنظمة التي تُقَرّر تعزيز الإصلاحات من تلقاء نفسها، مثل السعودية ومصر، وفق الكاتب.
كما تتبنى الوثيقة، وبكل دقة، التّشخيص الإسرائيلي الذي يشير إلى أن إيران هي السبب الرئيسي في عدم الاستقرار الإقليمي، ويؤكد أنها لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل للمشاكل في المنطقة. وبهذا التّبني، فإن استراتيجية الادارة الحالية ترفض تشخيص الادارات الأمريكية السابقة، والتي قالت إن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يشكل العقبة الرئيسية أمام السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي المتابعة للبند الخاص بالسلوك الإيراني، توضح الاستراتيجية أن الحل للتهديد الإيراني، وإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، سيكونان من خلال بناء تحالف تنتج عنه جبهة موحدة وواسعة، تشكل توازن للقوة الإقليمية في وجه إيران. وطبقا للوثيقة، فإن هذا التحالف ينبغي أن يقوم على التعاون بين دول الخليج السنية، وأن يشتمل على التعاون مع إسرائيل.

وعلى الرغم من وضوح الهدف في هذه النقطة، إلا أن الظروف ما تزال غير مواتية لتحقيقه في الوقت الرّاهن، ومن الصعب منذ الان تَخَيُّل كيف يمكن الإيفاء بهذا الالتزام في المستقبل القريب.

إسرائيل في الوثيقة
تعطي المعلومات الدقيقة والحديثة، التي توفّرها استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، المجال المرن لإسرائيل من أجل تقييم الفرص والتحديات في المنطقة والعالم، وما ينبغي أن يترتب عليها من سياسات في الشرق الأوسط.

كما تكشف الوثيقة عن وجود فجوة بين الاستراتيجية كرؤية وتوجه من ناحية، وخطة عمل وخطوات محددة لتحويل هذه الاستراتيجية إلى خطة عمل متماسكة، وعمل واضح على الأرض. وبالتالي، فإن أحد مصادر القلق حيال ذلك هو أنه سيسمح لإيران بالمزيد من الوقت والمرونة لزيادة وتوسيع نفوذها في المنطقة قبل أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تدارك ذلك.

ومن المرجح أن تتم دراسة هذه الفجوة في المحادثات التفصيلية التي تتم بين مختلف فروع الإدارة بمن فيهم المفكرين الاستراتيجيين، والقادة العسكريين. وبما أنه من المتفق عليه وجود إسرائيل في المحادثات التفصيلية تلك، كما ورد سابقا، فإن هذا يشير إلى أن إسرائيل لا بد أن تؤثر على تشكيل السياسة الأمريكية، في المدى القصير على الأقل. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى صياغة استراتيجية أمريكية-إسرائيلية مشتركة ضد إيران، بحيث تضمن حماية المصالح الإسرائيلية، وبما يشمل مبادئ لتنسيق ردود الفعل في حالة حدوث خروقات إيرانية لأية اتفاقيات دولية، حتى لو لم تكن إسرائيل طرفا فيها.

وتضغط إسرائيل على النقاشات الأمريكية-الإسرائيلية، كي يعطيها هذا "الاتفاق الموازي"، وفق الكاتب، المرونة لاستخدام القوة ولو بمفردها، وكحل أخير، من أجل وقف إيران من عبور العتبة النووية، أو لاستخدامها في حال تمكنت استخباراتها من العثور على ما يجب ضربه في برنامج الصواريخ الإيراني، وفق الكاتب. ولتضييق الخناق على إيران إلى أبعد قدر ممكن، تضغط إسرائيل باتجاه خطوات عملية ضد التهديدات الإيرانية غير المرتبطة بالبرنامج النووي، ولا سيما دعم "الإرهاب" ونشر الأسلحة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا، وفق الكاتب.

ولأن القدرة على إقامة جبهة إقليمية واسعة ضد إيران، بالاعتماد على دول الخليج مجتمعة وبما يشمل التعاون مع إسرائيل، يبدو غير قريب-في ظل تزايد التوتر بين تلك الدول في ضوء محاولات عدوانية من قبل الأسرة المالكة في السعودية لفرض سياستها على دول الخليج الأخرى، وفي ظل غياب أي تقدم في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين-فإن إسرائيل تؤمن بتحركاتها الذاتية في هذه المرحلة على الأقل، كبديل عملي مباشر.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست

تصميم وتطوير