توقعات العام 2018.. التّهديدات والفرص في الشّرق الأوسط

30.12.2017 12:53 PM

ترجمة خاصة- وطن: وضعت الحرب ضد تنظيم داعش أوزارها تقريبا، كما أن الحرب في سوريا قد أوشكت على النهاية. وعلى المنطقة أن تنتقل الان من مرحلة الانشغال بتلك الحروب، إلى التعامل مع آثارها، من قبيل التدمير وتشتت السكان وتهجيرهم، بالإضافة إلى التداعيات السياسية المعقدة التي نتجت عنها. وكنتيجة لما سبق، نما نفوذ إيران بعد نجاح وكلائها بشكل عام. كما أن اتفاقها النووي مع الغرب ما يزال صامدا. وفي السعودية، المنافسة لها، يبرز زعيم جديد وواعد، طال انتظاره من فئة الشباب كحاكم شاب، يحمل توجّها أكبر نحو الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. أما دونالد ترامب، فيجلس بعيدا في البيت الأبيض ويصب الزيت على النار، وفق الكاتب.

وإذا كان من الضرورة الإشارة إلى أسباب التشاؤم الذي يسود، فمن الممكن أنه يُعزى إلى فشل ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2010 ضد الاستبداد. فبدلاً من تسونامي الديمقراطية الذي كان مأمولا، اندلعت بدلا من ذلك سلسلة من الحروب.

والان، يبدو أن ليبيا محكوم عليها بالفوضى الدائمة، بينما الحرب في اليمن أفضت إلى أزمة إنسانية صارخة، أما الدول الأخرى التي لم تلقى مصير ليبيا واليمن، فقد تمكن "الحرس القديم" من إعادة لم الأمور والبقاء في مكانه والسيطرة على البلاد.

نظرة على بعض نقاط الانعطاف المحتملة في العام 2018
ففي مصر، استحوذ المشهد على اهتمام العالم ككل عندما أطاحت المظاهرات في الشوارع، والجيش المصري معها، بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، قبل سبع سنوات. والحالة المصرية تعتبر ربما المثال الأفضل على الطموح الشعب الذي تم تحجيمه. وبعد عدة سنوات من الفوضى، يبدو المشهد المصري أكثر استقرارا الآن، والاقتصاد بدء بالنمو، والسياحة عادت الى الانتعاش التدريجي. إلا أن الإرهاب ما يزال يمثل مشكلة كبيرة، خاصة في شبه جزيرة سيناء، كما أنه يستهدف المسيحيين، ولا يمكن إغفال أن السطات المصرية لجأت إلى تقليص الحريات. ومع ذلك، لا يمكن التّغاضي عن أن الشارع غير راضٍ، وأن هناك بعض التحركات في الشارع ولكنها انيّة ومحدودة ولا تجري إلا في المناسبات. كما أن الشارع المصري ينتظر مفاجأة لا بد منها وهي أنه سيتم إعادة انتخاب السيسي، في غضون أشهر قليلة، لولاية رئاسية جديدة.

وفي إسرائيل، هناك احتمال أكبر لتغيّر في الأفق، حيث أن نتنياهو يواجه منذ فترة طويلة تحقيقات في الفساد يمكن أن تُفضي إلى استقالته، أو إلى إجراء انتخابات مبكرة. لقد كان نتنياهو حذرا على الدوام على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولكن يبدو أن الوضع المتشابك مع الفلسطينيين، قد يكون بحاجة إلى استبداله بشخصية أخرى من الوسط اليساري ربما، مما قد يخلق فرصاً جديدة.

وعلى الجبهة السورية، من المعروف أن الرئيس السوري، بشار الأسد، محاصر منذ اندلاع الحرب في بلاده قبل (7) سنوات، وكانت هناك توقعات كبيرة بأن زوال الأسد لن يستغرق الكثير من الوقت. ولكن نتائج الحرب تشير إلى أنه ما يزال على قيد الحياة، في الوقت الراهن، وأن الحرب تضع أوزراها.

وقد تم تقليص العمليات العسكرية الكبرى، وبات جيش الأسد يسيطر على المناطق الرئيسية، كما انتهت في الغالب الحرب ضد تنظيم داعش وذلك باستعادة المدن والمناطق التي كانت تحت سيطرته.

وما زال سفك الدماء وارداً إذا ما حاول الأسد الاستيلاء على المناطق التي ما تزال تحت سيطرة المسلحين، بما في ذلك بعض المناطق القريبة من العاصمة، وإقليم إدلب الشمالي. لكن وقف إطلاق النار على الصعيد الذي نفذ في المناطق السورية تدريجيا، وتوسطت فيه روسيا وإيران وتركيا، أدى إلى خفض كبير في المذابح اليومية، التي أبقت أخبار سوريا على رأس قائمة وكالات الأنباء.

ومع نهاية الحرب، تقريبا، يتضح حجم الضرر الهائل وغير المسبوق الذي تعرضت له البلاد، مع نزوح نصف السكان، ومقتل ما يقرب من نصف مليون شخص. بالإضافة إلى عشرات الالاف من المفقودين، الذين يعتقد أنهم في مراكز الاحتجاز الحكومية. كما سيطر الأكراد السوريون في الشمال على ما يقرب من (25%) من البلاد. كما أن لتركيا، وروسيا، والولايات المتحدة، وإيران، والجيش اللبناني قواعد يحتمل أن تبقي كما هي عليه الآن.

وفي العراق-بلاد الرافدين، تبدو الصورة قاتمة، والتحديات هائلة أمام الدولة في العام 2018. فبعد أربع سنوات من الوحشية تحت سيطرة "داعش"، التي قامت بالمجازر وتجاوزت كل الحدود، فاستعبدت النساء، وقتلت جماعات بأكملها، يبدو الأمر بحاجة إلى إعادة بناء كبيرة. وقد ولّد ذلك ردود فعل غاضبة في أوساط الشعب العراقي، فتحركت الحكومة للقضاء على التنظيم، مما ترك أجزاءً كبيرة من العراق في مشاهد مدمرة. وكانت المعركة في الفلوجة والرمادي والحويجة وتلعفر، وأخيرا في الموصل، شاقة جدا. وإذا أقنع العراق مواطنيه بأنه سيُعيد البناء دون تأخير، وإذا رأى الناس ذلك في العام 2018، فحينئذ فقط يمكن توقّع أن بغداد ستبسط حكمها على البلاد بأسرها.

وتقدر الحكومة العراقية، التي تعاني من صعوبة في توفير السيولة، أن البلاد تحتاج إلى مبلغ لا يقل عن (100) مليار دولار من أجل إعادة الإعمار. غير أن المسؤولون في الموصل يقولون إن مبلغ ال (100) مليار بالكاد يكفي مدينتهم لوحدها. إذاً، ومع نهاية العام، يبدو أن التمويل غير واضح، وغير جاهز. ويبدو أن الولايات المتحدة، التي أسقط تحالفها ما يقرب من (28,000) قذيفة على الموصل ومحيطها، يبدو أنها غسلت يديها من الموضوع. وفي حين يقال أنّ (2.7) مليون عراقي عادوا إلى الأراضي التي انتزعت من "داعش"، فإن أكثر من (3) ملايين آخرين لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم، منهم (600) ألف في الموصل. هذا بالإضافة إلى أن أكثر من (70%) من أحياء الرمادي دمرت، وفقا للسلطات العراقية.

الوعد والأمل في السعودية، لعلّ الأنظمة الملكية في المنطقة، من المغرب إلى الأردن إلى دول الخليج، هي الأقل تأثّرا بالربيع العربي. ولعل أكثرها صمودا هي السعودية، قوة النفط الرئيسية، وحليفة الولايات المتحدة، رغم اتهامها بالتفسير الوهابي المتشدد للإسلام، والذي يُحرّض ويشجع على انتشار الجهادية في أنحاء العالم.

صحيح أن التّغيير يأتي تدريجيا، ولكنها يأتي بشكل متسارع، بقيادة المرموز له بالإنجليزية "أم بي أس"، (أي محمد بن سلمان)، والبالغ من العمر (32) عاما. ومما لا شك فيه أنه سيتولى العرش من والده رسميا في عام 2018، مما يشكل أحد أبرز التغييرات الهامة التي ستشهدها السعودية في العام الجديد.

كما يُنظر إلى ولي العهد أنه القوة الدافعة القوية وراء اعتقالات العشرات من زملائه الأمراء بتهمة الفساد. لم يتفاجأ الكثيرون من مزاعم الفساد، ولكن العام الجديد سيشهد جَني "أم بي أس" لعشرات وربما مئات المليارات من الدولارات جراء هذه الخطوة. كما قادت السعودية اعتداءً سياسيا واقتصاديا، برفقة حلفائها في الخليج على دولة صغيرة هي قطر، متّهمين إياها بدعم الإرهاب، وبالقرب من إيران. لكن الاتهامات كانت ضعيفة، ورفضت قطر سلسلة من المطالب، مثل إغلاق شبكة الجزيرة المملوكة للدولة. ويبدو أن هذه "المقامرة" غارقة في الجمود، ومن غير الواضح إن كانت ستنتهي في العام 2018 أم لا.

أما على صعيد الحرب السورية، وهي معركة بالوكالة بين القوتين الإقليميتين، طهران والرياض، فالمؤكد أن الأمر ليس في متناول السعوديين، وانتهى الأمر. أما "الدّربكة" الأخرى فهي دفعهم رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لتقديم استقالته دون أن يُقَدّروا أبعادها. وفي اليمن، قام السعوديون بضربات جوية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وقُتل الالاف من المدنيين. إلا أن المتمردين ما زالوا يُحكمون القبضة على أجزاء رئيسية من البلاد، عدا عن وجود مجاعة وكوليرا لم تشهدهما البلاد من قبل. وليس من الواضح ما هي الرؤية السعودية للخروج من هذه الملفات خلال العام 2018، أو حتى بعد ذلك.

يقول الكاتب: "من العظيم أن ترى كل هذه الكراهية تجاه إيران، الذي تُكِنّه السعودية وغيرها من القوى السنية، والتي يعتقد بعض المراقبين أنها تتجاوز كراهيتهم للصهيونية. وفي إسرائيل، لا يتوقف المسؤولون عن الهمس بوجود محور سُنّي-إسرائيلي ناشئ ضد إيران، ومن المتوقع أن هذا المحور سينمو ويتطور خلال العام 2018".

الصفقة الأخيرة
من المتوقع أن يستلهم ترامب من إخفاقات أسلافه، لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بصفقة تحدّث عنها مرارا وتكرارا بخصوص سلام نهائي. ولكن من الصعب تصوّر وجود زعيم إسرائيلي أكثر اعتدالا مما هو موجود الان بحيث يكون قادر وذو نية صادقة على تلبية مطالب الفلسطينيين، التي تشمل تقاسم القدس ومدينتها القديمة. وحتى لو وافقوا بطريقة أو بأخرى، فإن إسرائيل ودولة فلسطين، المقبلة، ستحتاجان على الأرجح إلى حدود تمتد عبر مدينة القدس للفصل بين الطرفين. كما يطالب الفلسطينيون بالاعتراف ب "حق العودة" لملايين اللاجئين. ويشهد عقدان أو أكثر من المفاوضات الفاشلة على هذا المستنقع، وليس من الواضح كيف ستتجه الأمور خلال العام 2018، وخصوصا بعد أن أصبحت القدس عاصمة لإسرائيل وفق الأمريكيين أنفسهم، وستسعى واشنطن إلى الحصول على مساعدة من الرياض، وربما القاهرة أيضا، من أجل الضغط على الفلسطينيين.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: اسوشييتد برس

تصميم وتطوير