شارع الرّشيد في غزة.. لا يعرف النّوم

31.12.2017 11:03 AM

ترجمة خاصة-وطن: مع ساعات غروب الشمس في غزة، يبدأ غطاء من الظلام في تغطية معظم أنحاء القطاع، باستثناء شارعٍ رئيسي واحد، فهو لا ينام، ويبقى يعج بالضوضاء، والضوء، والحياة. إنه شارع الرشيد، الذي يمتد على طول الساحل الغزّي، من الشمال إلى الجنوب، ولا يخلو رصيفَه من المطاعم والمقاهي والباعة المتجوّلين. كما لا يكاد يخلو رصيفه من أي شيء يحتاجه الزبائن.

مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، الذي يصل إلى (20) ساعة متواصلة، فإن غزة عادة ما تكون سوداء قاتمة في الليل. لا توجد أضواء في الشوارع، ولا توجد كهرباء في معظم المنازل. وبالتالي، فإن الضوء الوحيد ينبعث على شكل ومضات من المصابيح الأمامية للسيارات أثناء سيرها في الشوارع.

ولهذا السبب، يتدفق العديد من السكان، مثل محمد أبو زيد، البالغ من العمر (27) عاما، إلى شارع الرشيد كل ليلة هروبا من الظلام. كل ليلة يمشي محمد على الرّصيف البحري، ثم يجلس على الكرسي، يتناول الشاي، ويدخن "الشيشة". وهو على هذه العادة، ويقوم بها يوميا، منذ ما يقرب من عامين.

ويضيف أبو زيد: "ليس لدي أية وظيفة، وقد حصلت فقد على وظيفة مؤقتة لمدة ستة أشهر، ولمرة واحدة، منذ تخرجي من الجامعة. المنزل الذي نعيش فيه حاليا صغير جداً، إذا ما قورن بمنزلنا القديم، الذي تم قصفه وتدميره من قبل الاحتلال في الحرب. إن الوضع برمّته يسبب لي ضغوطا كبيرة، بالإضافة إلى ساعات طويلة من انقطاع التيار الكهربائي، وهذا هو السبب في أنني أمضي معظم الوقت في شارع الرشيد، وفي الصيف أنام هنا مع أصدقائي، أملاً في راحة البال المفقودة".

من جهته، يقول أحمد الدّلو، (27) عاما، إنه يقضي من أربع إلى ست ساعات يوميا في الشارع الشهير مع أصدقائه. ويؤكد أن الشارع يساعد الناس على التنفس وتغيير أمزجتهم. وعدا عن ذلك، فإن كل شيء آخر في المدينة خانق جدا.

وأضاف: "إننا نقضي الوقت مع الأصدقاء هنا، ونناقش موضوعات مختلفة تتعلق بمباريات كرة القدم، والبطولات الأوروبية، والسينما الأمريكية والهندية". وأضاف "إننا نحاول نسيان مخاوفنا وهمومنا، خصوصا أننا عاطلون عن العمل، وأن العثور على عمل صعب في قطاع غزة". وقد درس الدلو وأصدقاؤه إدارة الأعمال في جامعة القدس المفتوحة، لكنهم جميعا عاطلون عن العمل، ينقل الكاتب.
ووفقا لتقرير البنك الدولي حول الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية في قطاع غزة لعام 2016، بلغت نسبة البطالة بين الشباب (58%)، وهو مستوى "مقلق".

استولت حماس على غزة من السلطة الفلسطينية في العام 2007، بعد عام واحد من فوزها بالانتخابات التشريعية. ومنذ ذلك الحين، ظل قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي. ورغم أن حركتا فتح وحماس وقعتا اتفاقا للمصالحة في القاهرة مؤخرا، لكن الكثير من السكان يقولون إن الوضع لم يتحسن، وأنهم لا يثقون بالمسؤولين الفلسطينيين.

وقال أحمد الشنطي (37) عاما: "بالكاد أستطيع تحمل الاحتياجات الأساسية لأسرتي، والوضع مرهق جدا بالنسبة لنا، ولا سيما أولادي الذين يحتاجون للعب، وللذهاب إلى المناطق الترفيهية، بدلا من قضاء معظم حياتهم في الظلام الدامس".
أما أحمد أبو تُقَيّا، (29) عاما، فهو ليس بغريب عن شارع الرشيد، فهو من سكان أحد المنازل فيه. وقد تعرض لإصابة خطيرة في الساق خلال العدوان على غزة عام 2014، وأدت الإصابة إلى إنهاء حياته المهنية كَنَجّار. ومؤخرا، أدت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى الطلاق بينه وبين زوجته، على حد قوله.

ويقول أبو تقيا: "يحتاج الشباب في غزة إلى قضاء بعض الوقت الهادئ، بعيدا عن ازدحام المدينة الصاخبة، ومدينة غزة تعتبر مدينة مكتظة جدا بالسكان، وهي الصفة الغالبة على كل مدن القطاع الذي يبلغ عدد سكانه (2) ملون نسمة". وأضاف: "بالنسبة لي، أشعر بالراحة عندما أجلس على شاطئ البحر في هذا الشارع، مهما بلغ الوقت".

من الجدير بالذكر أن هذا الشارع خرج في صورة جديدة في شهر أيلول 2015، بعد أن تم إنفاق أكثر من (29) مليون دولار على إعادة إعماره. وكجزء من المشروع، تم تركيب الألواح الشمسية على طول الشارع البحري لتوفير الكهرباء ليلا. وكان هذا المشروع جزءا من عدد من مشاريع إعادة الإعمار في القطاع، وتم تمويله من قبل اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة بمنح تبلغ (407) مليون دولار من الحكومة القطرية. وتجدر الإشارة إلى أن القطاع المحاصر تعرض للقصف المكثّف من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في أربعة حروب منذ عام 2006، مما جعل غزة في حالة خراب.

لا كهرباء في معظم المنازل

تم تزيين جدران الشارع بالكتابات والرسومات الفنية، بما في ذلك خطٌ كبير لإحدى أغاني أسطورة الغناء اللبنانية فيروز، وهي أغنية "شايف البحر شو كبير، كِبر البحر بحبك". وتستمر طبيعة شارع الرشيد، فالمطاعم والمقاهي تعج بالناس في الصيف، والناس يلعبون البطاقات ويتمتعون بالاستماع إلى الموسيقى. كما أن الأسر تتمتع ببعض الوقت، وتقضي وقتا في السهر حتى ساعات متأخرة من الليل.

الباعة المتجولون

البائع المتجول إبراهيم مسعود يدعو الزبائن إلى عربة البيع الخاصة به. بينما رائحة القهوة التركية والعربية التي قام بتحضيرها على العربة تعج بالمكان وتجذب الزبائن إلى عربته بكثافة. في حين يُسمِعهُم ما يُحِبّون من الأغاني العربية القديمة، من سنوات الأربعينيات، مثل أغنية "ليالي الأنس في فيينا" للمغنية السورية الشهيرة أسمهان. وفي الحال، يجتمع الناس حول عربته لمناقشة البطالة، والتنفيس عن التحديات ومصاعب الحياة الأخرى التي تواجههم في غزة المحاصرة. يعمل مسعود خلال النهار على عربته، ويركز في تجواله على منطقة تل الهوى، وهي منطقة غنية تضم معظم جامعات غزة، وفي الليل ينتقل بالعربة إلى شارع الرشيد.

ويقول مسعود: "كان معظم الباعة المتجولين من العمال المهرة والحرفيين، ولكن الحصار المشدد تسبب في فقدان وظائفهم. فقد اعتدت أن أكون عامل ماهر في الحدادة وتشكيل المعادن. ولكنني اضطررت للتوقف بسبب تراجع الأعمال منذ الحصار. والآن أعمل كبائع متجول، وأنا أستمتع بعملي لأنه يساعدني على توفير الرزق لعائلتي".

وبسبب الحالة الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، يُسمح للباعة المتجولين بالعمل دون دفع أية رسوم للبلدية. ويقول البائعون أنهم يحصلون على دخل جيد، خاصة خلال فصل الصيف. ويقدّر حاتم الشيخ خليل، مدير العلاقات العامة في بلدية غزة، أن حوالي (10) آلاف شخص يتجمعون في شارع الرشيد يوميا. ووفقا للشيخ، فقد قامت المطاعم والفنادق والمقاهي هناك بتركيب مولدات لتزويد زبائنها بالكهرباء. ولا تستطيع معظم الأسر في غزة شراء الوقود لتشغيل مولدات الديزل الخاصة بها في المنزل.
ويقول: "يعتبر شارع الرشيد واحدا من أهم الشوارع في قطاع غزة على الاطلاق، فهو مركز أشهر المطاعم والفنادق والمقاهي، كما أن أنواره لا تنطفئ أبداً".

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "مِيدل إيست آي"

تصميم وتطوير