تقديرات احتلالية: منظمة التحرير الفلسطينية تواجه الازمة الاكبر في تاريخها

11.01.2018 01:05 PM

ترجمة خاصة-وطن: لم تتخذ الدول العربية أي خطوات عملية ضد الإدارة الأمريكية في اعقاب قرارها اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، رغم مرور أكثر من شهر على إعلان ترامب لذلك القرار، فضلا عن كون الانتفاضة الفلسطينية المفترضة متعثرة أيضا.
ومن الواضح ان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يخشى من كسر قواعد اللعبة مع إسرائيل. ورغم انه دعا الى انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لاحقا هذا الشهر، من اجل مناقشة الرد الفلسطيني الأمثل على اعلان نظيره الأمريكي، الا انه يدرك تماما انه لن يكون بمقدوره تغيير الإعلان الأمريكي بشأن القدس.

وفي واقع الامر، مر أكثر شهر على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، دون ان يتخذ العالم العربي أي خطوات عملية ضد الإدارة الأمريكية، سوى الإدانات والتهديدات.

وللتنفيس عن الغضب والاحتقان، سمح حكام الدول العربية لجماهير بلدانهم بتنظيم الاعتصامات والوقفات والمظاهرات، وبتسيير المسيرات الضخمة ضد اعلان ترامب. ولكن، في حقيقة الامر، لم يتخذ أي اجراء فعلي، فلم نرى اية دولة عربية تستدعي سفيرها من واشنطن، او تامر السفير الأمريكي لديها بمغادرة البلاد.

وكان الرئيس محمود عباس هو الشخص الوحيد من بينهم الذي اتخذ خطوة رمزية، عندما طلب من ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، حسام زملط، العودة الى رام الله للتشاور.

وبدورها، لم تكن الجامعة العربية مقتنعة باجتماع وزراء الخارجية العرب في الأردن، كما ان العالم العربي غير معني بأية مواجهة مع إدارة ترامب من اجل عيون الفلسطينيين. لان اهتمامهم الأكبر الان هو استهداف إيران، ومحاربة "داعش".
كما ان انتفاضة القدس، التي أعلنت حماس عن اطلاقها، لم تصدر لها اية مظاهر جماعية، ولم تلقى أي صدى مؤثر حتى الان. فضلا عن ان نطاق المظاهرات والمواجهات يتضاءل، و "أيام الغضب" تقل. ويبدو بالتالي انهم نجحوا في جعل المنطقة معتادة الان على الواقع الصعب الجديد. وفي ظل هذا الواقع، يجد الفلسطينيون أنفسهم وحيدون في نضالهم ضد القرار الأمريكي، حيث ان الدول العربية تظهر في العادة ضعفا كبيرا امام الولايات المتحدة.
ووفق البيانات الصحية الفلسطينية، فقد شهد الشهر الاول من الاحتجاجات على قرار ترامب استشهاد (14) فلسطينيا، واصابة (4549) شخصا، بينهم (226) طفلا.

وقد كان العمل الميداني لجيش الاحتلال، والشرطة الإسرائيلية، على نحو مناسب، وقائم على تقدير صحيح للموقف وعلى معلومات دقيقة، وفق الكاتب. ويضيف، ان جيش الاحتلال نجح حتى الآن في احتواء موجة العنف الفلسطيني، وهو العامل الأكثر أهمية في تهدئة المنطقة كلها، فالمحيط لا بد ان يهدأ عندما يرى ذوي الشأن المباشر (أي الفلسطينيين) يهدؤون، لأنه لا يمكن ان يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين.

من الوضح ان الفلسطينيين باتوا مقتنعين بأن إعلان ترامب حول القدس ما هو الا المرحلة الأولى من مؤامرة أمريكية-إسرائيلية تهدف إلى إزاحة قضية القدس من على جدول الأعمال، وبالتالي تقويض القضية الفلسطينية، ومن ثم القضاء عليها وتصفيتها كليا. وليس ادل على ذلك من مسارعة إسرائيل الى اتخاذ بعض الخطوات الهامة بعد اعلان ترامب مباشرة، مثل سن قانون "القدس الموحدة" في الكنيست. تلاه قرار اللجنة المركزية لليكود ضم الضفة الغربية. مما يجعل الفلسطينيين على بينة بان هذه ليست الا بداية وان هناك خطوات لاحقة في الخطة نفسها. ثم تلا ذلك قرار الإدارة الامريكية نفسها بوقف المساعدات المالية التي تقدمها الى وكالة "الاونروا". وهي خطوة أيضا خطوة في ذات السلسة وتهدف إلى القضاء على قضية اللاجئين، وإلغاء حق العودة، الذي يعد أحد اهم قضايا الوضع النهائي حساسية.

الازمة الأكبر في تاريخ منظمة التحرير

قال مسؤولون كبار في حركة فتح أن الأزمة الحالية هي الأشد والاكبر التي تواجهها منظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها. ولا شك بان الاختبار الأهم الان هو كيف يعتزم محمود عباس التعامل مع الأزمة، بينما تترقب عيون الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية والشتات خطواته القادمة.
وبالمقابل، ترى حركات المعارضة الفلسطينية، وخصوصا حماس والجهاد الإسلامي، أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، وبالتالي فان الامر بحاجة الى العودة إلى الكفاح المسلح، وفق رؤية الحركتين. اما عباس، فقد كان، ومنذ العام 2005، قلقا من احتمال تجدد الهجمات باستخدام الأسلحة النارية. وهو لا يؤمن الا بأساليب الاحتجاج من خلال "المقاومة الشعبية بالوسائل السلمية"، وهو درس رئيسي استخلصه بنفسه من فشل الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

لذلك يحاول محمود عباس كسب الوقت والمناورة في الساحة الفلسطينية الداخلية، مع تقديره انه لن يتمكن في نهاية المطاف من الغاء الإعلان الأمريكي. وانه قد يستخدم هذا الامر لتحسين مكانته في الشارع الفلسطيني، وتصويره على أنه "الرجل الفلسطيني الأول الذي لم يتردد في مواجهة الرئيس الأمريكي"، وانه "الحارس على القدس، عاصمة فلسطين"، وفق زعم الكاتب.
وفي هذا السياق، يبدو ان الة الدعاية الإعلامية في السلطة الفلسطينية، وفي حركة فتح، تثيران وترفعان التوقعات بين الجمهور الفلسطيني، مما يوحي بأن اجتماع المجلس المركزي سيشهد نقاشات عميقة، وستتخذ فيه قرارات مصيرية بشأن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وبشأن اتفاقات أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وبالتالي إعادة تأسيس علاقات جديدة ومختلفة كليا مع الاحتلال.

وعلى الرغم من ان الظرف الحالي يشكل تحديا وطنيا فلسطينيا، الا ان كل الدلائل تشير إلى أن محمود عباس محدود جدا في خياراته السياسية للتعامل مع إعلان ترامب، ومن الصعب عليه الاتيان بخطوات عملية دون دعم عربي قوي. ولا ننسى التحدي الاخر امامه وهو انه بحاجة الى مواجهة الدول العربية "المعتدلة" التي لا ترى في إعلان ترامب "نهاية العالم."
وفق تقدير الكاتب، من البديهي معرفة ان الرئيس الفلسطيني لا يريد تفكيك السلطة الفلسطينية، ولا وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما لا يمكنه الشروع في حملة سياسية طويلة الأمد ضد الولايات المتحدة، فليس لديه "النّفَس" لذلك. وبالتالي، فمن المتوقع أنه سيتم في النهاية، اتخاذ قرارات غاضبة، ولكن فارغة، في اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفق زعم الكاتب.

من الواضح إذا ان رئيس السلطة الفلسطينية غير معني بكسر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وسيشهد اجتماع المجلس المركزي بالتالي الكثير من الصراخ والضجيج، من عباس ومن غيره، الا انه سيضطر في نهاية المطاف الى تناول "المسكنات" بمرارة، على أمل أن يحصل على تعويض سياسي جيد من إدارة ترامب بديلا عن اعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وفق زعم الكاتب.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير