الاونروا: وكالة اممية يجب حلها

16.01.2018 11:56 AM

 ترجمة خاصة-وطن: نشرت صحيفة "ذي جيروزالم بوست" مقالا للكاتبة "ليئات كولنز" تناولت فيه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وعملها، وأهدافها، وبعض المراحل التاريخية. تعيب الكاتبة على الوكالة عدم سعيها الى توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها، قبل ان يتم رفع هذا الهدف من ولاية الاونروا في العام 1965. وفي النهاية تسوق لفكرة حل الوكالة وتحميل مهامها على كاهل السلطة الفلسطينية:

عندما "غرد" الرئيس الأمريكي، ترمب، على تويتر معلنا عن قطع المساعدات الامريكية عن "باكستان والفلسطينيين"، لم يكن ذلك غريبا عن أسلوب عمله الذي يلاحظه الجميع. ولا سيما تصرفاته في الفترة الأخيرة. يقول الكاتب انه ليس من المعجبين بالعمل الديبلوماسي لترمب عبر تويتر، لكنه يود رسم خط احمر بين النقاط التي ساقها ترمب.

ويضيف، لكي نفهم مدى العبثية التي تعتري عمل الأونروا أحيانا، علينا ان ننظر الى ان الوكالة تخلط احيانا بين مسميات لا يصح باي حال الخلط بينها. ففي بعض الأحيان، استخدمت اسم الهند للإشارة الى إسرائيل، كما استخدمت اسم باكستان في الإشارة الى الفلسطينيين (أي انه تم الخلط بين الكلمتين بالإنجليزية "باكستان" و "بالستاين").

وقد بدأت الصراعات في كلا المنطقتين (باكستان وفلسطين) في ظل ظروف متشابهة. حيث جاءت بعد نهاية الانتداب البريطاني: في العام 1947 بالنسبة الى الهند وباكستان، وفي العام 1948 بالنسبة الى إسرائيل. علما انه حتى الدول العربية التي شاركت في الهجوم على "الدولة اليهودية الوليدة"، في ذلك الوقت لم تكن تشير الى السكان العرب آنذاك باسم "الفلسطينيين".
شهدت تلك الفترة اقتلاع ما لا يقل عن (15) مليون شخص في الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وفي باكستان ذات الأغلبية المسلمة. كما شهدت الفترة مقتل (1-2) مليون شخص. وقد كانت تلك الاحداث مليئة بالماسي والالام.

وبعد سبعين عاما على تلك الماسي، ترتبط الهند وباكستان بعلاقات متذبذبة بشكل شبه دائم، كما تشتعل على شكل صراع بين الحين والأخر. وما تزال هناك مناطق متنازع عليها بشدة بين الجانبين الى الان، مثل كشمير. غير انه لا وجود لمشكلة لاجئين في هذا الصراع، لأن الهندوس والسيخ، الذين فروا من باكستان الى الهند، والمسلمين الذين فروا من الباكستان الى اتجاهات أخرى، لم يقضوا العقود السبعة الماضية وهم متعلقون بالوهم القائل بانه سياتي اليوم يعودوا فيه الى ارضهم، ويدمروا أعداءهم.
وبالمثل، فإن اليهود ال (850) ألف الذين غادروا البلدان العربية، لا يعتبرون أنفسهم "لاجئين" في إسرائيل. رغم انه قد تبرز بعض الصعوبات امامهم مثل الطريقة التي يتم بها التعامل مع اليهود "السفارديم" من قبل يهود "النخبة الأشكنازية". لكنها على كل حال "منافسة بين الأخوة"، وفق الكاتب.

من الغريب أن الامر لم يتوقف عند مجرد وجود "لاجئين فلسطينيين"، وانهم ما زالوا مشتتين في الكثير من البلدان، بل ان اعدادهم تضاعفت من نحو (700) ألف شخص في العام 1948، إلى أكثر من (5) ملايين شخص وفق إحصاءات حديثة. ولا بد في هذا المقام من توجيه جزء كبير من اللوم الى بعض الدول العربية، مثل لبنان وسوريا، لأنها حرمت اللاجئين من حقوقهم الكاملة. كما سخرت قضيتهم واستخدمتها بطرق مختلفة كأداة ضد إسرائيل.

ولا بد في هذا السياق من الإشارة الى السلطة الفلسطينية ولومها، فهي أيضا تلعب دورا من خلال لعبة مزدوجة، وفق مصطلح الكاتب. فهي من جهة تدعي انها أصبحت دولة فلسطين-وقد اعترفت بها أكثر من (135) دولة-ومن جهة أخرى تحتج دوما على وضعها الراهن المتمثل في كونها تمثل لاجئين يحتاجون الى المساعدات.

وساهمت الأمم المتحدة في هذه المشكلة عندما قامت، ومن طرف واحد، بمنح الفلسطينيين وضع "اللاجئ الدائم". وهو وضع يستمر ويتم تمريره من حيل الى جيل، دون ان تقوم الوكالة بمبادرات جدية لإنهائها، وهو ما يؤدي الى استمرار محنتهم. وبالتالي فان الأونروا ليست الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بل انها السبب في أن المشكلة ما تزال قائمة، وفق الكاتب.

وتم تأسيس الأونروا في العام 1949، ظاهريا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الى ان يتم حل مشكلتهم. ومن عقد الى عقد، أصبحت الاونروا وكالة كبيرة تمارس تجارة الاعمال المختلفة، مع ميزانية كبيرة تبلغ الملايين (منها نحو 300 مليون دولار تقدمها الولايات المتحدة بشكل سنوي)، وكادر وظيفي كبير، يبلغ حوالي (30) ألف موظف. وامام امكانيات كهذه، واستفادة كتلك، من المعتقد ان الاونروا نفسها لا تفضل انهاء الأزمة، وفق الكاتب.

وتقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (يو ان أتش سي ار) بتولي ومعالجة أمور جميع اللاجئين الآخرين في العالم، والذين وصل عددهم مع نهاية العام 2016 الى (65.6) مليون لاجئ. ويمكن ان يتم توجيه التمويل عبر "يو ان أتش سي ار" إلى مسلمي الروهينغا، أو الى الملايين من المشردين نتيجة الحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن، أو في أنحاء أفريقيا. ولكن ذلك لا يتم بشكل كامل، حيث تنفق نسبة كبيرة على اللاجئين الفلسطينيين، من خلال الاونروا. ويقول الكاتب انه لا يمكنه الا ان يشير الى هذه المعاملة التفضيلية للفلسطينيين، من خلال تخصيص وكالة خاصة للاجئين الفلسطينيين، على حساب "إخوتهم" اللاجئين المسلمين من الدول الأخرى.

ويضيف، لا بد من النظر الى الجانب الاخر من الموضوع. فربما عززت الأونروا الشعور لدى اللاجئين الفلسطينيين بأنهم بحاجة دائمة، وانهم اهل لاستحقاق لا ينتهي لتلك المساعدات. فالوكالة بدلا من مساعدة الفلسطينيين على أن يصبحوا مكتفين ذاتيا ضمن المجتمعات التي يعيشون فيها، قامت بتشجيعهم وتعويدهم بطريقة غير مقصودة على ثقافة الاستفادة والاعتمادية على الاونروا.

كما تجب الإشارة الى جانب اخر من التناقض، والتمييز ضد اليهود، وفق الكاتب. حيث ان آلاف اليهود الذين غادروا قطاع غزة كنتيجة لفك الارتباط الإسرائيلي عن القطاع في العام 2005، لم يتم اعتبارهم لاجئين، على الرغم من أنهم فقدوا منازلهم، وكل سبل عيشهم التي بنوها في غزة. على الجانب الاخر، تم منح "وضع" اللاجئ لكل "المسلمين" الذين انتقلوا إلى قطاع غزة في العام 1948، وتم الاعتراف بهذا الوضع على المستوى الدولي.

ويتمتع سكان قطاع غزة والضفة الغربية بحق التصويت في الانتخابات الفلسطينية كلما نظمت. وعل الرغم من حقهم في التصويت، الا انهم لم يتمكنوا من الخروج بالتأثير المناسب، واختيار قيادات براغماتية فاعلة وقادة على خدمتهم، كما لم يتمكنوا من الضغط او المساهمة في انهاء الخلاف بين حركتي حماس وفتح.

وهنا يحق التساؤل: هل يصح مواصلة تقديم المنح والمساعدات لمجتمعات تتمتع ب "وضع" اللاجئ، وفي ذات الوقت تفشل في تغيير أبسط ظروف واقعها؟

اما السلطة الفلسطينية، فهي لا ترى ضرورة لان تقوم بنفسها برعاية شؤون اللاجئين، لأن دافعي الضرائب الأجانب يقومون بذلك نيابة عنها، من خلال وكالة الأونروا، او من خلال غيرها من المنظمات الأممية. أكثر من ذلك، ربما ترى السلطة الفلسطينية ان "اللاجئين" أكثر فائدة لها، من ان يكونوا مواطنين يتوجب عليها تمويل شؤونهم. واللاجئون الفلسطينيون هم الوحيدون في العالم الذين بإمكانهم الحصول على وضع "المواطنة"، والحصول على وضع "اللاجئ" في نفس الوقت.
وهنا يبرز السؤال التالي: هل الفلسطينيون الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان الأردن، على سبيل المثال، يعتبرون لاجئين حقا، رغم امتلاكهم للمنازل، والعقارات، وجوازات السفر الأردنية، وحق التصويت؟

وما يزال عدد اللاجئين الفلسطينيين في ازدياد مستمر. وتشير إحصاءات الأونروا نفسها الى انه تم تشريد أكثر من (700) ألف لاجئ فلسطيني في العام 1948، نتيجة للحرب العربية-الإسرائيلية الأولى. وبطبيعة الحال، لم تذكر الاونروا من هو الطرف الذي بدأ تلك الحرب، وفق الكاتب.

وتقول الأونروا انها الآن مطالبة برعاية شؤون (5) ملايين لاجئ فلسطيني، مع أبنائهم واحفادهم، يعيشون في الشرق الأوسط، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا والأردن ولبنان.
وفي سياق تعاقب الأجيال هذا، تعتبر كلمة "احفاد" ذات معنى مهم. فهي تشير الى العمق الزمني لازمة اللاجئين الفلسطينيين. غير انه من الجدير بالقول انه لو كانت أهداف الأونروا تشمل "تسهيل استيعاب اللاجئين في الدول التي يعيشون فيها، ولو تدريجيا"، فان عدد اللاجئين الذين يحتاجون الى المساعدة لن يكون سوى بضعة الاف، وليس الملايين كما هو الوضع الان. غير أن من المعروف ان هذا الهدف غير موجود على اجندة عمل الاونروا، لان ولاية الأونروا "لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين" قد ألغيت في العام 1965.

وتبقى العقبة الحقيقية في موضوع اللاجئين بأكمله، وفق مصطلح الكاتب، هي الإصرار الفلسطيني على "حق العودة". وهو حلم فلسطيني يعني انه سيتم اغراق دولة الاحتلال بالملايين الذين يحملون صفة لاجئ، ويطالبون بالعودة. وليس هناك أي اعتراف من اية جهة بحق اليهود في العيش في أماكن مثل الخليل، أو البلدة القديمة من القدس، أو حي "نفيه يعقوب" أو مستوطنة "غوش عتصيون"، الا انهم يسكنون هناك، ويتوسعون افقيا وعموديا.

وفي النهاية، يدعي الكاتب انه قد حان الوقت لكي يتم "حل" وكالة الأونروا، ولو بشكل تدريجي. وان يتم تحويل مسؤولياتها القطاعية، مثل التعليم والرعاية الصحية إلى "يو ان اتش سي ار" في المرحلة الأولى، ومن ثم نقلها الى أيدي السلطة الفلسطينية فيما بعد.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير