القارب يغرق.. والسلطة لم تقفز بعد

18.01.2018 11:53 AM

ترجمة خاصة-وطن: في خضم المناخ السياسي المضطرب في المنطقة، يحق للمرء ان يتساءل عما إذا كان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يأسف لهذه الأوضاع التي وصل اليها. وإذا كان الأمر كذلك (أي ان كان الرئيس يتأسف على المواقع المرير)، فهل يتطلع الى عودة الأمور الى الخلف عقدا من الزمن، فلربما يكون حالها أفضل مما هي عليه الان؟

يمسك الرئيس الفلسطيني منذ العام 2008 بزمام الأمور بشكل جيد، من مركزه في رام الله، على الرغم من انه كان قد فقد قطاع غزة بشكل كامل قبل ذلك بعام تقريبا، عندما طرده مسلحو حماس بعنف من قطاع غزة بأكمله، في حرب داخلية لم يسبق ان شهدها الفلسطينيون. ومع ذلك، توافد الكثيرون من ملوك الدول ورؤسائها الى مقر المقاطعة في رام الله، في مساع ومبادرات متنوعة بهدف حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث يعرف اغلبية الزعماء انها المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الشرق الوسط.

وفي سياق متصل، عرض رئيس وزراء دولة الاحتلال في ذلك الوقت، ايهود أولمرت، على الرئيس الفلسطيني عباس اتفاق سلام شامل. كان من شأن ذلك العرض أن يفضي الى قيام دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع مقايضة بسيطة لبعض الأراضي، ومع السماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين. ولكن، عندما حان موعد التوقيع، دعا اولمرت عباس الى التوقيع على الخطوط العريضة، فقال الرئيس الفلسطيني انه بحاجة الى التشاور مع المسؤولين الفلسطينيين، غير انه ذهب ولم يعد لأولمرت باي جواب.

وفى وقت لاحق، كان عباس اول زعيم عربي يتلقى مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي الجديد آنذاك، باراك أوباما، مشيرا الى أهمية التعاون مع عباس لإيجاد حل نهائي. لكنه تعهد في ذات الوقت بعمل تواصل عبر "ضوء النهار" بين الولايات المتحدة إسرائيل (بمعنى تعاون على مدار 24 ساعة). وقد تجلى ذلك في ممارسة الضغط على نتنياهو من اجل تجميد البناء في المستوطنات، على ان يشمل ذلك كل أنواع التجمعات اليهودية الواقعة في الضفة الغربية.

ولكن عباس ظل متمسكا برفضه التفاوض خلال الاشهر ال (9) الاولى من تعليق البناءفي المستوطنات. ومن ثم طالب في نهاية المطاف بتجديد هذه السياسة الى ما لا نهاية (أي ايقاف البناء في المستوطنات بشكل دائم). وبينما كان يمكن لأولمرت ان يوافق على ذلك لو استمرت المباحثات في الاخذ والرد، لم يكن باستطاعته الدفاع عنه امام رئيس وزراء إسرائيل اللاحق، والأكثر تشددا، بنيامين نتنياهو.

وقد تكرر هذا النمط نفسه من مبادرات السلام خلال ولاية أوباما الثانية، عندما حاولت ادارته فرض مبادرات جديدة، بقيادة وزير الخارجية في ذلك الحين، جون كيري. وقد ترتب على نتنياهو في ذلك الحين إطلاق سراح عدد من السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية على أربع دفعات. ولم تَفِي إسرائيل بالتزامها حيث خالفت الاتفاق وامتنعت عن إطلاق الدفعة الرابعة من الاسرى، وهنا وجد عباس ذريعة أخرى للخروج من عملية السلام.

وبعيد ذلك، انحدر الشرق الأوسط بمجمله في فوضى كبيرة في أعقاب اندلاع ما يسمى بالربيع العربي. في حين استغلت إيران "الشيعية" الوضع وقامت بفرد عضلاتها في جميع أنحاء المنطقة. وحيث انه لم يكن هناك يد لإسرائيل في إن اندلاع الحروب في سوريا والعراق واليمن، وما وراءها، فقد أدى ذلك الى تهميش كامل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وقد أدى تدافع الاحداث، الى تحفيز التقارب بين الدول الإسلامية السنية ودولة الاحتلال، حيث تَشَاطَرَ الطرفان هدفا واحدا وهو كبح جماح التوسع الإيراني في المنطقة. وفي ظل ذلك، تغيرت الأوضاع الجيوسياسية بشكل سريع، فالدول التي كانت تدعم الفلسطينيين في السابق، وتنظر الى إلى الأمور من منظار "الأسود والأبيض،" أمست تنظر الى الأمور من منظار "الأزرق والأبيض"، فهي ترى ان دولة الاحتلال (أي الأبيض والازرق) أكثر فائدة لها من السلطة الفلسطينية. وان لدى اسرائيل ما تقدمه في وجه الجمهورية الإسلامية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وجوديا عليها.

أدخل الرئيس الأمريكي ترمب نفسه التاريخ، وهو الرئيس الأمريكي الأقل أيديولوجية، والذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ابدا. فبينما استثمر البيت الأبيض في عهد أوباما مجمل رأس ماله السياسي في دفع عملية السلام إلى الأمام، الا ان ترمب تَعَارَضَ مع كل التوجهات والسياسات والمفاهيم السابقة، وتصرف كما يشاء. كما انه لم يبدي أي استعداد لان يأخذ المخاوف الفلسطينية بعين الاعتبار. وابزر مثال على ذلك، اعترافه المتهور بالقدس عاصمة لإسرائيل.

اما السلطة الفلسطينية، فبدلا من التكيف مع الوضع الجديد، الا انها اتبعت سياسة الأرض المحروقة، وقاطعت واشنطن بشكل فعال، وهددت بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، مما يترتب عليه إلغاء اتفاقيات أوسلو. هذا على الرغم من عدم وجود الكثير من الأوراق بين أيديها، فهناك قبول ضمني واضح من قبل الدول العربية بإعلان ترمب بخصوص القدس. كما ان الكونجرس الأمريكي بدأ فعلا التحرك باتجاه قطع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الى السلطة الفلسطينية، الى حين التزام السلطة بوقف الرواتب عن السجناء الفلسطينيين وعائلاتهم، والذي يسميه الامريكيون "الدفع مقابل الذبح".

اما على الصعيد الداخلي، فإن الوضع ليس أفضل. فقد أظهر مسح أجري مؤخرا أن حوالي (70%) من الفلسطينيين يريدون من عباس الاستقالة. فخلال عهده، فقدت السلطة الفلسطينية الشرعية في نظر شعبها، كما ان الكثيرين ينظرون الى الحكومة الفلسطينية على انها حكومة فاسدة وعاجزة عن الاضطلاع بشؤون شعبها، وغير قادرة على دفع مصالحهم الفردية او الجماعية الى الامام، وفق مصطلح الكاتب. وعلاوة على ذلك، فإن الفلسطينيين ما زالوا منقسمين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الخاضع لحكم حماس، رغم المحاولات المصرية الأخيرة لإنجاز المصالحة. غير انها لم تصل بعد الى نتيجة نهائية حاسمة.

ووفقا لما ذكره عاموس جلعاد، المدير السابق للشؤون السياسية والعسكرية في وزارة جيش الاحتلال، فإن رئيس السلطة الفلسطينية يأخذ على الإدارة الامريكية انها لم تأخذ بعين الاعتبار الكثير من المواقف والمرونة التي ابداها في سبيل تحقيق السلام. ويعتقد جلعاد ان أيام عباس ربما تكون معدودة، وغير كافية لإنجاز سلام ما، ما لم يبدي المزيد من المرونة من جانبه، وفق زعمه. وأضاف جلعاد "ان هذه قد تكون الفرصة الأخيرة، حيث ان عباس متقدم في السن، وإذا كان اليوم موجودا فقد لا يكون موجودا في العام المقبل. وعليه، يبدو ان فرص السلام تقل ان لم تكن تتلاشى كليا".

والان، وجد الرئيس الفلسطيني نفسه "عالقا بين الصخور في مكان شديد الوعورة، دون ان يستطيع الهبوط". وبينما قد توافق دول أوروبا، ومعها روسيا والصين، على الدخول الى ساحة رعاية عملية السلام، وتعبئة جزء من الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة بسبب التصرف الترمبي الأخير حول القدس، فربما تبرز هناك إمكانية لفرصة ضئيلة "لتأمين هبوط امن للسلطة الفلسطينية" من الوضع الصاخب الذي تعيش فيه.

وقالت عَنات كورز، من معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي، وعضو سابق في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية: "ان عباس يبدو يائسا، وهو يطلق النار في كل الاتجاهات، ويتصرف مع الإدارة الامريكية كما لو لم يكن هناك ما يخسره معها. اما مع إسرائيل، فهو أكثر حذرا لأنه في قبضتها، وفق الكاتب.

اما على المستوى الشعبي، فيشعر الفلسطينيون بأنهم فقدوا القدرة على التأثير في تسيير قضيتهم. وان الأمور تفلت من بين أيديهم كلما تسارعت الاحداث في المنطقة. لأنه كلما توترت المنطقة، كلما شعر الفلسطينيون ان قضيتهم تُدفع الى الزاوية. ليس لأنه يبدو ان المجتمع الدولي فقد الدافعية فقط، بل لأنه يشعر أيضا بالملل بعدما استنفذ سنوات من الجهود الفاشلة في محاولات التوصل الى تسوية. هذا فضلا عما يحدث في المنطقة، وخاصة التوترات المستمرة بين السعودية السنية ومحورها من جهة وإيران الشيعية ومحورها من جهة ثانية.

كما ان هناك شوكة أخرى في خاصرة عباس، ربما الشوكة الأكبر، وهي الحكومة الإسرائيلية. حيث انها تحولت خلال سنوات طويلة نحو اليمين، أي الى المزيد من الشراسة. وهي تضم العديد من الوزراء والأحزاب التي تعارض علنا حل الدولتين، وهي ما يزيد من مهمة عباس صعوبة على صعوبة.

وفي ختام اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ذهب الرئيس الفلسطيني الى تركيز هجومه على ترمب بدون تردد. فقد قال من بين ما قال "الله يخرب بيتك"، في إشارة إلى ترمب. ومن ثم انتقل الى إسرائيل واصفا إياها بأنها "مشروع استعماري صهيوني لا علاقة له باليهود". وفيما يتعلق بخطة السلام التي سيعلن عنها البيت الابيض قريبا، قال عباس انهم عرضوا علينا ابو ديس لتكون عاصمة لدولة فلسطين. وأضاف ان أي حل دون القدس عاصمة لدولة فلسطين في المستقبل هو مرفوض وغير قابل لنقاش. وأضاف عباس "سنقول لا لأي أحد، وقد قلنا لا لترمب وغيره". وان الاقتراح الأمريكي مرفوض لان "صفقة العصر، هي صفعة العصر".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير