من السر الى العلن

إسرائيل : مسار العلاقة مع الهند، يطبق مع السعودية

30.01.2018 01:09 PM

ترجمة خاصة-وطن: نشرت صحيفة "ذي جيروزالم بوست" مقالا تناولت رحلة إقامة العلاقات بين إسرائيل والهند، وتدرجها من السرية الى العلنية، ومن ثم الى العلاقات الدبلوماسية الكاملة. وتساءل الكاتب ان كانت إسرائيل ستعمد، او عمدت فعلا، الى اتباع ذات الطريقة مع السعودية. ووصف استغلال إسرائيل للرغبة الهندية الملحة "بالحصول على أسلحة مع الحفاظ على السرية"، وكيف ان إسرائيل استجابت لهم بالقول "القوى الكبرى تضع شروطا سياسية على مبيعات الاسلحة، اما نحن فلا نفعل ذلك":
في أحد ايام العام 1990، توجه ديفيد ايفرى، القائد السابق لسلاح الجو في جيش الاحتلال، الى لندن لحضور اجتماع هام مع وزير الدفاع الهندي "في بي سينجي". وكان ايفرى يشغل في ذلك الوقت منصب المدير العام لوزارة جيش الاحتلال، وكانت تلك المرة الأولى التي يلتقي خلالها مسؤول إسرائيلي كبير مع وزير دفاع هندي.

لم يكن حينذاك اية علاقات دبلوماسية رسمية قائمة بين إسرائيل والهند، حيث جاءت تلك العلاقات بعد عامين من ذلك الوقت. مع العلم ان الاتصالات بين الدولتين بدأت خلال سنوات الثمانينات، عندما حضرت مجموعات صغيرة من الضباط في الجيش الهندي إلى إسرائيل لطلب المساعدة. وعلى إثر ذلك جرى توقيع بعض الاتفاقيات والصفقات، ولكن من خلال بائعين من طرف ثالث، وكانت تلك الصفقات صغيرة وذات بنود غير هامة.
وعلى الرغم من أن الهند استفادت كثيرا من الخبرة العسكرية لدولة الاحتلال، إلا أنها حافظت على علاقاتها مع إسرائيل طي الكتمان التام. فقد كانت ظروفها عبارة عن مزيج متنوع التشابكات. فقد شملت البيئة السياسية للهند تحالفاتٍ في حروب باردة، ومخاوف من اثارة سكانها المسلمين او عزلهم. كما شملت حرصا هنديا على الحفاظ على العلاقات مع العالم العربي. كل ذلك جعل الهند في حرص دائم على إبقاء علاقاتها مع إسرائيل في سرية مُطبِقة.

كانت إسرائيل حريصة على الارتقاء بالعلاقات الى مستوى وبأسرع وقت ممكن. اما الهنود، فكان اهتمامهم مختلفا. فقد كانوا يتطلعون الى تحديث قدراتهم العسكرية، فقد كانت في معظمها من السلاح السوفيتي القديم. وقد رأى ايفرى في ذلك فرصة كبيرة لا يمكن تفويتها. وفي ذات الوقت، لم يتخلى الهنود عن رغبتهم بالحفاظ على سرية العلاقة بين الجانبين للاعتبارات السابقة.
وقد سار اجتماع ايفري مع سينجي في لندن بشكل جيد. وتلقى ايفرى على إثره دعوة رسمية لزيارة الهند. وكانت الدعوة الى الهند تتضمن اقتراحا بالاجتماع مع رئيس الوزراء الهندي آنذاك ناراسيمها راو، ومع نظيره المدير العام لوزارة الدفاع الهندية. وقد حمل ايفري في زيارته رسالة من اسحق رابين، وزير جيش الاحتلال آنذاك، نقلت تطلعات رابين الى اقامة علاقات دبلوماسية مع الهند.
وفي ذلك الاجتماع في نيودلهي، وبعد ان تم تقديم الوفدين والتعارف والترحيب، طلب ناراسيمها راو من موظفيه مغادرة غرفة الاجتماع. فقد أراد أن يسمع من ايفري مباشرة ما الذي تقترحه إسرائيل بالضبط، وبوصف دقيق.

قدم ايفري الى ناراسيمها راو لمحة عامة عن جيش الاحتلال، واستعرض قدراته العسكرية، بما فيها الصناعات. ثم عرض له رسالة اسحق رابين، مقترحا "المفتاح" الذي يمكن من خلاله تطوير العلاقات بين اسرائيل والهند.
وقد فهم ايفري حاجة الهنود، فقال في الاجتماع: "ليس لدى إسرائيل اي نوع من القيود على مبيعات الأسلحة. نحن بلد صغير، اما القوى الكبرى فغالبا ما تضع شروطا سياسية على العلاقات العسكرية ومبيعات الاسلحة، اما إسرائيل فلا تفعل ذلك".

كلمات ايفري اثارت انتباه ناراسيمها راو

وقبل الموافقة على الاجتماع مع ايفرى، كان ناراسيمها راو قد طلب من وزير الدفاع الهندي الاجتماع مع البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية) في محاولة للحصول على موافقة لبيع الأسلحة الامريكية الى الهند. وفي ردها على الطلب الهندي، اجابت الولايات المتحدة بانها ستوافق على ذلك، ولكن شريطة ان تقوم الهند "بتنظيف سجلها في مجال حقوق الانسان".

وبعد الاجتماع المنفرد، دعا ناراسيمها راو من وزير دفاعه العودة الى الغرفة. وأمام ايفرى، أعطاه الضوء الأخضر لتوقيع صفقات سلاح بقيمة (2) مليار دولار مع إسرائيل. وتطورت العلاقات بين الطرفين في اطراد مستمر، الى ان أصبحت إسرائيل الان واحدة من أكبر موردي الأسلحة الى الهند. وليس ادل على ذلك الإعلان عن صفقة صواريخ بقيمة (500) مليون دولار بين إسرائيل والهند.
وقد نجحت إسرائيل في "نسخ" تجربة علاقاتها مع الهند على دول أخرى على مر السنين. فعلى سبيل المثال، قامت إسرائيل بإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين وسنغافورة على ذات المنوال مع الهند. فقد تدرجت تلك العلاقات بدءا من الاتصالات الدفاعية السرية، الى صفقات أسلحة خَفِيّة، الى ان ظهرت العلاقات الى العلن الكامل، وتدرجت الى علاقات دبلوماسية.
واليوم، يرى قادة الاحتلال ان العلاقات مع الهند كمثال يحتذى، وبمثابة صورة طبق الأصل للعلاقات التي يريدونها مع السعودية، علما ان بعض الانباء تحدثت عن ان اسرائيل تقيم اليوم علاقات مع عدد من دول الخليج وليس السعودية فحسب. والسؤال المطروح الان هو ما إذا كانت تلك العلاقات يمكن أن تتطور إلى ما هو ابعد من مجرد علاقات.

يبدو ان ذلك هو الاحتمال المرجح، فالتقارير تفيد بأن مصالح إسرائيل تلتقي وتتطابق مع مصالح دول خليجية مثل السعودية والبحرين والإمارات، فهم يرون في التهديد الإيراني الخطر الأكبر الذي يهددهم جميعا، بما في ذلك إسرائيل.
والتقدير الإسرائيلي يشير الى ان قادة الدول الخليجية المعنية يدركون قيمة إقامة علاقات مع إسرائيل، كما فعلت اسرائيل مع الهند. كما يدركون ان ما يمنعهم من الإعلان عن ذلك هو الشارع العربي، المحتقن أصلا على خلفية قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما يدركون انه سيكون من الصعب الإفصاح عن العلاقات دون إعطاء شيء للفلسطينيين، وهو ما لا يحدث الان.
والآن، مع الجمع بين وجود ترمب على راس الإدارة الأمريكية، والتقارير حول العلاقات الإسرائيلية-السعودية، وتعنت الرئيس الفلسطيني، قد تكون هناك فرصة للتخلي عن نهج "من أعلى إلى أسفل" في اقامة العلاقات، الى نهج "من أسفل الى اعلى" (أي ان تتوغل إسرائيل في العلاقات مع جيرانها وتتدرج فيها سريا كما فعلت في الحالة مع الهند، ومن ثم مع الصين وسنغافورة).

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير