الصين وإسرائيل.. بعد عداء طويل العلاقات الاقتصادية تزدهر

31.01.2018 01:28 PM

ترجمة خاصة-وطن: في العام 1930، قال ديفيد بن غوريون، أن الصين ستكون واحدة من أعظم القوى في المستقبل. وبالفعل، بزغت جمهورية الصين الشعبية أواخر العام 1949، معلنة استقلالها بعد ان انتصرت في الحرب الأهلية الصينية على "تشانغ كي شيك"، ودحرته ومن معه من القوميين الصينيين، المدعومين من الولايات المتحدة، الى جزيرة فرموزا (تايوان حاليا).

يذكر ان دولة الاحتلال اصبحت اول دولة في الشرق الأوسط، ومن أوائل دول العالم التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية الناشئة، وذلك في شهر كانون الثاني من العام 1950، كما دعمت حصول "جمهورية الصين الشعبية" على مقعد "الصين" في الأمم المتحدة. وقد حدث ذلك (أي التأييد الإسرائيلي للصين ضد القوميين الصينيين المدعومين أمريكيا) بعكس الإرادة الامريكية، وعلى الرغم من فقر الموارد الإسرائيلية، واعتماد إسرائيل على المعونات الامريكية. أي ان إسرائيل لم تأخذ التوجهات الامريكية بعين الاعتبار، واصرت على فعل ما يتماشى مع مصالحها الذاتية فحسب، وانطلقت في إجراء محادثات على اعلى المستويات مع جمهورية الصين الشعبية.

وفي وقت لاحق، دخلت إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية في خلاف غير مباشر خلال الحرب الكورية، عندما قامت إسرائيل بتقديم الدعم الى قوات الأمم المتحدة، والذي شمل مساعدات غذائية وطبية فقط، ولم يشمل اية تعزيزات عسكرية. وفي وقت لاحق بدأت العلاقات بين إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية بالتطور مع تأييد إسرائيل لحصول جمهورية الصين الشبية على مقعد "الصين" في الأمم المتحدة. وقد أدت تلك التشابكات الى استبعاد إسرائيل، جنبا إلى جنب مع جمهورية الصين الشعبية من مؤتمر باندونغ في العام 1955، حيث عارضت باكستان مشاركة إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية في باندونغ. غير ان اتفاقا عقد في النهاية، تم بموجبه استبعاد إسرائيللوحدها، ودعوة جمهورية الصين الشعبية الى المؤتمر. ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقات جمهورية الصين الشعبية مع العالم العربي بالتحسن.

وقد وقفت الاتصالات بين إسرائيل والصين تماما بعد أن قامت الصين بوصف غزو إسرائيل للأراضي المصرية في العام 1956 بانه عمل عدواني. وقبل ذلك دعمت الصين مشروع  التقسيم الذي  وضعته الأمم المتحدة في العام 1947. كما رات الصين أن القوى الغربية تتخذ من الصراع العربي الإسرائيلي ذريعة للانخراط في الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الحين أصبحت الخطابات المناهضة لإسرائيل معهودة ومنتشرة في جمهورية الصين الشعبية.

وفي بداية الامر، رأت جمهورية الصين الشعبية ان إسرائيل يجب ان تمتلك الفرصة للعيش والتطور، وبالتالي قامت بدعمها، مثلما فعلت مع العديد من الدويلات الناشئة (في محاولة من الصين لبناء جبهة موحدة ضد الغرب). وبعد احداث السويس، رأت جمهورية الصين الشعبية إسرائيل بمثابة قاعدة انطلاق للإمبريالية الغربية، فبدأت بتغيير نظرتها.

وفعلا اعترضت الصين بشدة على احتلال إسرائيل لغزة وسيناء، ودعت الى منع المرور الحر عبر السويس، الى ان يتم حل أزمة اللاجئين الفلسطينيين. وبينما قال الشيوعيون الصينيون في العام 1948، ان العرب هم من هاجموا اسرائيل، تحول الموقف الصيني جذريا في العام 1967 حيث أصبح يقول ان "اسرائيل هي من شرعت بالاعتداء على جيرانها".

وفي العام 1964، كانت الصين "أول حكومة غير عربية" تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، مما سمح للمنظمة بفتح مكتب في بكين. كما ازداد الاهتمام الصيني بالمنطقة لما اعتبروه تواطؤا أمريكيا وسوفياتيا (زمن الاتحاد السوفيتي) للسيطرة على العالم الثالث، وبالتالي دعم الصينيون الحركات الثورية الشعبية كوسيلة لمواجهة هيمنة القوى العظمى.

وفي عدة مناسبات، اندلعت مظاهرات ضخمة دعما للفلسطينيين في بكين، وحدث ان درب الصينيون جماعات معينة على حرب العصابات، وفق الكاتب. وقدمت المساعدات ودعمت المطالب الفلسطينية. كما دعمت بشكل غير مباشر المقاومة ضد إسرائيل، على الرغم من أن "المذهب الماوي" في الصين يدعو الى ان هذه المقاومة يجب ان يقوم بها الشعب الواقع تحت الاحتلال، دون تحريض من اية قوة خارجية.

قام وفد من منظمة التحرير الفلسطينية بزيارة الى بكين في العام 1965، وهناك قال "ماو تسي تونغ" للوفد الفلسطيني ان "إسرائيل وفرموزا هما قواعد كبيرة للإمبريالية العالمية، وقد زرعت الإمبريالية إسرائيل لمواجهة الفلسطينيين، مثلما زرعوا فرموزا لمواجهتنا"، وفق ماو. وأعطى ماو تعليماته للاحتفال ب "يوم فلسطين" ابتداء من تاريخ 15/5/1965، واستمر هذا الاحتفال سنويا الى ان توقف عام 1971.  وفي العام 1972، حققت أمريكا تقاربا مع الصين، وزار نيكسون ماو في بكين. ومنذ ذلك الحين، لم تعد الصين عدوا بالنسبة للشعب الأمريكي.

وقد اضطرت الصراعات الصينية على طول حدودها الفيتنامية الى إعادة العلاقات العسكرية الصينية-الإسرائيلية، ومن ثم إعادة العلاقات الدبلوماسية بالكامل. تبع ذلك توقيع الصين وإسرائيل على صفقة الأسلحة الأولى بينهما في شهر كانون الأول من العام 1979 بقيمة (265) مليون دولار. وفي سياق التعاون العسكري الإسرائيلي-الصيني، احتج البنتاغون على ان اسرائيل تبيع التكنولوجيا الامريكية الى الصين. وقد ظهر هذا القلق مجددا في العقود اللاحقة، عندما تبين أن بكين حصلت من إسرائيل على تكنولوجيا "باتريوت" المضادة للصواريخ في العام 1992. وبحلول العام 1995، كانت الصين تشتري ما لا يقل عن (20%) من أسلحتها من إسرائيل.
وفي العام 1985، بدأ العلماء الإسرائيليون بالمشاركة في المؤتمرات المختلفة في الصين. والعكس بالعكس أيضا، حيث توافد العلماء الصينيون على إسرائيل. كما تسمح بكين حاليا للسواح الاسرائيليين بالسفر الى الصين مباشرة، بعد ان كان يتوجب عليهم السفر الى هناك عن طريق هونج كونج.

واستمرت العلاقات بالتطور عبر نفس المدخل، وعلى نفس المنوال، وهو بوابة التعاون العسكري. حيث زار موشيه ارنز، وزير جيش الاحتلال، الصين في العام 1991. وهو ما ادى الى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل كامل في ذات العام، وفتحت السفارات في بكين وتل ابيب، ومن هناك قام رابين بزيارته الاولى الى الصين. ومنذ ذلك الحين، واصلت العلاقات تحسنها بشكل ملحوظ، رغم محاولات الامريكيين وضع العوائق في طريق التعاون العسكري بين الصين وإسرائيل.
وفي العام 1996، أطلق البلدان برنامجا مشتركا لتطوير "أسلحة الليزر"، راصدين له ميزانية أولية بقيمة (131) مليون دولار، وذلك في محاولة مستعجلة منهم لإنتاج سلاح فعال ضد صواريخ الكاتيوشا التي كان حزب الله يطلقها على إسرائيل من الجنوب اللبناني. ووفقا لتقارير استخبارية أمريكية متطابقة، فقد شوهد عدد من المسؤولين والعلماء الصينيين في قسم تكنولوجيا المعلومات وابحاث الفضاء الإسرائيلي، قرب تل أبيب، مرتين بين شهر تموز وشهر تشرين الأول من العام 1997.

وفي العام 1999، تأكدت وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي أي اتيه" من أن تكنولوجيا الليزر الأمريكية (الليزر التكتيكي عالي الطاقة)، التي تم توريدها إلى إسرائيل، قد تم نقلها إلى الصين. كما ساعدت إسرائيل الصين على تطوير المقاتلة (F-10). وفي صيف العام 2000، أجبر الامريكيون إسرائيل على الغاء صفقة لبيع الصين نظام "فالكون" المتقدم للإنذار المبكر، المحمول جوا. وقد أدى هذا الاندفاع الإسرائيلي باتجاه الصين-والذي كانت ترمي من ورائه الى مستقبل عميق من العلاقات-الى ان تقوم الولايات المتحدة بتحديد وتقليص بعض مجالات التعاون التي كانت تتقاسمها مع إسرائيل مثل تطبيقات التكنولوجيا العسكرية الحديثة.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن في هذا السياق هو: لماذا اعترضت أمريكا بشدة؟

الجواب لان الأمريكيين وحلفاؤهم كانوا في حالة تنافس شديد مع الصين. فقد كان بينهم تنافس محموم على النفوذ في منطقة المحيط الهندي وآسيا الوسطى والمحيط الهادئ. ولذلك، فإن نقل إسرائيل غير القانوني (كما يقول الامريكيون)، للتكنولوجيات المتقدمة إلى الصين سبب ضررا للتكنولوجيات اليابانية الحليفة لأمريكا، كما تسبب بأضرار للأمريكيين أنفسهم، وفق تقديرات قيادة منطقة المحيط الهادئ في الجيش الأمريكي.

وتحت وطأة الضغوط الأمريكية الهائلة، قطعت اسرائيل علاقات التعاون العسكري مع الصين في العام 2005. لكن العلاقات الاقتصادية استمرت، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من (3 مليار دولار في العام 2006 إلى حوالي (8) مليار دولار في العام 2013. علما ان نحو (65%) من هذا المبلغ يمثل حجم الصادرات الصينية إلى إسرائيل.

وفي سياق هذا التعاون، تم تنفيذ العديد من المبادرات الاقتصادية المختلفة، في القطاعين الخاص والعام. ومن الأمثلة على ذلك، قيام شكة التعهدات الصينية العملاقة (سي سي اي)، بحفر نفق الكرمل في حيفا، وتصميم وبناء خطوط القطار الخفيف في مدينة تل أبيب. وفي شهر أيار من العام 2013، وقع نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد الإسرائيلي آنذاك، على اتفاقية لتنفيذ مشروع "مدينة المياه". وهو مشروع انشائي يتضمن تقديم حلول مائية اسرائيلية لصالح الصين.
ومع تزايد النفوذ الصيني على المستوى الدولي، مقابل لنفوذ الأمريكي، يبرز السؤال: هل ستتجاوز الصين، ولو تدريجيا، الولايات المتحدة كرائد رئيسي للقوى العظمى في العالم؟

الجواب: يبدو ذلك، والوقت هو وحده الكفيل بالإجابة.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير