درويش الحاضر الغائب في "كما قال الشاعر"

18.08.2011 09:04 AM

دمشق- راشد عيسى- "ا ف ب"- تأخر كثيرا فيلم "كما قال الشاعر" في الوصول إلى مخيم اليرموك بدمشق، حيث عرض الاثنين في المركز الثقافي العربي فيه: فالفيلم الذي حققه المخرج الفلسطيني نصري حجاج عن الشاعر الراحل محمود درويش قبل حوالى عامين "2009"، انتظر طويلا في عتمة المستودعات والخزائن الرطبة في المؤسسة العامة للسينما للحصول على موافقة للعرض، من دون أن يحظى بجواب.
وفي حديث سابق لوكالة فرانس برس كان حجاج توقع أن يكون "ظهور الشاعر الإسرائيلي إسحق لاؤور في الفيلم، هو السبب في عدم الموافقة".
وحسب المخرج، فإن لاؤور يظهر في الفيلم يقرأ قصيدة محمود درويش "عندما يبتعد" من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا"، التي يقول فيها الشاعر "لولا المسدس لاختلط الناي بالناي"، و"سلم على بيتنا يا غريب"، وهي القصيدة التي رأى فيها كثيرون نوعا من التطبيع مع الإسرائيليين.
ويفسر المخرج حجاج المشهد بالقول "حين يقول درويش عبارة "للعدو الذي يشرب الشاي في كوخنا"، ويعيد لاؤور وراءه العبارة نفسها، فإن العدو هو نفسه في العبارتين، أي إسرائيل". ويضيف "أريد أن أوضح أنه يمكن أن يكون يهوديا إسرائيليا معاديا للصهيونية، وحينها فإنه يقف مع محمود درويش على نفس الأرض". ويوضح حجاج "مشكلتنا هي مع الفكرة الصهيونية".
لكن نسخة مخيم اليرموك من الفيلم عرضت كاملة، وبموافقة من وزارة الثقافة، من دون أن يحذف ظهور الشاعر الاسرائيلي، ومن دون أن يشكل حضوره اعتراضا من الحضور، الذي تميز بطغيان جيل الشباب.
وقال الناقد السينمائي الفلسطيني فجر يعقوب لوكالة فرانس برس "لقد نجح حجاج باقتفاء أثر محمود درويش، وراح به باتجاه التجريب، وما التلقي الجميل لجمهور الفيلم إلا دليل على أن التجريب يلقى قبولا لدى الناس، بعكس ما يدعي مشتغلو المسلسل "في حضرة الغياب"، من أن الناس لا يستسيغون التجريب".
وألمح يعقوب إلى "مفارقة أن الفيلم استطاع أن يأتي بهذا الكم من الجمهور في وقت عرض المسلسل" ومسلسل "في حضرة الغياب" عن محمد درويش يعرض خلال شهر رمضان لكنه يلقى انتقادات مختلفة.
وأكد يعقوب "أن على الرغم أن درويش غير موجود شخصيا في الفيلم، إلا عبر صوته وأمكنته، والناس الذين احبوه، إلا أنه استطاع أن يكون شديد التأثير".
أن يعرض "كما قال الشاعر" في دمشق فهو امر ذو اهمية لحجاج الذي قال "بادرت للعرض في دمشق لأهميتها بالنسبة إلى درويش. لقد أحبها الشاعر وقدم فيها أجمل قراءاته، كذلك فإن الجمهور السوري رائع في حبه لدرويش".
وأضاف "لكن سببا آخر دفعني للمبادرة الى العرض في دمشق، هو أنني صورت فيها جزءا من الفيلم، ووددت أن أعرض فيه كل الأماكن التي صورت فيها".
أما عن العرض في المخيم فقال حجاج "احب ان اعرض الفيلم في المخيمات، فإذا كان المثقفون لن ينسوا تجربة درويش، فإن اهل المخيمات هم من سيحفظ روحه الى الابد، كما حفظوا فلسطين في دمهم".
واضاف "كلما عرض الفيلم أمام جمهور فلسطيني وحدث تفاعل أحس بسعادة وحزن شديد: سعادة لأني احس بأنني اساهم بتخليد ارث الشاعر الشعري من خلال الفيلم الذي هو فيلم عن شعر الشاعر وصوته، وحزن للرحيل المبكر لهذا الشاعر الذي صار جزءا من روحنا وبنيتنا الوجدانية والعاطفية".
وعن غياب درويش شخصيا في فيلم يحكي عنه، قال حجاج "لأنه باق في ضمائر الناس، ولذلك لم أشأ ان أظهر صورته في الفيلم، فقد بات بالنسبة لي هو الشعر والصوت".
وهنا يستذكر حجاج قول الشاعرة الايرانية فروغ فرخزاد "الصوت، الصوت، لا يبقى الا الصوت".
فيلم "كما قال الشاعر"، صور في عديد من الأماكن التي زارها أو أقام فيها الشاعر الراحل، من مدن وفنادق ومدرجات قرأ فيها الشعر، من فندق "ماديسون" في سان جرمان في باريس حيث كان ينزل في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، إلى مسرح الأوديون وبيروت وتونس ومكتبه في مجلة الكرمل في رام الله، وبيته في عمان، وصولا إلى مسقط رأسه في البروة "عكا"، وفي تل أبيب حيث قرأ اسحق لاؤور. وأوضح المخرج أنه لم يصور بنفسه هناك، بسبب عدم حصوله على تصريح بالدخول.
وظهر في الفيلم عدد من الشعراء الذين قرأوا قصائد درويش بلغاتهم كدومينيك دوفيلبان وزير الخارجية الفرنسي السابق والبرتغالي جوزيه ساراماغو والشاعر الكردي شيركو بيكس، واللبنانية جمانة حداد، وسواهم.
وقد عرض الفيلم حتى الآن في مهرجان للسينما الفلسطينية في لندن، وفي مسرح الأوديون بباريس، وفي دبي وفي ميوني وتكساس، وفي المسرح البلدي في تونس، كما عرض في بيروت وحيفا.

تصميم وتطوير