كُتاب إسرائيليون: المناهج الفلسطينية تمجد عملية دلال المغربي

14.03.2018 04:21 PM

ترجمة خاصة-وطن: نشر موقع "واي نت" بالإنجليزية مقالا حول العملية التي نفذتها الشهيدة دلال المغربي قبل 40 عاما وحملت عنوان:  "المناهج المدرسية الفلسطينية تمجد مجزرة الطريق الساحلي الإرهابية"، وفق كاتبي المقال.

ومن المعروف ان موضوع المناهج الفلسطينية ظل حجة للاحتلال يتكئ عليها لشن حملات تحريض. ولعل قيام اثنين من الكتاب الإسرائيليين، وهما ايليور ليفي واريئيلا ستيرنباخ، بالتصدي للمناهج الفلسطينية من خلال التعاون في مقالة واحدة-بحثا واقتباسا وكتابة-يؤشر على أهمية الموضوع لدى الجانب الإسرائيلي، بكل فئاته.

وتبين المقالة مدى المتابعة والتدقيق الذي يقوم به الإسرائيليون حيال المناهج الفلسطينية. كما انها تعكس بلا شك حجم الكراهية التي يكنها الإسرائيليون للمناهج الفلسطينية، على اختلاف مراحلها، وصفوفها، وكتبها، ومواضيعها. وتبين المقالة كيف ان الإسرائيليين عهدوا الى مركز أبحاث متخصص، تابع للجامعة العبرية، من اجل فحص المناهج الفلسطينية ومحاولة احراجها حيثما أمكنهم ذلك.

ونحن اذ نترجم المقالة، فاننا تعمدنا الإبقاء على بعض المصطلحات كما استعملها الكاتبان، مثل "إرهابية"، كي يعرف القارئ الفلسطيني والعربي ماذا يُكتب عنه في الصحافة الإسرائيلية، وما هي المصطلحات التي ينتقونها عندما يتعلق الامر بالسياق الفلسطيني، وخصوصا المصطلحات ذات البعد الديني والوطني:

وقعت "مذبحة" الطريق الساحلي في العام 1978، عندما قام (11) من "الإرهابيين" باختطاف حافلة على الطريق الساحلي السريع، قتلوا خلالها (38) إسرائيليا، من بينهم (13) طفلا، وفق الكاتب. وقد ترك هؤلاء المهاجمون جرحا عميقا في قلب المجتمع الإسرائيلي حتى الان. وفي ذات الوقت، يتناسى المجتمع الفلسطيني الام الإسرائيليين، ويقوم بتمجيد القتلة، وخصوصا زعيمة الخلية المهاجمة، دلال مغربي. قُتلت المغربي في تبادل لإطلاق النار مع القوات الإسرائيلية، على الشارع الساحلي، فأصبحت مع مرور الوقت أحد الرموز الكبرى للنضال الفلسطيني.

يعتبر هذا الهجوم بالنسبة الى الفلسطينيين واحدا من المعالم الهامة جدا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويطلق عليه الفلسطينيون "عملية الشهيد كمال عدوان".

كانت المغربي الوحيدة من بين ال (11) مهاجما، التي أصبحت رمزاً لدى الفلسطينيين الى الان. اما باقي أعضاء المجموعة، فقد بقوا مجهولين الى حد ما. وان حقيقة كونها امرأة، وزعيما لخلية هجومية في ذات الوقت، ساعد دون أدنى شك في تعزيز مكانتها، ورفع شعبيتها. بالإضافة إلى حقيقة كون المغربي عضوا في حركة "فتح"، التي تسيطر على السلطة الفلسطينية، وتدير النظام التعليمي أيضا، مما ساهم في تداول قصتها وتوسيع شعبيتها.

دلال المغربي، ومشهد عملية الطريق الساحلي في العام 1978

أقدمت إسرائيل على دفن دلال المغربي في مقبرة للمقاتلين "الأعداء" تقع في وادي الأردن. وكان من المفترض أن يتم إخراج رفاتها وإرسالها الى لبنان، كجزء من صفقة تبادل الأسرى، في العام 2008، بين حزب الله وإسرائيل، مقابل رفات الجنديين الإسرائيليين، إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف. ولكن عندما تم فتح قبرها حينذاك، لم يتم العثور على جثتها. والاعتقاد السائد هو أن التيارات المائية جرفت رفات المغربي الى مكان آخر ما يزال مجهولا، وفق الكاتب.

ومنذ قيام السلطة الفلسطينية، يتم تخليد ذكرى دلال المغربي بطرق واماكن شتى. فكثيرا ما يتم تسمية المدارس، والمخيمات الصيفية، والأحداث الرياضية، باسم دلال المغربي. وفي ذات الوقت، اضطرت السلطة الفلسطينية الى خوض نقاشات طويلة، والدفاع عن مناهجها مرات عديدة، والتعرض لبعض الضغوط الدولية جراء احيائها لذكرى دلال المغربي.

فعلى سبيل المثال، تم إلغاء حفل رسمي لتدشين ميدان في رام الله، سمي باسم "دورا الشهيدة دلال المغربي"، فالغي الاسم، وتمت تسمية الدوار (الميدان) باسم اخر.

وفي حالة أخرى، قامت الحكومة البلجيكية بتجميد مساعدات مالية كانت على وشك تقديمها الى المدارس الفلسطينية، بعد أن احيطت علما، من قبل الإسرائيليين، بان احدى المدارس، والتي بنيت بدعم بلجيكي، في مدينة الخليل، قد أطلق عليها اسم "مدرسة دلال المغربي".

وفي حالة مشابهة، طالبت النرويج السلطة الفلسطينية بإعادة أموال المساعدات التي دفعتها في بناء مركز نسوي في بلدة "برقة"، بحجة تسميته "مركز دلال المغربي النسوي".


دوار الشهيدة دلال المغربي في رام الله، الذي تم الغاء تسميته

وفي أوائل العام 2018، أصدرت السلطة الفلسطينية سلسلة من الكتب المدرسية الجديدة، من الصف ال (5) الى الصف ال (11)، وقيل حينها ان هذا الإصدار يأتي في ختام عملية إصلاح شاملة للكتب المدرسية الفلسطينية.

وقد قام معهد الأبحاث "امباكت اس اي"، (Impact SE) التابع للجامعة العبرية في القدس، بتحليل الكتب المدرسية الفلسطينية الجديدة. فتوصل الى ان فصلاً منهاجيا جديداً قد خصص بالكامل لدلال المغربي، في أحد كتب الصف الخامس. كما عثر فريق الباحثين هذا على ثلاثة كتب أخرى تحتوي تمجيدا كبيرا لدلال المغربي أيضا.

يضيف الكاتب: جاء في مقدمة الفصل انه "يحتوي تاريخنا الفلسطيني على أسماء الكثير من الشهداء العظام، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، ومن بينهم الشهيدة دلال المغربي، التي رسم نضالها ضد الاحتلال صورة من صور النضال والشجاعة. ولهذا، تبقى ذكراها محفورة في قلوبنا وعقولنا إلى الأبد".

وفي متن الفصل، يجري سرد لسيرة حياة دلال المغربي، الى ان يُختتم الفصل بوصف قصصي ليوم الهجوم. حيث يود تفاصيل ذلك اليوم، الذي يبدأ بركوب المجموعة الهجومية لقارب العملية، والتوجه بحرا نحو إسرائيل، وما شهده من صعوبات، مثل غرق اثنين من أعضاء المجموعة المهاجمة إثر انقلاب القارب في البحر نتيجة العواصف.

ولا تلتزم الرواية في كتاب الصف الخامس بالحقائق. فهي تقول ان خلية المهاجمين تمكنت من الانزال على اليابسة في منطقة يافا، كي تتماشى مع اللقب المفضل لدلال المغربي، "العروس اليافاوية".

غير ان الحقيقة تكذب ذلك، وتقول ان المهاجمين لم ينزلوا على شاطئ يافا، بل انهم وصلوا الى الشاطئ في منطقة "مغان ميخائيل"، حيث بدأوا عمليتهم من هناك بقتل مصور امريكي يدعى غايل روبن.

ثم يمضي الكتاب ليأتي على وصف اختطاف الحافلة، منتقيا كلمات جميلة، فيقول ان "دلال المغربي استولت على الحافلة، واعلنت للرهائن أنه لا يوجد لدى الخاطفين اية نية لقتلهم، وان هدف عمليتهم هو فقط تحرير الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، وان لهم حق في وطنهم".

ووصف الكتاب المعركة التي اندلعت بين المهاجمين من جهة، والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى، بأنها لم تكن معركة متكافئة. ويضيف الكاتب: "يدعي الكتاب المدرسي أن الجيش تسبب في مقتل وإصابة العديد من الرهائن الإسرائيليين. ويتجاهل الشهادات التي تفيد بأن الخلية الفلسطينية هي التي قتلت الرهائن الإسرائيليين، كما قتلت البعض الاخر أثناء محاولتهم انقاذ المصابين".

ويضيف الكاتب، "ويتابع الكتاب المدرسي سرده، فيطلب من الطلاب في اخر الفصل الإجابة عن أسئلة متنوعة حول مادة الفصل. بما في ذلك قول دلال المغربي للرهائن بانها "لا تريد قتلهم"، في محاولة لاظهار جانب انساني لدى المهاجمين. ويبدو أن الكتاب المدرسي يحاول تخفيف العملية من كونها عملية خطف وقتل لمدنيين أبرياء، ويحاول تجميل العملية وإعطاء الفلسطينيين العذر، من خلال جعل الأمر ليبدو وكأنه لم يكن امامهم سوى خيار خطف الإسرائيليين، من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين".

وفي كتاب مدرسي اخر، للصف ال (9) على وجه التحديد، يتم تصوير دلال المغربي على أنهم بطلة مدنية قامت بمواجهة شجاعة مع عسكريين، من خلال قتل (30) جنديا إسرائيليا. غير ان الحقيقة مغايرة لذلك، حيث ان المغربي ومجموعتها قتلوا جنديا واحدا فقط، بينما كان باقي القتلى من المدنيين الإسرائيليين، بمن فيهم الأطفال، وفق الكاتب.

اما كتاب التاريخ للصف ال (11)، فيتضمن صورة لدلال المغربي، مع سؤال يطلب من الطلبة "استخلاص استنتاجاتهم حول مراحل المقاومة الفلسطينية من العام 1948، إلى حين الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، في العام 2012".


وفي تعقيبه على نتائج المراجعة للمناهج الفلسطينية الجديدة، قال ماركوس شيف، الرئيس التنفيذي لمعهد الأبحاث "امباكت اس اي"، التابع للجامعة العبرية في القدس: "يبدو أن وزير التعليم الفلسطيني، صبري صيدم، مصر جعل المناهج المدرسية أكثر تطرفا، رغم انه سبق ووعد بأن الكتب المدرسية الفلسطينية ستشهد تحسنا من خلال سلسة إصلاحات تعتزم وزارته القيام بها".

ويضيف شيف "إنه لأمر صادم أن نرى المناهج الجديدة تشجع الشباب الفلسطيني على الموت، تحت اسم شهداء، وتُرَخّص أرواحهم، وتُمَجّد "قتلة الأطفال الإرهابيين"، مثل دلال المغربي" وفق مصطلحات الكاتب، نقلا عن شيف.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير