خيارات إسرائيل بين التصعيد والاحتواء..بقلم: عدنان ابو عامر

19.08.2011 11:08 AM

"شهر أيلول سيئ جداً، وهو "شهر خراب" في الشرق الأوسط، وقد يشهد بداية عمليات تدهور إذا لم تحصل تطورات سياسية لمواجهة الحملة الفلسطينية للحصول على اعتراف أممي"، بهذه الكلمات عقب رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي السابق يوفال ديسكين على الجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية لتحصيل عضوية للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهو ما يحمل بين ثناياه "تهويلاً" وتضخيماً من شأن الحدث، الذي يعتبر -بغض النظر عن موقفنا منه، تأييداً أو معارضة- نقطة مفصلية في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية التي تشهد جموداً تفاوضياً من جانب، وتوتراً أمنياً من جانب آخر.

 بين التهوين والتهويل

مع اقتراب العد التنازلي مما بات يسمى "استحقاق أيلول"، تعيش الساحات السياسية والأمنية والعسكرية في إسرائيل حراكاً متزايداً ومكثفاً أكثر من العادة، في ضوء القناعات السياسية التي تزداد باطراد في تل أبيب ومفادها أن الفلسطينيين يسعون بكل ثقلهم لتحصيل ذلك الاستحقاق، مما سيظهر إسرائيل على أنها "دولة محتلة"، ويزيد من عبء المقاطعات الدولية لها، ويعمل على توسيع رقعة "عزلتها"، و"نزع شرعيتها".

وقد اعتبرت محافل سياسية مقربة من دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن التوجّه الفلسطيني للأمم المتحدة يعني إنهاء عملية التفاوض، وقد قام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بجولة أوروبية، لإقناع قادة بعض دولها بعدم التصويت مع الجانب الفلسطيني، فيما هدد وزير المالية يوفال شتاينتس بقطع الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب والجمارك، في حال التوجّه للأمم المتحدة.

وكان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الأعلى صوتاً في التحذير من خطوة سبتمبر/أيلول حين هدّد بإلغاء جميع الاتفاقيات مع الفلسطينيين، وشكل لجنة خاصة من 40 شخصية دبلوماسية وقانونية لمواجهة "استحقاق أيلول" وما سيترتب عليه، بعد أن صرّح بأن القرار الأممي بشأن الاعتراف بالدولة لن يكون له تأثير على أرض الواقع، ولا يخيف إسرائيل، حيث انتهت وزارته من تصوير فيلم دعائي سيبث على الإنترنت، لمواجهة محاولات الحصول على اعتراف بالدولة، يتضمن عدم وجود شيء اسمه "الشعب الفلسطيني"، وينفي فكرة وقوع احتلال للضفة الغربية عام 1967، زاعماً أنها دعاية عربية وفلسطينية كاذبة.

ويزداد التهويل الإسرائيلي من خطوة سبتمبر/أيلول، وصولاً إلى تجنيد الجاليات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة للضغط على حكوماتها، وإقناعهم بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبات قياداتها يعملون ساعات إضافية لتجنيد الرأي العام.

 ووصل الأمر بالسفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، لأن يتحدّث بصيغة الأمر مع قادة اليهود في الولايات المتحدّة بقوله: "يكفي كلاماً، حان الوقت للأفعال، عليكم تجنيد الرأي العام، واستغلال علاقاتكم في البيت الأبيض لإحباط التوجّه الفلسطيني للأمم المتحدة"، وبالفعل، فقد نجح هذا الضغط، عندما اتخذ الكونغرس قراراً بالإجماع برفع توصية للإدارة الأميركية بوقف المساعدات المالية للفلسطينيين، إن لم يعدلوا عن قرارهم بالتوجّه للأمم المتحدة.

بل إن المستشرق الإسرائيلي د.مردخاي كيدار حذر صناع القرار في تل أبيب من عدم الاستعداد للمسيرات الجماعية داخل حدودها مع أوائل سبتمبر/أيلول القادم، حيث ستنطلق الاحتجاجات من الخليل إلى غوش عتسيون عند الكتل الاستيطانية في الضفة الغربيّة، ومن الناصرة إلى مستوطنة تسيبوري.

 فيما أبدى الرئيس الأسبق لشعبة التخطيط الإستراتيجي في الجيش شلومو بروم، "تشاؤمه" السياسي، مقدراً أن يحصل الفلسطينيون على أغلبية كبيرة جداً في الأمم المتحدة، وعقب ذلك سيأتي "السقوط"، لأنهم سيضطرون لترجمة الأقوال إلى أفعال، وستترجم الأحداث إلى أعمال عنف، مما قد يقود لانتفاضة ثالثة، وهو ما دفع برئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية شاؤول موفاز، للتحذير من الاضطرار لتجنيد الاحتياط في الجيش، في ضوء إمكانية اندلاع مواجهات عنيفة في سبتمبر/أيلول.

تحضيرات ميدانية وعسكرية

يتوقع الإسرائيليون أن تكون أحداث سبتمبر/أيلول ذات "بعد مدني" أكثر مما كانت عليه الانتفاضة الثانية، بحيث ستكون أعمال عنف شرعية مغطاة باعتراف مؤسسات دولية، مما دفع بالجيش للتحضير لها، وأكدت مصادر مقربة من هيئة الأركان العسكرية أنها قامت بالاستعدادات التالية لمواجهة تبعات "استحقاق أيلول":

1- شراء أسلحة بقيمة 75 مليون شيكل، لرفع جاهزية قوات الجيش لمواجهة مظاهرات محتملة، بزيادة كمية الأسلحة "غير القاتلة"، بعد أن تبين النقص فيها خلال أحداث يومي النكبة والنكسة، مما اضطره لإطلاق النار على الفلسطينيين العزل، وقال المدير العام لوزارة الدفاع أودي شاني إن من بين الأسلحة "الأيلولية": قنابل غاز، جهاز متعدد الفوهات يتم تثبيته على المركبات، ويطلق كمية كبيرة من قنابل الغاز دفعة واحدة، حاويات مياه لتفريق المظاهرات بسعة 2500 لتر، مركبات ذات أجهزة لضخ المياه، مسدسات من نوع "تايزر" المكهربة، أجهزة تصدر أصواتاً عالية مزعجة لا تحتمل، ومواد ذات رائحة حادة جداً وكريهة يمكن رشها بواسطة الطائرات.

2- استخدام جهاز يعمل بواسطة موجات "الميكروغال"، يحدث شللاً في قدرة من يقترب منه بمسافة 100 متر.

3- تجهيز الجنود بخوذات وسترات واقية, وأقنعة تحميهم من القنابل المروّعة, التي تسبب الغثيان والتقيؤ من سوء الرائحة المنبعثة منها.

4- إقامة سياج مرتفع في هضبة الجولان بطول 12 كيلومتراً على امتداد أجزاء من الحدود مع سوريا, في أعقاب المظاهرات التي حصلت الشهور الماضية.

 5- العمل وفق خطة استباقية لبناء سجون إضافية، في حالة كثرة الموقوفين والمعتقلين الفلسطينيين، وستحتاج قيادة المنطقة الوسطى في الجيش لفتح ما يعرف بـ"زوايا إقامة" لمدة 24 ساعة، ومنطقة مسيَّجةُ بسياج من أسلاك يحرسه جنود مسلحون، إلى أن يتم نقل الأسرى إلى منشآت السجن المناطقية.

6- التهيؤ لإقدام الفلسطينيين في الضفة الغربية على استخدام سلاح جديد للتظاهر يتمثل في إضرام النار قرب المستوطنات، بعد أن وقع أكثر من 20 حريقا خلال الأسابيع الأخيرة.

اليوم التالي

قدرت السيناريوهات الأمنية الإسرائيلية المحتملة في سبتمبر/أيلول انطلاق مظاهرات حاشدة في الضفة الغربية، قد تمتد إلى داخل الخط الأخضر، وحصول مظاهرات على طول الحدود مع سوريا ولبنان والأردن وقطاع غزة، واحتمالية تنظيم مسيرات باتجاه المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، وحصول مواجهات مماثلة لـ"بلعين ونعلين"، أو مسيرات باتجاه الجدار الفاصل، ووصلت التقديرات إلى أن تكون "متطرفة"، كاستقالة أبو مازن من الرئاسة، وتفكك السلطة، وحصول فوضى شاملة.

مع العلم بأن هناك انقساما في آراء المسؤولين الأمنيين حيال اليوم التالي لتأثير الاعتراف بالدولة، ففي الوقت الذي يقول فيه ضباط رفيعو المستوى في الجيش إنه لن يحصل تدهور, تحذّر جهات رفيعة المستوى في المؤسسة الأمنية من المفاجآت، ويتوقع أحد السيناريوهات توجه آلاف الفلسطينيين في يوم واحد نحو المستوطنات، وأن يقف الجنود أمامهم, حيث ستجد أجهزة الأمن الفلسطينية, مشكلة في صدّ هذه المظاهرات الضخمة, ووقوع أعمال شغب شعبية متنوعة.

لكن السيناريو المتوقّع هو أن تحصل أعمال واسعة النطاق في نقاط الاحتكاك الأساسية، وسيزداد احتمال تنفيذ عمليات معادية عبر عمليات متفرقة كإطلاق نيران على محاور الطرق، والتسلل للمستوطنات، وخطف جنود، ومحاولات طعن.

وقدرت أوساط إسرائيلية أن اليوم التالي لإعلان سبتمبر/أيلول يتمثل في قيام الفلسطينيين بـ"فصل مستوطنات عن أخرى في الضفة"، لفترة زمنية محدودة، متخوفة من تكرار ما حصل إبان عملية "السور الواقي"، وهو ما يتطلب من قيادة الجيش نقل بضائع بأسلوب "ظهر إلى ظهر"، من شاحنة مدنية لأخرى عسكرية، ومنها للمستوطنات، فضلاً عن التهديدات عليها، في إشارة إلى أحداث "أفعال انتقامية"، مما ينبئ بتصعيد سريع وفوري في المنطقة، التي ستتحول بسرعة إلى حوادث احتكاك واسعة.

كما كشفت محافل عسكرية أن منسّقي الأمن في مستوطنات الجليل تلقوا إرشادات من قبل الشرطة وحرس الحدود لتوجيه الإسرائيليين استعداداً لليوم التالي لـ"استحقاق أيلول"، يتمثل في إمكانية حصول احتجاجات عنيفة من قبل عرب 48، حيث طولبوا بالمكوث بالقرب من مكان محصن داخل الشقق, والتخفيف من الرحلات، والاستعداد لإغلاق أماكن عامّة، بسبب التخوّف من أعمال عنف واسعة النطاق من قبل عرب الجليل، الذين قد يبدؤون في "موجة إحراق المباني", ورمي الحجارة نحو المركبات, وإقفال الطرقات، وإغلاق طرق المواصلات العديدة في المنطقة، وعزل مستوطنات يهودية، على شاكلة حصار فرضه متظاهرون عرب على المستوطنات اليهودية في الجليل خلال هبة أكتوبر/تشرين الأول عام 2000.

إلى جانب ذلك، وعلى الرغم من التطور الذي حصل في التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، فإن قيادة فرقة الضفة الغربية تستعد لاحتمال أن يتضرّر هذا التعاون عقب الإعلان عن الدولة، وقال مصدر استخباراتي في الفرقة إن قوات السلطة قادرة على محاولة منع دخول الجيش إلى مناطق "أ"، وعدم الاعتراف باتفاقيات أوسلو، التي تقسّم السلطة إلى مناطق "أ، ب، ج"، مما يعني زيادة في الأعمال المعادية نتيجة عدم سيطرة الأجهزة الأمنية، التي تريد إظهار السيطرة على ما يحدث، ومن جانب آخر لا تقمع مظاهرات بالقوة.

وقد أكدت محافل سياسية مقرّبة من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، أن مستشاره للأمن القومي يعكوب عميدور، يتطلع لإلغاء اتفاقية أوسلو، رداً على خيار سبتمبر/أيلول، ضمن بحثه للعديد من البدائل المقترحة، سيتم عرضها على القيادة السياسية لاتخاذ القرار، لكن إلغاء أوسلو يتطلب إعادة النظر في القضايا الرئيسية، وفي مقدمتها وضع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث طلب نتنياهو من مختلف المكاتب الحكومية النظر في الآثار المترتبة على إسرائيل من آثاره، لاسيما في حال قرر الفلسطينيون استخدام قرار الجمعية العامة لخوض معركة قانونية في محكمة العدل الدولية، أو تغيير الترتيبات الاقتصادية والأمنية التي تحققت على مدى السنوات الماضية.

مع العلم بأن هناك من الباحثين السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين من حذّر مما وصفوه بـ"قوس السيناريوهات المحتملة" في الساحة الفلسطينية في شهر سبتمبر/أيلول القادم، ومن بينها انهيار السلطة الفلسطينية، لأنها أثبتت قدرتها على المحافظة على الهدوء النسبي في الضفة الغربية، وكبح جماح حماس، وهو ما أكدته مفاجأة إسرائيل وأجهزتها الاستخبارية بقدرة الأمن الفلسطيني على تعقب البؤر المسلحة بنجاعة وبسرعة.

أخيراً.. فإن الاستعداد الإسرائيلي الذي يبدو أكثر أهمية وميدانية لليوم التالي لـ"استحقاق أيلول"، تمثل في الوثيقة الداخلية للإدارة المدنية التابعة للجيش، وتبيّن سعيه لتسوية ملكية الدولة على أراضي الضفة الغربية من خلال فرض سيطرته عليها، بحيث تتيح الخطة البناء في محيط الكتل الاستيطانية مثل أرييل ومعاليه أدوميم وغوش عتسيون ومحيط مدينة القدس، وفي مناطق تعتبر "إستراتيجية" في غور الأردن وشمال البحر الميت، مما سيحد من التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المستقبلية.

كما أن مساحة الأراضي التي تسعى إسرائيل للسيطرة عليها والبناء فيها، تحبط أي إمكانية مستقبلاً لتبادل المناطق في تسوية مستقبلية، لكون الوثيقة تنص على أنه بإمكان إسرائيل السيطرة على الأراضي "غير محددة الملكية" في الضفة الغربية، حتى في حال وجود ادّعاء فلسطيني بملكيتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير