إسرائيل: الروس باعونا في مؤتمر انقرة الاخير

12.04.2018 03:48 PM

ترجمة خاصة-وطن: هذا ما يحدث لمن لديه حبيبين، أحدهما شخص مغرور، وغير مخلص، يجلس في موسكو. والأخر دافئ، ولكنه غير مستقر، ويجلس في واشنطن. ولا شك بان إسرائيل بحاجة الى هذين النوعين من الأصدقاء، لإيناس وحدتها في ظلمة الشرق الاوسط. وفي هذه الأيام بالذات، وفي ظل توسع إيراني غير مسبوق في المنطقة، تحتاج إسرائيل الى قوة عالمية يمكن الاعتماد عليها، والثقة بها، لمواجهة المخططات والمخاطر الإيرانية المحدقة.

وترى إسرائيل انه لم يتبق أمامها أي خيار، سوى ان تقوم بنفسها بشن هجمات عسكرية لإحباط مخططات إيران لإنشاء موطئ قدم دائم في سوريا. غير ان اسرائيل لا تريد، في ذات الوقت، ان يتدهور عملها العسكري ليصل الى مستوى حرب شاملة تدخل فيها عدة أطراف.

وادلى رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي إيزنكوت، بمقابلة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال فيها ان احتمال دخول جيشه في حرب خلال العام 2018، أعلى مما كانت عليه طيلة السنوات الثلاث السابقة من ولايته.

وأضاف، ان أفضل الطرق لمنع أي تصعيد قد ينجم عن عملية عسكرية، هو الإبقاء على سرية العملية، وعدم الاعتراف بها، وتجنب الإعلان عن تحمل مسؤوليتها، وهذا ما نريده، وما نعمله في العادة، وفق الكاتب. غير ان المشكلة تكمن في أن "حبيبتينا"، (أي أمريكا وروسيا)، ارادتا هذه المرة، وعلى غير العادة، ان يعرف الجميع عما فعلناه في تلك الليلة (أي عملية قصف قاعدة "تي فور" الجوية يوم 9 نيسان 2018).

وعلى النقيض من ذلك، لم يستطع الروس أن يلتزموا بالسرية المتعارف عليها، وسارعوا الى اصدار بيان تفصيلي، غير معهود، في الصباح الباكر، حول قيام طائرتين مقاتلتين إسرائيليتين، من طراز (اف 15)، بالتحليق في المجال الجوي للبنان، وتنفيذ هجوم عنيف، خلال (28) دقيقة (تحديدا من الساعة 3:25-3:53 صباحا). وأضاف البيان الروسي ان الطائرتان أطلقتا (8) صواريخ كروز على القاعدة الجوية، التي تبعد حوالي (100) كم الى الشمال من دمشق، وعلى مقربة من مدينة حمص، دون الدخول في المجال الجوي السوري.

اما الأميركيون، فقد قاوموا هذه الرغبة (أي الإعلان عن العملية الإسرائيلية) لفترة أطول من الروس، على اعتبار انهم أعلنوا عنها بعد الإعلان الروسي بساعات. وذلك عندما نقلت شبكة "إن بي سي" عن مسؤولين أمريكيين كبار قولهم إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بالضربة قبل القيام بتنفيذها.

ويضيف الكاتب، لقد أحدثت "خيانة" الأحبة (أي أمريكا وروسيا) مفعولها: اذ لم يتمكن الإيرانيون من التستر على الهجوم الإسرائيلي وإخفائه أكثر من ذلك. فقام التلفزيون الإيراني، في ذات الليلة للإعلان الأمريكي، بعرض صور أربعة اشخاص إيرانيين قال إنهم قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على القاعدة.

وتفهم إسرائيل هذا الاعتراف الإيراني على وجهين: تصريح واعتراف بالهجوم، وتهديد مبطن لإسرائيل بان إيران تحتفظ بحق الرد.

ويضيف، إذا كان الهجوم قد نفذ من قبل إسرائيل بالفعل، فإنه لم يكن مجرد تحرك عسكري فحسب، وانما يعتبر تحديا دبلوماسيا لكل من روسيا والولايات المتحدة، على السواء. ولا يمكن لأمريكا وروسيا تجاهل ان إسرائيل تضع خططا مختلفة، وتحتفظ لنفسها بتحركات احتياطية بشأن الوضع في سوريا، حتى وان تطلب الامر ان تأخذ الأمور بيدها.

وترى إسرائيل ان المؤتمر الذي عقد في أنقرة، بتاريخ 4 نيسان 2018، وضم روسيا وتركيا وإيران-وركز على تقسيم سوريا إلى "مناطق نفوذ" بين الدول الثلاث-انتهى وبشكل مؤكد الى نتائج حقيقية، أبعد من تلك التصريحات والأحاديث العامة التي صدرت بعد الاجتماع. ومن النتائج الحقيقية التي نتجت، حصول إيران على إنجازات ومناطق نفوذ، مثلها مثل روسيا وتركيا، مما ضاعف قلق إسرائيل.

ويخلص التقدير الإسرائيلي الى القول: "لقد باعنا الروس في هذا المؤتمر". فقد منحوا الإيرانيين تصريحا لمواصلة وجودهم العسكري، والاقتصادي، والدبلوماسي، في سوريا، والتلاعب بالنظام السوري كما يشاؤون.

وبعد المؤتمر بثلاثة أيام، وفي مكالمة هاتفية، من نتنياهو الى ترمب، وصفها الأمريكيون بأنها كانت "متوترة"، طلب نتنياهو من ترمب عدم الانسحاب من سوريا، والعمل بدلا من ذلك على "إزالة" إيران من الساحة السورية. غير ان المرونة التي اعتاد عليها نتنياهو مع ترمب، لم يجدها هذه المرة حيث قابل ترمب طلبه بجفاء.
ويريد الرئيس الأمريكي بالفعل تجنب التورط في سوريا، وإنهاء الوجود الأمريكي هناك. ولهذا يريد ترمب أن يخرج من سوريا في يوم واحد، وان يحسن علاقاته مع الروس، في محاولة للوصول إلى انجازات على الساحة الكورية الشمالية، واحداث اختراقات في ملف سلاحها النووي. وان حدث الانسحاب الأمريكي، فانه سيلقى أيضا ترحيبا تركياً، لأنه يعتبر "تَخَلّيا" أمريكيا عن الأكراد.

علما ان السبب الوحيد وراء تأجيل هذه الخطوة، في الوقت الحالي على الأقل، هو الضغط من المؤسسة الأمنية الأمريكية، وخاصة وزارة الدفاع، وفق الكاتب.

وفيما يتعلق بإسرائيل، فإن سحب الجيش الأمريكي من سوريا، لا يعتبر مجرد ضوء اخضر للإيرانيين ليفعلوا ما يشاؤون في سوريا، ولكن يعتبر أيضا فقدانا للبعد الجغرافي، والقدرات العسكرية، والمعلومات الاستخبارية التي استثمرها الأمريكيون في سوريا. فضلا عن ذلك، يفتح انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة الكردية في الشرق السوري الباب أمام استيلاء إيران على موارد الطاقة الرئيسية في سوريا، ويمهد الطريق لممر هام ومريح للمعدات والأسلحة الإيرانية إلى الأراضي السورية واللبنانية.

وبراي الإسرائيليين، أصبحت القاعدة الجوية "تي فور" مركزا إيرانيا كبيرا للوجستيات العسكرية، حيث يتم من خلالها نقل المعدات والأسلحة الإيرانية إلى لبنان وسوريا. كما اصبحت قاعدة لتشغيل وانطلاق الانشطة الجوية الإيرانية.

وبالمناسبة، يضيف الكاتب، إذا ثبت ان سلاح الجو الإسرائيلي هو من نفذ الضربة بالفعل، فهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي قد استخلص العبر من الهجوم السابق على "تي فور"، والتي خسر فيها طائرة مقاتلة خلال الهجوم، عكس هذه المرة، حيث تمكنت الطائرات من الهروب من نظام الدفاع السوري المضاد للطائرات.

ورمزياً، كان اليوم الذي شهد الهجوم على قاعدة "تي فور"، هو اليوم الأول لجون بولتون-أعظم عدو لإيران في الإدارة الأمريكية-في منصب مستشار الأمن القومي الجديد للولايات المتحدة، هذا مؤشر على الدعم الكامل لإسرائيل في استهداف المصالح الإيرانية.

ويخلص الكاتب، إذا كانت إسرائيل هي المنفذ الفعلي للضربة، فلا شك بانه حمل رسالة تذكيرية الى الروس مفادها: "نحن أيضا لدينا مصالح في سوريا، ونعتزم المحافظة عليها بالقوة كلما اقتضى الامر".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير