الشرق الأوسط المعقد: جميع الأطراف تشتبك... وجميعها تخشى بعضها

15.05.2018 04:15 PM

ترجمة خاصة- وطن - كتب روبرت فيسك: من السهل على الغرب القاء قدر كبير من التركيز على كل قصة دراما يومية تخرج من الشرق الأوسط، نظرا لسخونة الموقف، وبشكل دائم في هذه المنطقة، الى الحد الذي أصبح الغرب يتذكر الازمات والحروب والمشكلات، وينسى الناس أنفسهم الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط.

ومما من شك في ان أحدث الخروقات التي قام بها الرئيس الأمريكي، ترمب، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، والتي عارضها الاتحاد الأوروبي، تطغى على كل الاحداث في الشرق الأوسط. ومع الإشارة الى حالة عدم الاكتراث، والإهمال الكبير، للمعاناة التي ألمت بسوريا خلال السنوات الماضية، الا ان الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، والردود عليها، اعادت انتباه العالم الى البلد الذي مزقته الحرب منذ سنوات.

حتى انه عندما تم اكتشاف العشرات من الجثث في مقبرة جماعية في مدينة الرقة، التي تعتبر عاصمة "داعش" في سوريا، لم تحظى هذه المجزرة سوى على (3) فقرات في الصحف العربية، على الرغم من انتشال أكثر من (150) جثة من المقبرة، مع احتمالية وجود عشرات الجثث الأخرى.

كما تم خلال شهر نيسان 2018، العثور على مقبرة جماعية ضمت (112) جثة، من بينهما (30) جثة لجنود سوريين، داخل نفق في بلدة دوما السورية، شرق دمشق. ويرجح ان جماعة "جيش الإسلام"، التي قاتلت في البلدة سنوات عدة، هي من ارتكبت تلك المجزرة. ويرجح ان الجماعة احتفظت بهذا العدد من الرهائن المدنيين ومن الجيش السوري من اجل تبادل محتمل للرهائن، ثم قتلتهم عندما فشل امر التبادل وفقدت السيطرة على الأرض في البلدة. والمهم في الامر، ان الكشف عن كل هذا العدد من الجثث لم يلقى أي اهتمام اعلامي أيضا.

ويضيف فيسك، حقق زميلي باتريك كوكبيرن في عملية قتل جماعي في غاية الفظاعة، تمت قرب مدينة الموصل العراقية، في العام 2014. وكان معظم الضحايا من الجنود العراقيين الشيعة. وبتصوير "داعش" اثبتت الجريمة على نفسها، حيث ان نهايتها المروعة تضمنت اطلاقا للنار، وبلا مبالاة، على رؤوس الضحايا، قبل ان تلقي بجثثهم في مياه دجلة التي احمرت من الدماء. وقد سحبت المياه بعض الجثث إلى أقصى الجنوب، حيث تم انتشالها في بغداد. وبالمثل لم يكن التاريخ لطيفا على هذه المنطقة. ففي العام 1915، شهدت المنطقة الأتراك وهم يذبحون الأرمن، الى ان انجرفت العديد من جثث الأرمن إلى نهر دجلة، ووصلت إلى الموصل، وهو ذات موقع الإعدام الذي نفذت فيه "داعش" جريمتها، بعدد (99) سنة من مذبحة الأرمن، والذي يمكن مشاهدته في الفيديو الذي صورته بنفسها.

ويبدو ان هذه الوحشية كانت مؤثرة، ولهذا السبب يبدو أن السلطات العراقية، وخصوصا الشيعة منها، لا تفي بمعايير المحاكمات القضائية الدولية عند محاكمة مسلحي "داعش"، حيث تقوم بتعليق مجموعة من (30) مسلحا "داعشيا" على حبل المشنقة دفعة واحدة في كل مرة.
ولعل هذه الوحشية تذكرنا بالمقابر الجماعية الواسعة التي شهدتها اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في الاتحاد السوفياتي، التي لا يمكن ان ننساها.

الى اين يلجأ الناس من اجل العدالة والسلام؟ هل يلجأ الناس الى الروس؟ ام الى السوريين؟ ام الى الإيرانيين؟ فالمثير للاهتمام ان الروس في سوريا، بدأوا في نشر صحيفة شهرية مشتركة "للقوات السورية والروسية"، مع لمسة صحافية من لمسات الاتحاد السوفياتي القديم. فعنوانها هو "معا نصنع السلام"، غير انه ربما لا يقنع جنود الحكومة السورية نفسها. وعلى الصفحات الداخلية ترى صورا للقوات الروسية وهي تقدم الخبز العربي السوري للاجئين السوريين. وعلى الصفحة الأخيرة ترى صورا للجنود يتنقلون على الخطوط الأمامية، وفوقهم صورة كبيرة لكل من فلاديمير بوتين وبشار الأسد. ومن المهم القول ان هذه الصحيفة "لم تثر لدي أي انطباع إيجابي.وبالملخص، لو انني كنت سوريا او عراقيا، لا اعرف اين انشد العدالة، ومتى يمكن ان انعم بالسلام".

كما ينشر الجيش الروسي في سوريا نسخا من الصحيفة باللغة العربية وباللغة "الروسية التعليمية"، بما يشمل دليلا لموسكو، وخرائط لروسيا، وقصصا عن أسلحة الحرب العالمية الثانية، مما يوحي بان الروس سيكونون متواجدين لفترة طويلة في سوريا.

وهناك أيضا الإسرائيليين وهجومهم المتوالي على القوات الإيرانية في سوريا. وهناك أيضا تراجع ترمب عن الاتفاق النووي مع إيران. ومن المؤكد أن الإعلان الإسرائيلي عن تخزين الإيرانيين لكميات كبيرة من الصواريخ في سوريا قد تم اعلانه بالتنسيق مع إدارة ترمب، فقد جاء في غضون ساعات وليس محض صدفة، فلا مكان للمصادفات في منطقة الشرق الأوسط بالذات.

ومن الواضح أن إسرائيل تسعى الى الحصول على موافقة أمريكية لإنشاء "منطقة أمنية" داخل سوريا، وعلى طول حدود الجولان، ولكن من خلال القصف المتوالي بدلا من الاحتلال على الأرض، كي لا تقع في خطأ "المنطقة الأمنية"، التي شغلتها الميليشيات المحلية المدعومة من إسرائيل، في جنوب لبنان، حتى العام 2000.

وبالتالي، فهي لحظة تحدق فيها كل الأطراف بعضها ببعض بقلق وريبة متزايدة. ومن الغريب أنه في كل تغطية الانتخابات اللبنانية الأخيرة، لم يعلق أحد على أحد المرشحين الشيعة الناجحين في منطقة بعلبك-الهرمل. رغم انه اسم مألوف، وهو جميل السيد، الذي كان مسؤول الأمن العام في لبنان، وكان أيضا صديقا كبيرا لسوريا. والنقطة الأساسية في انتخاب اللواء السيد هو انه يجلس الان على مقعد في البرلمان اللبناني. وسيتم الاستماع إلى خطاباته باهتمام بالغ من قبل زملائه البرلمانيين، من كل الاطياف، ورغما عنهم. لا شك بان هذا يعتبر أحد الانقلابات التي تجدر متابعتها.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي إندبندنت"الشر

تصميم وتطوير