السفير الاميركي فريدمان يفسر التوراة على هوى المتطرفين اليهود

24.05.2018 12:47 PM

ترجمة خاصة-وطن: قال ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي في إسرائيل، ان: السبب في أن الكتاب المقدس يبدأ بخلق العالم، هو "من اجل خلق سلسلة، انطلاقا من الرب مباشرة، حتى تصل الى الشعب اليهودي، ولأجل أرض إسرائيل". ولهذا، "ان قالت دول العالم أن الشعب اليهودي لا يمتلك "أرض إسرائيل"، فإنما يشيرون بقولهم هذا الى حقيقة ان الله خلق العالم بأجمعه وأعطاه لهم (أي الى بني إسرائيل)، وفق الكاتب.

إذا نحينا جانبا حقيقة أن دول العالم قد لا تقبل سلطة التوراة، وفق فريدمان، فمن الجدير أن نسأل ما إذا كانت التوراة تتحدث حقا ان الله "أعطى" هذه الارض للشعب اليهودي "كملكية". وعلينا ان نتساءل ان كانت ا التوراة حقا تقول ان ملكية الأرض، تحت ذرائع وطنية، تعتبر أمرا جيدا، ام لا.

من المؤكد أن التوراة تجسد فكرة الأمة في القرن التاسع عشر، وتعكس ما هو جذاب للغاية حول هذه الفكرة: فالدول تمنح كل فرد "مواطن" مكانا آمنا على ارضها، وضمن مجتمعها، بالتعاون مع المؤسسات اليهودية والجول التي يمكنها تقديم سبل الامن والحماية، ووسائل الراحة والازدهار لتثبيت اليهود على هذه الارض.

ولكن إذا كان للوطنية (ناشيناليتي) جاذبيتها واهميتها، فإن لها أيضا تحدياتها وقضاياها ومشكلاتها التي لا تنتهي. حيث تكمن المشكلة الأساسية في أنها تقوم بتجنيس العلاقة بين الانسان والأرض، على الرغم من أن هذا الارتباط ينتج دائما عن صراعات غالبا ما تكون عنيفة، وتفضي الى فائزين وخاسرين.

فعلى سبيل المثال، هل تعتبر منطقة "ألزاس" جزء من فرنسا، أم من ألمانيا؟ وفي مثال اخر، اية لغة يجب أن تسود في مونتريال؟ ومثال ثالث، لماذا لا يحصل الأكراد على دولة مستقلة لهم؟ ومثال اخر، لماذا يعامل الغجر الروماني كغرباء في الأراضي التي انحدروا منها؟ ومثال، لماذا يعتبر الأمريكيون المكسيكيون أقليات قومية في جنوب غرب الولايات المتحدة؟

لكن حقيقة الامر تشير الى ان التوراة ترفض هذا العمل، فهي ضد "تجنيس" الانسان مع الأرض، وضد نسب الاقوام الى الأرض. بل انها تعطي الأولوية والأهمية الى الأخلاقيات، وتراعي وجود الأقليات، وفق الكاتب.

فقليل من التفكير في أقوال موسى، في سفر التثنية، يتضح هذا الاعتبار، حيث يرد: "بعد (40) عاما من التنقل وعدم الاستقرار، يرنو جيل جديد الى العبور نحو "أرض الميعاد"، والى تحقيق أحلام أهلهم من قبلهم". فالحديث حول هذه الأرض يجب أن يتناول الضفة الشرقية للأردن، حيث ان هناك ما لا يقل عن (65) إشارة تتناولها في سفر التثنية، وفق الكاتب.

ولكن، في أي مكان في سفر التثنية (أو في التوراة بشكل عام)، هل هناك قطع جازم بان الأرض الموصوفة هي "أرض إسرائيل"؟

يبدو ان الإجابة هي "لا". وبدلا من الوصف القاطع، يورد موسى بدلا من ذلك مجموعة من الاوصاف، مثل "أرض الحليب والعسل"، "الأرض الميعاد لإبراهيم وإسحق ويعقوب".

وفي مرة واحدة فقط، ورد ان موسى يعطيها اسما محددا، وليس وصفا، وهو اسم "ارض كنعان".

لقد أطلق عليها موسى اسم "ارض كنعان"، رغم انه يحذر من تجنيس العلاقة بين الانسان والأرض (أي عدم تسمية الأراضي والاوطان بأسماء عائلات او أشخاصا بعينهم). لقد فعل موسى ذلك لأنه لم يرد تسميتها ب "ارض إسرائيل"، فاسماها "ارض كنعان" متجاوزا ما حذر هو نفسه منه.

وتبعا لذلك، يصف موسى إسرائيل صراحة بانها لا تستحق. وهو فوق ذلك يشير الى حدوث فساد في الأمم السالفة التي منحتهم هذه الفرصة على هذه الأرض.
ونظر لإفسادها، وفشلها في الالتفات الى الله وتعاليمه، تفقد إسرائيل سيطرتها على هذه الأرض لفترات طويلة، وتعاني لسنوات طويلة في المنفى، حيث يحتوي التوراة على مقطعين طويلين وواضحين، أحدهما في اللاويين (26)، والاخر في سفر التثنية (28):

"الله يعطي الأرض لإسرائيل، ولكن لا يتم نقل الملكية، بل انه أشبه بعقد الإيجار الذي يمكن إلغاؤه في أي وقت اعتمادا على سلوك المستأجر، فالله وحده يمتلك الأرض (سفر الخروج 19:5).

يقتبس السفير الأمريكي، فريدمان، في العادة خلال خطاباته، العديد من الجمل والمعاني من التوراة، والتي يؤيد من خلالها اراءه حول إسرائيل، وانحيازه تجاهها. لكن فريدمان تجاهل نصوصا أخرى معارضة لوجهات نظره (أي لا تعكس التطرف الذي يعتنقه)، مثل: "يجب إزالة الاحقاد من قلوبكم، وإزالة الحواجز مع الاخرين، والانصياع لزعامة الله على الأرض، فهو الكائن الأسمى والأعلى سلطة، إنه يحقق العدالة لليتيم والأرملة، وينصف الغريب، ويمنحه الطعام والملبس، ويجب عليكم إظهار المحبة تجاه الأجنبي والغريب، لأنكم كنتم أجانب وغرباء في أرض مصر يوما ما".

وفق التعاليم، ينبغي على إسرائيل الحفاظ على معيار أخلاقي عالي. وعلى وجه الخصوص، يستلزم هذا الاهتمام بالفئات الضعيفة اجتماعيا واقتصاديا، والمحافظة عليها وعدم تعريضها للخطر. وبالتالي، يعني ضمنا أن على إسرائيل أن تحب الأجانب والغرباء وغير اليهود، وخصوصا الذين يعيشون فيها او في جوارها.

الا ان الصهاينة المتدينين، مثل السفير الأمريكي، يزعمون أن الوصية بمحبة الأجانب والغرباء تنطبق فقط على أولئك الذين "يقبلون بسيادة إسرائيل على الأرض". ولا شك بان هذه تعتبر قراءة ضيقة وخطيرة بشكل كبير.

وتحت كل الظروف، من الواضح أن السفير الأمريكي لا يستوعب رسالة التوراة: "إن الله وحده هو المالك لأرض إسرائيل، وليس الشعب اليهودي".

وبشكل عام، يجب على أولئك الذين يرغبون في أن توجه التوراةمشاريعهم القومية، مثل ديفيد فريدمان، أن يكفوا عن الترويج لنصوص مزيفة او محورة من التوراة، بما يلبي مطالبهم المتطرفة. ويجب عليهم، بدلا من ذلك الاصغاء الى رسائل التوراة الحكيمة، التي ترشد الى الاخلاقية والرحمة، قبل القومية.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير