عهد التميمي نموذجاً .. كيف كسب الفلسطينيون معركة الرأي العام ؟

31.07.2018 02:19 PM

ترجمة خاصة-وطن: نشرت صحيفة "ذي جيروزالم بوست" مقالا للكاتب نحمان شاي، الناطق السابق باسم جيش الاحتلال ، واستاذ العلاقات العامة والاعلام، والدبلوماسية العامة في عدد من الجامعات في دولة الاحتلال، والخارج. تناول الكاتب تعمّد الفتاة عهد التميمي تصوير كل ما يحدث معها مع جنود الاحتلال، وقدرة نشطاء الاعلام الاجتماعي على توظيف خبرتهم في نقل قضية اعتقال عهد والأطفال الفلسطينيين الى الراي العام العالمي، وهو ما لم تستطع إسرائيل مجاراته حتى الان:

عهد التميمي ليست ساذجة، فهي تدرك جيدا ماذا تفعل. ففي عدة مواقف سابقة، ذهبت عهد التميمي بعيدا في تصرفاتها ضد جنود الاحتلال، علما ان للعائلة اسبقيات لمثل هذه المجابهات مع جنود الاحتلال.

وفي العادة، تقوم عهد وعائلتها بتوثيق هذه الأحداث وتوزيعها، بحيث تنتشر بسرعة كبيرة مستفيدة من سعة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مما يوصلها الى عدد كبير من المشاهدات والتفاعلات المرغوبة. وقبل بضعة أشهر، وقفت عهد أمام ضابط في جيش الاحتلال وجها لوجه، ووجهت له السباب والشتائم بينما كان يتم تسجيل ذلك بكاميرا فيديو. اما رد الضابط فكان الصمت والابتعاد بنفسه عنها، دون ان يضربها بسلاحه.

وفي وقت لاحق، قام جيش الاحتلال بالقبض عليها، ومحاكمتها، حيث اودعت السجن لمدة (8) أشهر في نهاية المطاف. وبتاريخ 29 تموز 2018، أُطلق سراح عهد التميمي، وعادت إلى قريتها وبيتها تحمل الفخر والثناء، بالإضافة الى تجربة اعتقالية ليست بالقصيرة. فضلا عن موجات كبيرة من التعاطف والدعم، وهو ما ارادته عهد والفلسطينيون. أي ان تصبح عهد التميمي بطلة.

يجب القول ان الحرب الحالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي حرب على الرأي العام بشكل أساسي. وفي حروب الراي العام، يعتبر الرموز والابطال جزءًا لا يتجزأ من المعركة، ومحركا لها. وهذه ما حدث مع الطفل محمد الدرة، الذي استشهد عند تقاطع "نتساريم" بتاريخ 30 أيلول من العام 2000، وهو اليوم الأول من انتفاضة الفلسطينيين الثانية. ومنذ ذلك الحين، سعى الفلسطينيون الى البحث عن وجوه وشخصيات وأسماء للتعبير عن نضالهم من خلالها، بحيث يسهل شرح قضيتهم وتسويقها عبر حملات العلاقات العامة، او حتى في اللقاءات التلقائية.

ان الأرقام والأماكن والفعاليات لا تتحدث، فهي جامدة ولا تحفظ او تُنقل بسهولة. لكن وجه بشريا بريئا، وخصوصا ان كان لصبي أو بنت صغيرة، يشعل التفاعلات والتعاطف، فهو اذاً وقود الحرب المفضل. اما الأضرار الناجمة عن حرب الرأي العام على إسرائيل، فلا تقل خطورة عن اعمال الانتفاضة التي ينتج عنها قتل وجرح الناس. وبفضل فعالية وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار التقنيات الجديدة، يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى أي ركن في العالم، والتخاطب مع اية مجموعة، وتحريض الرأي العام، وتعبئة الناس في حركات المقاطعة واحتجاجاتها.

وفي مثل هذا النوع من المواجهات، تذوب الاختلافات بين القوي والضعيف، والكبير والصغير، والمتقدم والبدائي. بمعنى اخر، يمكن للفلسطينيين أن يتفوقوا على إسرائيل بفضل تقدمهم وقدرتهم في حملات التواصل الاجتماعي، رغم أن إسرائيل أقوى منهم ماديا وعسكريا. وعلى سبيل مثال اخر، يتضح من مقارنة البالونات الحارقة، والطائرات الورقية لدى الفلسطينيين، بنظام الدفاع الصاروخي للقبة الحديدية، حجم الهوة الشاسعة في القوة المادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. غير انه يتوجب علينا القول ان الفلسطينيين نجحوا في حسم معركة العلاقات العامة في الكثير من الأحيان.

وتتطلب حرب الرأي العام نهجا جديدا غير ما كان يتم العمل به في الماضي. فعلى العكس من الدول التي تملك قوى عسكرية كبيرة، فان منظمات مثل حماس في غزة، حزب الله في لبنان، طالبان في باكستان، وداعش في العراق وسوريا، تعتبر أفضل من تلك الدول في طريقة حروبها ضد الجيوش النظامية، رغم انها أكثر تطورا وتسليحا.

ويضيف الكاتب، "لقد كان وضعنا في معركة الرأي العام سيئا للغاية، وما يزال. فقد كنا نعلم أن عهد التميمي ستصبح بطلة ان قمنا بسجنها، رغم ان حكومتنا بذلت كل ما بوسعها في محاولة لمن عهد من الوصول إلى هذا الوضع. لكنه حدث ما حدث، وأصبحت الآن رمزا للكثيرين الذين سيحذون حذوه".

وبالمقابل، كان من الممكن وضع عهد تحت الإقامة الجبرية، بدلا من سجنها. او فرض عقوبات أخرى عليها وعلى عائلتها. وكان من الممكن أن نتحمل ونتجاهل الحادثة، وننتظر وقتا أكثر هدوءا، كي نعاقبها على صفعها للجندي.

بمعنى، أي تصرف اخر كان سيكون أفضل مما حدث يوم إطلاق سراح عهد، وما صاحبه من احتفاء فلسطيني بها، فضلا عن الاهتمام الإعلامي فوق العادة بالإفراج عنها.

من المؤكد ان الحرب مع الفلسطينيين لا تنتهي عند إطلاق عهد او غيرها، فنجاحهم في موضوع ما يولد المزيد من الفعاليات من ذات النوع. ويضيف، "يجب أن نكون مستعدين لهذا النوع، ليس في جيش الاحتلال فقط، ولكن في جميع الهيئات ذات الصلة، مثل وزارة الشؤون الخارجية، وزارة الشؤون الاستراتيجية، وزارة الاقتصاد، وزارة الثقافة والرياضة، مكتب الاعلام الحكومي، ووزارة العدل. على كل واحد من هؤلاء ان يتعامل مع أي من هذه الجوانب إذا أردنا ان نربح حرب الرأي العام. ويجب أن يكون هناك هيئة واحدة تأخذ زمام المبادرة في موضوع الدبلوماسية العامة. ويجب أن تقود هذه الهيئة الحملات، وتوجه جميع الهيئات الحكومية الأخرى".

ويخلص الكاتب، "هذه هي الطريقة الوحيدة للفوز على الفلسطينيين في حرب الراي العام".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير