" وطن عَ وتر.."..بقلم: ريما كتانة نزال

21.08.2011 04:49 PM

 

أعترف بأنني لم أستسغ جميع حلقات البرنامج الفكاهي "وطن عَ وتر" الذي عُرض على مدار ثلاثة رمضانات، أحببته في سنته الأولى، وأعرضت عنه في الثانية.. حيث هبط مستواه الفني ووقع في التكرار الممجوج، فلم يستطع أن يحصد أي تقدير أو بسمة غُرر بها على حين شرود.. وفي سنته الثالثة، وصل إلى مستوى لا يمكن السكوت عليه، فبعد أن شاهدته لم أر سوى حلقة واحدة تستحق المشاهدة وما دونها لا يستحق.

الجدل حول برنامج "وطن عَ وتر"، ليس جديداً، فالنقاش لا يزال يدور حول مستواه الفني وموضوعاته المكرورة. الجديد في الأمر ما مثله القرار الصادر عن النائب العام الذي جرّم العرض وأوقفه لعدة أسباب؛ من بينها عدم كفاءته الفنية وعدم خدمته للصالح العام! والجديد كذلك يتمثل في وقوف أحد الأجهزة الأمنية في صف المطالبين بوقف العمل.

ليس دفاعاً عن العمل بقدر ما هو دفاع عن المبادرات الإبداعية الفردية، وبشكل رئيس الدفاع عن النظام الأساسي الكافل للحريات العامة بما فيها ضمان وحماية حرية التعبير الفني والأدبي، وحتى لا تصبح سابقةً يمكن الاتكاء عليها لوقف أي عمل فني أو ثقافي لا يروق لمجموعة من الناس أو مركز قوى ما أو حزب ما أو جهة حكومية متنفذة، من هنا يصبح عدم السكوت على قرار المنع الحالي للعمل والتصدي لكل ما من شأنه أن يهبط بسقوف القانون مسؤولية مجتمعية من الطراز الأول، منعاً لأن تطل أشكال أخرى من التحريم والمنع مستقبلاً.

أجرؤ على القول إن عرض العمل الفني على علاته لا يمثل كارثةً تستحق تدخل النائب العام كما حصل في "وطن على وتر" ولا سيما أن وعي المواطن وحكمه قطعي بحق النتاج الهابط لا عودة أو استئناف بعده، كما أن حكم الناس يصدر دونما حاجة إلى حصول الفرز للمواقف، "فئة من مع عن فئة من ضد"، فحكم الناس هو الأقوى والأكثر فعالية وسطوة واستبداداً من غيره. إن الإشكالية في قرار وقف البث ليست إشكالية قانونية فحسب؛ بل كونها تُشرع لعقلية منعٍ من نوع آخر، إذ إنها تشجّع القوى التي تتخذ مواقف عدوانية باتجاه جميع أنواع الفنون، الرخيصة والقيِّمة منها على حد سواء، للقيام بدورها المنتظر. وقد تعرض بعض الأنشطة الفنية سابقاً للعنف بهدف المنع والاجتثاث، كما وقع سابقاً في قلقيلية ونابلس، لم يكن أقلها القيام بصفع أحد الفنانين أو منع إقامة حفلة فنية بالقوة، أو حادثة فقد المخرج "جوليانو خميس" لحياته بسبب عقلية منع وتحريم الفن والثقافة..

لا أقلل من وقع التأثير والإزعاج الذي يسببه أن يرى الشخص المسؤول صورته في مرآة الفن الكوميدي، لأن العمل "الكوميدي" ولكي يصبح قادراً على التأثير والإضحاك، فلا بد له من أن يعتمد على تقديم المادة في إطار من الغرابة أو المبالغة بعض الشيء، وأحياناً قد تتصف بالفجاجة في حالة كونها سياسية.

لا بد من استيعاب حقيقة أنه في الوقت الذي يهيئ النص القانوني لأن يمتلك الفنان حرية التعبير، فإنه يخلق حقاً جديداً لتمكين المتلقي الذي يتمتع بالعقل لأن يستمتع بما هو مفيد وراقٍ، وإبعاده عن الضار والممجوج والمسطَّح. التزاماً بالتبادلية التي ترتبها أي علاقة بين طرفين. لذلك، فان إعطاء الفرصة لبرنامج "وطن عَ وتر"، ولغيره من الأعمال الفنية، للتعبير عن رؤيته للاضطلاع بالدور الذي يضطلع به المثقفون والفنانون عادةً في مجتمعنا وسائر المجتمعات بما فيها تحمل المسؤولية الفنية والأدبية عن نتاجهم. الفرصة المطلوبة للعمل تقتضي أن يعطي "التلفزيون" الفرصة ذاتها للنقّاد للإدلاء برأيهم بالنتاج من على ذات المنبر، والأهم أن يعطي الفرصة فقط لما له قيمة فنية واجتماعية وثقافية بما فيها الفن الكوميدي، وأن يساهم منتجو الثقافة بدورهم القيادي في تقديم كل ما هو إبداعي وجديد وذو قيمة .

لا شك في أن على تلفزيون فلسطين، كونه وسيلةً رسميةً عامةً وليس إعلاماً خاصاً، وهو في طريقه إلى تكريس حضوره وإيصال رؤيته ورسالته للمشاهد الفلسطيني القادر على الإدلاء برأيه، أن يتحمل المسؤولية لجهة التدقيق المسبق بالنتاج الفني قبل عرضه، وقبل وقوع فأس العرض برأس الحرية، لجهة ضمان جودته وفائدته ورسالته في إمتاع المشاهد الفلسطيني والارتقاء بذوقه، ولا ضير لو هو من بادر، قبل قرار النائب العام، إلى وقف العمل قيد النقاش بعد أن أثيرت ملاحظات وانتقادات تجاهه منذ سنته الأولى من مختلف الأوساط، لأنه بذلك يوجه رسالةً مزدوجةً للمشاهد وحمايته والحفاظ على ذائقته الفنية، وكذلك لمنتجي الأعمال الفنية وأهمية التقيد بمستوى فني ومهني وثقافي يرتقي بوعي المشاهد ويجذبه ويضحكه أيضاً دون افتعال أو تهريج!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير