القضاء النظامي تحت عباءة القضاء العشائري

أقتل وفنجان القهوة علينا

02.09.2018 02:53 PM

 رام الله – وطن: فجر يوم الاثنين الماضي قُتل المواطن عز الحروب وزوجته من مدينة الخليل في شقتهما ببلدة يعبد، لكن الصورة التي ستبقى في الاذهان لسنوات طويلة هي لطفليهما الذين شاهدا مقتل والديهما امامهما وعاشا لساعات مع جثتيهما، وتلطخت ملابسهما بدمائهما.

وان كان جزء من القضية قد أُسدِل الستار عليه يوم امس، بتوقيع عطوة عشائرية في بلدة ديرسامت في الخليل، تم بموجبها العفو عن القاتل، وتنازل عائلة القتيل عن حقوقها العشائرية، واعتبار المغدور شهيداً،  الا ان ذلك لم يمنع من تحول الحادثة الى قضية رأي عام في الشارع الفلسطيني.

وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الغاضبة والساخرة من الصلح العشائري الذي جرى، واسقط حق الضحيتين وتجاهل طفليهما، معتبرين ان القضاء العشائري بما مارسه كأنه يقول " أقتل وفنجان القهوة علينا" في اشارة الى ان جرائم القتل تُحل بفنجان قهوة.

القهوة كثيرة

قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري لـ "وطن"، ان هناك امرًا يثير القلق، وهو ان القضاء العشائري يعيش حالة من الازدهار على حساب القضاء النظامي، وهذا مؤشر على ضعف الاخير، وضعف سلطة القانون.

واشار العاروري الى ان مخاطر كبيرة تترتب على استشراء النظام العشائري، التي تعارض الكثير من اعرافه مبادئ القانون، ما يتطلب من المجتمع اعادة النظر في الكثير من القضايا المتصلة بذلك النظام ، لافتا الى ان ما جرى في بتير قبل عدة ايام، من حرق لـ 15 منزلا و12 سيارة واجلاء 8 من محافظة بيت لحم  تحت شعار فورة دم، عقب مقتل شاب، يندرج تحت بند العقوبات الجماعية ولا يساهم في التهدئة المجتمعية والتوعية.

ولفت رئيس مركز القدس الى اعتقال شرطة الاحتلال رجل الاصلاح عصام عميرة الذي شارك في عطوة صور باهر والتي قررت اهدار دم احد الشبان الذي قام بابتزار فتاة من البلدة ما ادى الى انتحارها، حيث ابلغت شرطة الاحتلال عصيدة برفضها لبعض بنود العطوة العشائرية التي حدثت وخاصة اهدار دم الشاب.

واشار العاروري الى ان ازدهار القضاء العشائري قد يكون مرده ضعف ثقة المواطنين بالقضاء النظامي بسبب بطئه في البت بالقضايا، وعدم تشدده بالاحكام، فالكثير من المجرمين نجدهم في الشارع بعد فترة من اعتقاله او توقيفه، وهو الامر الذي يدفع المواطن لاخذ القانون باليد.

واشار الى انه منذ نشوء السلطة كان هناك تعزيز لدور القضاء العشائري وتوظيفه واستخدامه في بعض المناطق، مضيفاً  "آن الاوان لسن قانون للقضاء العشائري يتضمن نصوصا واضحة على عدم احقيته بمخالفة القانون العام ".

من جانبها، قالت مديرة جمعية المرأة العاملة آمال خريشة لـ "وطن"، ان "ما يخيفنا هو غياب القانون وسيادته"، لافتة الى ان القانون (قانون العقوبات) يعيد انتاج علاقات غير متكافئة، ولا يحقق العدالة بشكل خاص للنساء اللواتي يتم استخدام العادات والتقاليد وتفسيرات الدين لعدم احترام حياتهن وحرمانهن من حق الحياة رغم التجميلات التي تمت من الرئيس عباس بتجميد المادة 304 من القانون، دون ان يرتبط القتل بما يسمى بشرف العائلة والغاء المادة 98.

واكدت خريشة ان كل ما جرى من تجميد او الغاء مواد في القانون، الا انه ما زال يعطي نفسه سلطة تقديرية عالية للقضاة، وبالتالي فاللجوء للقضاء العشائري يدل على افلاس القضاء النظامي الفلسطيني، وغياب الامن المجتمعي والعدالة، تحديدا للنساء والفتيات.

ولفتت الى ان "حل قضية قتل الاشخاص بفنجان قهوة ودفع مبلغ من المال يشجع الجريمة ولا يشكل رادعًا لها، فالقهوة متوفرة والاموال يمكن تدبيرها لكن ذلك ينتج تفتيتًا للنسيج الاجتماعي، وغياب الامن والامان".
واكدت خريشة انه لا يوجد اراداة سياسية لسن قوانين جازمة ترتقي لكل منظومة حقوق الانسان، ورغم ان السلطة وقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية التي من المفترض ان تنعكس ايجابا على اداء القضاء ومستوى ووضعية القانون وسيادته نرى تراجعه، وازدياد توجه الناس للعشائر.

النيابة العامة: القضاء العشائري  يلعب دوراً مساعداً وليس بديلا

جاء صلح بلدة دير سامت،  بعد ايام من جملة حوادث انبرى لها القضاء العشائري، اهمها العطوة العشائرية في بلدة صور باهر بالقدس المحتلة، والتي اصدرت قرارا باهدار دم احد الشبان لقيامه بممارسة الابتزاز والتهديد بحق احد الفتيات الامر الذي ادى الى انتحارها، وفي بتير عقب مقتل احد الشبان ما تسبب بحرق 15 منزلا و12 مركبة وتهجير 8 عائلات من محافظة بيت لحم.

ويبدو ان القضاء العشائري يثبت سطوته وحضوره في الشارع الفلسطيني، بعيدا عن تقييمه بالايجاب والسلب، فهو حاضر في الكثير من الحوادث، ويحظى بدعم السلطة الفلسطينية واجهزتها المختلفة، حيث ان جهاز المخابرات العامة هو من رعى الصلح العشائري في دير سامت.

وقال رئيس النيابة العامة ورئيس المكتب الفني ابراهيم حمودة لـ "وطن"، ان القضاء العشائري يلعب دورا تكميليا ومساعدا للنيابة العامة واجراءاتها، وليس دورا متناقضا او بديلا ، بهدف المحافظة على السلم الاهلي والنظام العام، وصون العلاقات الاجتماعية.

واضاف حمودة ان الصلح العشائري اجراء بعيد عن اجراءات النيابة العامة، التي يحكمها القانون، لكن له دور بتقدير العقوبة، وتخفيفها باعتبار الصلح من الاسباب المخففة لها من المحكمة المختصة، لكن القضايا غير المتعلقة بشكوى، لا تسقط نهائيا حتى لو تمت مصالحة، لان الحق العام يبقى موجودا.

ولفت رئيس النيابة العامة، الا ان اجراءات النيابة تبقى مستمرة رغم الصلح العشائري، بإحالة الملف الى المحكمة المختصة حسب الاصول، واستدعاء المتهمين وتوقيفهم، وفق التكييف القانوني للتهمة والافعال والجريمة المرتكبة، لكن المحكمة تأخذ بعين الاعتبار الصلح ما قد يقلص ثلث او نصف العقوبة.

واكد حمودة ان للصلح العشائري دور مجتمعي اكثر منه قانوني ، و "نحن ايدينا ممدودة للصلح والقضاء العشائري للمحافظة على السلم الاهلي والاموال والممتلكات وارواح المواطنين وحقن الدماء لمنع اي تطور في اي  قضية، دون الاخلال بالاجراءات او القانون".

من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات لـ "وطن"، ان "الاجهزة الامنية في كل حادثة تقوم بواجباتها بانجاز الاجراءات القانونية المتمثلة بجمع الاستدلالات الاولية واحالة الملف والقضية للنيابة العامة، كونها صاحبة الاختصاص في التحقيق والتي بدورها تقوم باستكمال الملف واحالته للقضاء بغض النظر عن الاجراءات العشائرية المتخذة بين المواطنين".

وكان جهاز المخابرات العامة قد اعلن في وقت سابق القاء القبض على المشتبه به بقتل رجل وزوجته في شقتهما في بلدة يعبد في محافظة جنين قبل ايام.

الجعبري: لا تناقض بين القضاء العشائري والقضاء النظامي

ويدافع رجل الاصلاح زيدان الجعبري عن القضاء العشائري قائلا لـ "وطن"، "صحيح أن من يحكمنا بالضفة الغربية وشرق الاردن القانون، لكن نحن لدينا العادات العشائرية التي لا  يستغني عنها احد، وكمجتمع تربطنا الكرامة واحترام الناس بين بعضها".

واضاف الجعبري "حين تتعرض الكرامة او الاحترام لمس من قبل احد، او تقع مشكلة وينظر بها القضاء والقانون، لا اعتبر ان كرامتي ردت الي، واذا لم تأخذ الناس بخاطري، اعتبر ان حقي لم اخذه كاملا".

واوضح رجل الاصلاح " لا يوجد تناقض بين القضاء العشائري والقضاء النظامي، فغاية القانون العقاب والردع، وكذلك القضاء العشائري قهو للضبط والربط من وجوه العشائر، ومنع ردات الفعل بين العشائر والعائلات".

ولفت "نحن رديف للقانون، والقانون مساعد لنا، لذلك هناك تعاون بين العشائر والقانون بالتنسيق مع النيابة العامة والاجهزة الامنية لتنفيذ الامور بطريقة صحيحة".

وعلى الرغم من ان الصلح العشائري برئ القاتل من جريمته، واعتبر المقتول شهيدا، الا انه لم يلتفت للاطفال الذين باتوا وحيدين بالحياة دون اب وام بعد مقتلهما.

وقالت مصادر خاصة  لـ "وطن"، ان الطفلين باتا في عهدة وحدة حماية الاسرة والطفل التابعة للشرطة الفلسطينية، ويجري التنسيق من اجل وضعهم في مؤسسة لرعاية الاطفال.

واشارت المصادر الى انه سيتم رعاية الطفلين ومتابعة امورهم من خلال وزارة التنمية الاجتماعية .

تصميم وتطوير