يوم ولدت فلسطين من جديد.. ويوم أخفقنا في استثمار ولادتها

01.10.2018 09:05 AM

كتب: عوض عبد الفتاح

في الاول من أكتوبر / تشرين اول ، عام 2000  يكتمل المشهد . فلسطين تولد من جديد ، من البحر الى النهر واحدةً موحدة . شعبها الهادر ، بشيبه وشبابه ، يعيد اكتشاف ذاته ، ويتعرف على قوته المخزونة ، وينتشل وحدته الوطنية، وروايته التاريخية ، من مقبرة اوسلو . كما يعيد اكتشاف وحشية عدوِّه الذي لم يتورع في استعمال كل أدوات القتل ضد أناس عزل . فتنزف دماء غزيرة ، وتزهق ارواح كثيرة ، وتتوالى أنباء سقوط الشهداء .

بدأ المشهد في ساحة الأقصى ، وراحت شرارته تتسع وتتمدد ، مع كل شهيدٍ يقتله المستعمر ، الى ارجاء الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومن ثم الى داخل الخط الاخضر . إذ بعد يومين وبدء انتشار مشاهد القتل المروّعه في وسائل الاعلام ووصولها الى كل بيت ، هاجت الناس في سخنين وعرابة والناصرة وأم الفحم وكفركنا وفِي كل بلدة عربية ، داخل فلسطين المستعمرة منذ عام 1948 . بدأ الشهداء يسقطون بالجملة . بعضهم تعرفهم شخصيا ، فتصبح الصدمة صاعقة ، صدمة الفقدان ، وشديدة الوقع على النفس . وفِي هذه الحالة يتولد وضع شديد الارباك ، مخلوط بالحزن والتحدي ، و الحيرة في كيفية ادارة المواجهة ، وفي الوقت ذاته منع خسائر بشرية ، إذ انت جزءٌ من هيئةٍ قيادية ، حزبية ، و قطرية ، اتخذتْ ، بصورة جماعية ، قرار الإعلان عن الاضراب العام ، و انك احد دعاة الاضراب .

لم تنزل الموجات الانتفاضية الاولى الى الشارع ، داخل الخط الاخضر ، بدعوة من القيادات ، بل كانت عفوية ، صافية . ولكن الامور تغيرت بعد ساعات حيث اصبح القرار بيد الهيئات التمثيلية ، التي كلما سقط شهيد ، كانت تدعو الى التصعيد ، حيث بات مطلوبا الضغط على نظام القتل من اجل وقف جرائمه ، اذ لم يستوعب فلسطينو الداخل ان يقتلوا على يد “ دولتهم “ وهم متظاهرون عزل من السلاح ، ولم يفكروا قط بالبحث عنه او استخدامه . كان ولا يزال ، ومنذ النكبة ، شكل مقاومتهم لنظام القهر ، سلميا ؛ مقاومة شعبية ، ثقافية ، وقانونية ، وبرلمانية .

هكذا انشغل الداخل بنفسه ، وراحت بعض القيادات المحلية تجتمع مع حكام اسرائيل في القدس ، لوقف القتل ضد فلسطنيي الـ48، في الوقت الذي تواصلت الملحمة/ المجزرة في الضفة والقطاع ، وكان هناك شكل المواجهة مختلفا وأكثر دموية ، اذ لم يُقتل الفلسطينيون فقط ، بل كان يُقتل كل يوم اسرائيليون ايضا . لقد دفعت وحشية المستعمر الفلسطينيين الى استعمال السلاح ، دفاعا عن أنفسهم .

لم يكن بمقدور فلسطينيي ال 48 ان يصمدوا اكثر من 11 يوما ، وهي أطول انتفاضة شعبية في تاريخهم فهم لم يكونوا جاهزين لتطور من هذا النوع ، فقد استفاقوا على واقعهم الذي يعتمدون فيه على اقتصادٍ تابع بالكامل . انتهت انتفاضتهم البطولية بعد ان سقط 13 شهيدا . اما الانتفاضة في الضفة والقطاع ، فقد انتهت بخمسة الاف شهيد ، وألف قتيل اسرائيلي ، واستمرت لاكثر من اربع سنوات . انها المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية الأطول ، والأعنف ، والأشمل ، على ارض فلسطين كل فلسطين ، منذ النكبة . وهي مواجهة صدمت العدو ، ووضعته وجها لوجه ، امام حقيقة لا يستطيع دحضها ، او الالتفاف عليها ، او طمسها مهما امتلك من قوة وآلات تضليل، وهي ان شعبا ولد على هذه الارض ، وعاش فيها مئات السنين ، باقٍ فيها الى الأبد . ليس هذا فحسب ، بل مستمر ، ومصر على نيل حقوقه .

إلا ان سوء حظ هذا الشعب ، يكمن في قياداته ، تلك التي ، رغم تضحيات هذا الشعب ، افتقرت الى الموهبة ، والى القدرة ، والمهارة على إسثمار كل هذه الانتفاضات المجيدة ، وعلى ادارة الصراع مع المستعمر بصورة افضل ،وتقوده الى النصر . الى هنا يمكن فهم الامر او تفهمه ، اذ يحصل عند شعوب اخرى ان تخفق قيادتها في تحقيق النصر في مرحلتها ، فتأتي قيادة جديدة اكثر قدرة لتواصل المسيرة وتبدل النهج . اما في حالتنا الفلسطينية ، فإن كارثتنا ، هو في اصرار القيادة التي قادت الثورة من هزيمة الى اخرى على البقاء في موقعها القيادي . والأنكى من ذلك هو انها بدل ان تطلق يد الشعب ضد المستعمر ، تقدم على معاقبة جزء من شعبها المحاصر ، وتنتقل من موقع الثورة الى موقع الحارس للاستعمار . هل عرف تاريخ حركات التحرر سقوطا ، او انحطاطاً اخلاقيا من هذا النوع ؟ لا أظن .

وفِي ظل هذه الحالة الفلسطينية ، انه لامر ذي دلالات رمزية ان يصدر قرار الاضراب العام لاحياء الانتفاضة الفلسطينية الثانية والهبة الشعبية داخل الخط الاخضر ، من فلسطيني ال 48 . وقد صدرت الدعوة أساسا من التجمع الوطني الديمقراطي ، وهو الحزب الذي دأب ، في ممارساته ، وعقيدته ، وتنظيراته ، على التعامل مع شعب فلسطين كوحدة واحدة .

انها المرة الاولى ، منذ 18 عاما ، يؤخذ قرار مشترك لاحياء الانتفاضة الفلسطينية ، بإضراب عام ، عنوانه الاساس ، اسقاط قانون القومية ، وان يكون تاريخ الاضراب يوم التحم فلسطينيو ال 48 بالانتفاضة الثانية عام 2000 . ولكن الاكتفاء بهذا العنوان ينطوي على اشكالية مفهومية ، بالنسبة لشعبٍ ، يسعى الى التحرر من نظام استعماري وفصل عنصري بغيض ، ومتوحش ، لا من اجل اسقاط قانون عنصري فحسب . وفِي اطار هذه المسألة يطول النقاش .

ولكن يبقى السؤال ، نفسه ، هل يكون هذا الاضراب الوطني ، كفزعة تل أبيب ، التي لم يبق منها اثر .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير