مظاهرة 2018+

15.10.2018 08:43 PM

كتب: عمر نزال

تظاهرة اليوم حول قانون الضمان الاجتماعي هي الاكبر منذ سنوات وسط رام الله والتي شارك فيها قادمون من محافظات اخرى وخاصة الخليل ونابلس، مظاهرة فريدة بمكوناتها ودلالاتها.

المشاركين فيها ( والهتيفة ) من ذوي الياقات الذين لا نراهم عادة في أي تظاهرة او موقف احتجاجي آخر، وهذا لا يقلل من قيمتها، ولا ينتقص من أي منهم، ولكن دلالته ان قطاعاً جديداً من المواطنين ينضم لرافضي سياسات وتوجهات السلطة وحكومتها يتجلى هذه المرة بقانون الضمان الاجتماعي الاكثر اثارة للجدل، والذي تموضعت فيه قوى سياسية واجتماعية ومؤسسات وقادة رأي في مواقع متباينة انطلاقاً من تباين الرؤى والاجتهادات حول ضرورة القانون من حيث المبدأ، ورفض بعض بنوده ومرجعياته ولوائحه التنفيذية التي تمحورت حولها هتافات اليوم التي طالبت برحيل وزير العمل - رئيس الصندوق مأمون ابو شهلا، ورئيس اتحاد نقابات العمل - عضو مجلس ادارة الصندوق نتيجة تصريحاتهما خلال الايام الاخيرة التي شكلت استفزازاً للمواطنين وصبت الزيت على نار الرافضين للقانون والمطالبين بتعديله.

التظاهرة الحاشدة التي دعا اليها ونظمها حراك بالكاد ولد وتبلور في غضون أيام، تعكس القدرة على العمل الواسع والسريع عندما يتعلق الامر بمصالح الناس ويمسهم بشكل مباشر، ولا اغفل هنا ان كبرى شركات القطاع الخاص مثل جوال والوطنية والجنيدي وبعض البنوك كانت وراء هذا النجاح وهذا الحشد، دون ان يقلل هذا ايضاً من شأن عدالة المطلب بتعديل القانون ولوائحه التنفيذية. وهذه القدرة على التنظيم والحشد والعمل بسرعة يجب ان تكون درساً للقوى السياسية وقوى اليسار خاصة في معرفة كيفية التقاط المهمة وكيفية التحشيد حول الشعار عندما يمس مصالح المواطنين او شرائح واسعة منهم.

ومن جانب آخر فالتظاهرة يجب ان تنبه السلطة، والحكومة خاصة الى ان صبر الناس قد نفذ، ليس فقط من المس بجيوبها حد التجويع، بل ايضا من اسلوب الاستعلاء والاستهتار برأي المواطنين وادارة الظهر لمطالبهم، والى انتقاء اشخاص اكفاء لادارة مثل هكذا مشروع ضخم، اشخاص موثوق بهم وبقدرتهم على ادارة صندوق بهذا الحجم من المال، اشخاص لهم قدرة على الاقناع وتبرير أهمية القانون، وليس اشخاص نزقين وحملة عصي تهديد واستهتار بآراء ومطالب الناس.

ومن جانب ثالث، فان حقيقة ان اغلب المشاركين هم من الطبقة الوسطى الاخذة بالاضمحلال والانحدار نحو الفقر، هي طبقة لا يستهان بثقلها، وانها بدأت تستشعر الخطر على وجودها وموقعها، وانها قد تكون قادرة في الجانب الاجتماعي الاقتصادي على الاقل على التأثير وربما على قلب الطاولة.

ومن جانب رابع وأخير، فان المظاهرة ودوافع الخروج لها، تعكس ان جيب المواطنين، او اغلبهم، ومصلحتهم المادية المباشرة باتت أهم واكثر اولوية من مصلحتمهم العامة، وكرامتهم الوطنية، اذ لا نرى مثل هذه الحشود، ولا هذه الوجوه في مناسبات وطنية او تظاهرات ضد الاحتلال، وهذا ايضاً لا يعيب المشاركين في التظاهرة، بل يجب ان يقرع ناقوس الخطر، بان هذه الشريحة ربما لاتثق بالقيادة السياسية، من كل الاحزاب والتوجهات، وقدرتها على استثمار طاقاتها، او انها على اقل تقدير لا تعيرها أي اهتمام، وغير قادرة على استقطابها لصالح نشاطات وطنية.

هذه قراءة سريعة لهذه التظاهرة، اعتقد انه يجب التمعن اكثر في قرائتها، فهي بحق تظاهرة من نوع جديد، تظاهرة 2018+

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير