نادية حرحش تكتب لـوطن: في حريم الخصيان.. ما بين العطاري وهريش

21.10.2018 10:21 AM

ساقتني تداعيات أزمة تسريب العقارات ومأساويتها الى الصفحة الفيسبوكية لمسرب عقار البلدة القديمة في حي عقبة درويش خالد العطاري.. استغربت ردوده على بعض الأشخاص الذي على ما يبدو من المخابرات الفلسطينية، وكان رد رجل المخابرات السائل عن سبب ترك هذا الرجل حرا حتى اللحظة،  كاتبا: القدس يا عمي.... يعني عدم مقدرتهم الوصول لأهالي القدس.

فكرت لوهلة وسألت نفسي السؤال البديهي. الرجل يعمل في بنك فلسطيني، فكيف يكون تبعيته لسطوة إسرائيل لكونه من القدس، ومع هذا يستطيع هذا الرجل التجوال والجواب أينما أراد لكونه تحت الحماية الإسرائيلية!

في مكان آخر أثار زواج المذيعة الإسرائيلية العربية لوسي هريش من إسرائيلي يهودي، كما اثار نفس الموضوع زواج المغنية الإسرائيلية عربية اللغة من زواجها بيهودي وربما تغيير دينها.

ليس غريبا ذهاب السيدتين، وليس صدفة وجودهما في بيئة الاعلام والاندماج والتماهي مع الحياة العبرية اللغة والثقافة ووقوعهما بحب رجل من تلك البيئة.

حالة من الخصي حصلت منذ ارتأى اهل هاتين الفتاتين في زمن غابر ما، الإندماج بالمجتمع اليهودي الأكثر انفتاحاً وفرصاً لبناتهن في هذه الحالة.

في مجتمع الخصيان هذا، لا نتكلم عن زواج الرجال المسلمين من يهوديات، وكأن الأمر يبقى عادياً.

وهنا، فكرة الاندماج مع الآخر، ليس حباً بالضرورة ولكن لكونه أكثر تقدما وانفتاحا. هذه هي المصيبة الأكبر، فتبقى هريش وقادري بالمحصلة حالة عامة لا خاصة. لأن هناك مجتمع يرى برقيه وتقدمه ما يتلقاه من ذلك الاخر، العدو.

في هذا الأسبوع كذلك، ثارت نقاشات ومظاهرات رفضا لقرار وزارة العمل الفلسطينية بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي. رفض كبير واستياء عارم. سألت نفسي سؤالا ساذجاً كالعادة، الضمان الاجتماعي هذا، هو نفسه الذي يريده بالعادة الفلسطيني تيمنا بما تقدمه إسرائيل من خدمات لمواطنيها، وينال حامل الهوية الإسرائيلية من سكان القدس نصيبا منها. فلماذا هذا الرفض لخدمة تشكل ضمان تقديم الخدمات الاجتماعية لأهل الضفة الغربية؟

طبعا هناك أجوبة سريعة تحضرني، مثل التشكيك في مصداقية السلطة ووزاراتها المخلخلة، وعدم ضمان السلطة في حد ذاته، فكيف تضمن السلطة السكان وهي لا تضمن وجودها؟ وهناك بالطبع مسألة أكثر أهمية، وهي عدم ثقة المواطن بالسلطة التي يملأها الفساد ويستفحل بها، فكل هذه الأسباب كافية لرفض المواطن لهذا القانون، ولكن، إذا ما كان هذا المواطن بالفعل مستاء من السلطة ولا يثق بها لهذه الدرجة، فلماذا لا تخرج المظاهرات لإسقاط السلطة او حلها؟ ام ان المواطن كالسلطة، مستفيد من الوضع الحالي؟

وبينما أحاول تبرير الاعتراض على هذا القانون، انظر الى الحال في القدس، فالضمان الاجتماعي بقوانينه ملزم ولا نستطيع التفوه بكلمة، ندفع ما يقرونه بلا اعتراض. ونتغنى بخدمات طبية وبطالة، وننسى اننا مثقلون بالضرائب التي لا يعلم لها من سلطان. وندفع كالخصيان!

فهل من ضمان لما يقدمه الاحتلال لنا من خدمات؟ هل الاحتلال مضمون وأكثر ثقة من السلطة؟ هل نعتقد ان الاحتلال لن يسرق اموالنا وما ندفعه من مدخرات وضمانات كثيرة وضرائب؟

لا اعرف متى تحولت حياتنا الى اعتماد كلي على ما يصدره لنا الاحتلال، ولكنه الوضع الحاصل... هم من حسنوا من التعليم!!!!! بأي منطق يقال هذا؟ هل كنا بالفعل مجتمع رعوي بدوي وجاءت إسرائيل لتقدم لنا التعليم والحضارة؟

متى نسينا كم صدر الفلسطينيون من موارد بشرية لدول الخليج؟ كم تغنى الفلسطينيون بأدباءهم وعلمائهم ورجال أعمالهم؟ هل كان هذا بسبب عطايا الاحتلال الإسرائيلي؟

المجتمع في معظمه لا يختلف عن هريش وقادري، فهناك حالة من الارتقاء يشعر بها المواطن الفلسطيني في هذه الأيام تجاه ما يقدمه الاحتلال. البغروت والسباق نحو الجامعات العبرية. 

المجتمع الذي يتم تسريب بيوت اهم بقاعه وينشغل بالتوافه من الأمور، هل هو مجتمع يختلف عن سلطته؟

ننشغل في خاشقجي وتقطيعه او قتله، وننسى ان جرائم السعودية أكثر بشاعة فيما اقترفته باليمن وما اقترفته في سوريا والعراق، وكان الخاشقجي دوما أحد ابواقها.

الخان الأحمر، خضر عدنان، غزة الدامية، تسريب عقارات، تقسيم قادم للأقصى، تهويد على مرأى العين للقدس، توسيع فاحش للمستوطنات، وننشغل في اعتقالات تستعرض فيها إسرائيل عضلاتها ربما، او لتشتيت ممنهج او بالأحرى مساهمة في تبييض الوجوه امام سوداوية الحقيقة والشركاء في عملية الاغتصاب الجمعية للمدينة المقدسة.

هل حولتنا إسرائيل الى خصيان في حرمها الشاسع الذي اغتصبته منا، وصارت تمارس علينا الفواحش الذي مارسها من حكم هذه الأرض سابقا.

هل كانت سياسة الخصي ما انتجت هذا الكم من الحضارة الإسلامية في حينها، وها نحن نعيش حياة الخصيان نزهر حضارة جديدة، يكون الإسرائيلي هو صاحب الامر فيها

كنا خير امة أخرجت للناس؟

كنا.. عندما كان الوطن بوصلة المواطن. عندما كان الايمان هو دين الانسان. عندما كانت الرجولة مواقف..

ولكننا نعيش في زمن الخصيان...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير