إسرائيل كسرت عظامهم فهل ستكسر الحكومة رؤوسهم؟

31.10.2018 07:36 PM

كتب: محمود حسنين

مع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987 في الأراضي الفلسطينية انتهج وزير الحرب الاسرائيلي إسحاق رابين سياسة أثبتت الأيام فشلها وانها لم تجد نفعاً مع أطفال الحجارة، هذه السياسة كانت "تكسير العظام" والتي تتمثل بتحطيم الأطراف لدى الأطفال لمنعهم من إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على جيش الاحتلال.

وهذا ما أكده ضباط في جيش الاحتلال ان التعليمات صدرت من رابين حرفيا بأن "إكسروا أطراف الفلسطينيين" حيث يقوم الجنود بإعتقال الأطفال واختطافهم الى مناطق بعيدة عن الأنظار وكسر عظامهم في أعقاب البنادق، وحتى لا يسمع أحد صراخ الاطفال أثناء تعذيبهم كان على الجنود ان يرفعوا أصوات محركات السيارات العسكرية.

اليوم وبعد 31 عاما من سياسة انتهجها الاحتلال ضد أطفال فلسطين تقوم الحكومة الفلسطينية بانتهاج سياسة أقسى، وهذه السياسة متمثلة في كسر الرؤوس والجيوب على نفس الفئة التي تعرضت الى كسر العظام في طفولتها.

فقد طرحت الحكومة الفلسطينية قانون الضمان الإجتماعي والمتمثل في إقتطاع جزء من راتب الموظف في القطاع الخاص وإدخاره له حتى يأمن على تقاعده، وخرج رئيس الوزراء رامي الحمد الله وحدد موعداً للبدء في تطبيقه وهو الأول من تشرين الثاني من العام الحالي.

وعند صدور قرار الحكومة بدأت الاحتجاجات تتصاعد في أواسط الفلسطينيين المتضررين من هذا القانون، لما يوجد به مآخذ وعيوب كبيرة لا تطمئن المواطن الفلسطيني خاصة في ظل الوضع السياسي الضبابي، وفرض الولايات المتحدة العقوبات المالية على الحكومة الفلسطينية مما يؤكد للمواطن ان مسألة الضمان بها خطورة كبيرة على راتبه الذي هو بالأساس بحاجة الى ان يتم زيادته لا ان يتم الإقتطاع منه، وتأكيد الحكومة الفلسطينية البدء في سريان هذا القانون يمثل صفعة للجماهير التي خرجت وستخرج ضد هذا الضمان.

إن طرح مثل هذا القانون وتحديد موعد لتطبيقه بصيغته الحالية يكرس الشرخ بين الحكومة والشعب ويؤكد على عدم تغليب المصلحة العليا للشعب الذي يعاني الويلات حتى يؤمن قوت عياله، وحتى الفصائل التي تدعي انها تحمي الشعب لم يكن لها موقفا واضحا من هذا القانون ولا تزال تمسك العصا من المنتصف لا هي مع الحكومة بشكل كامل ولا مع المواطن بشكل كامل، ومما زاد الطين بلّة هي تصريحات بعض المسؤولين التي أثارت موجة من السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي حول قانون الضمان الاجتماعي.

لا شك في أهمية الضمان الاجتماعي في النظام السياسي في اي دولة، فهو في النهاية يحفظ لموظفي القطاع الخاص حقوقهم عند التقاعد، ولكن ما أوجدته الحكومة الفلسطينية لا يتناسب مع حجم التطلعات للشعب، فهذا القانون بحاجة الى ضمان حتى يضمنه الموظف، وبحاجة الى تعديلات حتى يتم تطبيقه والإلتفاف حوله من قبل المجتمع.

وأخيراً فإن تطبيق هذا القانون بصيغته الحالية والتي تحتاج الى تعديلات بالجملة يؤدي إلى كسر رؤوس الموظفين الذين خرجوا بالآلاف في الضفة الغربية ضد تطبيق هذا القانون، فهذا القانون يمثل العصا الغليظة والسيف الحاد على رقاب الفلسطينيين، وإذا أرادت الحكومة ان تحفظ ماء وجهها في المستقبل القريب عليها ان توقف هذا القانون او ان تجعله إختيارياً فهذه هي كلمة الفصل والسر التي ستحميها من غضب الشارع والذي قد يتحول مطلبه من مطلب شعبي حقوقي الى مطلب سياسي، لإن الدفاع عن حقوق المواطنين الفلسطينيين لا تقل أهمية عن محاربة الاحتلال.

لم ينس الفلسطينيون العصا الغليظة التي كُسرت بها عظامهم فهل سيذكّرهم قانون الضمان الاجتماعي بهذه العصا؟ وهل سيمرّ؟ باعتقادي ومع حجم الحراك المنظم ضده بصيغته الحالية فلن يدخل حيز التنفيذ إلا بتحقيق مطالب المتحتجين المتمثلة بتعديل بنوده.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير