المواطن الفلسطيني وعدادات الدفع المسبق للمياه!

24.11.2018 09:45 AM

كتب: عقل أبو قرع

نشهد هذه الايام جدلا حول جدوى أو مشروعية تطبيق عدادات الدفع المسبق على من يقوم بأستهلاك المياه، أي ان يتم دفع ثمن المياه قبل الحصول عليها، ويمحور النقاش حول الجدوى او المنطق او المحتوى الانساني لهذا الموضوع، وكذلك حول هل سلعة المياه تشابة السلع الاخرى التي نستهلك، والتي يتم الحصول على ثمنها قبل استخدامها، وبالاخص سلعة الكهرباء، أو خلال الاستخدام كالعديد من السلع.

ومعروف ان المياه هي سلعة اساسية حيويه لكل البشر سواء أكانوا هنا أو في أي منطقه اخرى في العالم، سواء اكانت هذه المنطقه غنيه بالمياه أو مناطق جافه، كسلعة الهواء مثلا، اي تختلف عن السلع او الخدمات الاخرى التي تم او يتم فيها تطبيق نظام الدفع المسبق، وفي ظل الاخذ والرد بين الجهات التي تقدم خدمة المياه، من شركات او من بلديات او مجالس قروية، وبين بعض مؤسسات المجتمع المدني والافراد، يضيع المستهلك أو المواطن الفلسطيني، خاصة حين يتم تطبيق هذا النظام بشكل جماعي، او على تكتلات بأجمعها، سواء على من يلتزم بدفع الفاتوره للمياه بأنتظام او بالطبع على الذي لا يلتزم.

والمياه هي حق انساني، حيث خلق اللة سبحانه وتعالى من الماء كل شئ حي، وفي دول عديدة، تتوفر المياة بشكل فائض عن الحد، وتحتاج الى من يستخدمها او الى التخلص منها والا الحقت الضرر بالممتلكات، وربما الموت بالناس، وفي دول عدة يتم تقديم خدمة المياة بدون اي دفع، او تكون خدمة ايصال المياة الى المنزل مشمولة ضمنا بالايجار الشهري للمنزل مثلا، او يتم شملها رمزيا من خلال الضريبة المحلية التي يتم دفعها سنويا، للولاية او للبلدية او للمجلس القروي، حيث تصل المياه الى المنزل بالكمية والنوعية او الجودة المطلوبة وبدون دفع، ولكن وربما يتم شمل ثمن هذه الخدمة ضمنيا ورمزيا ضمن مدفوعات اخرى، حيث لا يشعر المستهلك للمياه داخل المنزل انه يدفع ثمن سلعة المياه.

وفي بلادنا، معروف ان المياه شحيحة وفي بعض المناطق سلعه نادره، او بالاحرى وبسبب عدم سيطرتنا على مصادر المياة في بلادنا، وبالاخص المياه الجوفية التي تشكل اكثر من 90% من مصادر المياه المتوفره في بلادنا، تشح المياه في بعض الاوقات في السنة وفي بعض المناطق وليس جميعها، وقد يكون ذلك كذلك بفعل قلة فعالية ايصال المياة او بسبب التسيب في الاستخدام او عدم الاستفادة الفعلية من مياة الامطار التي تكون غزيره في بعض الاحيان، ومعروف ان معظم البيوت في القرى الفلسطينية وحتى بعض البيوت في المدن تملك ابار لتجميع مياه الامطار، وهذه الابار وبالاضافة الى الحصول على المياة مجانا من خلال الامطار، تشكل نوعا من الامان والاحتياطي المائي للناس، سواء للاستخدام البشري او للاستخدامات الاخرى، وبالتالي فأن شحة المياة او قلة الحصول تقتصر على تجمعات فلسطينية محددة.

ونعرف ان شركات المياه الفلسطينية تقوم بتزويد المياه الى المناطق، سواء من خلال استخدام ابارها الخاصة التي قامت بحفرها، او من خلال شرائها من مصادر اسرائيلية وهذا يشكل الغالبيه، وبالتالي وبما ان هذه شركات، وتملك موظفين وشبكات تحتاج الى صيانه ومتابعه، من المفترض ان تحصل على مقابل ذلك من

المواطن الذي يحصل على المياة بالكميه وبالجودة المطلوبتان، وهذا منطقي، ونعرف ان عدد كبير من الناس او الاغلبية تدفع مقابل الحصول على خدمة المياة، اي تلتزم بدفع الفواتير، وهناك البعض الذي لا يدفع ولاسباب مختلفه، وقد يكون بسبب عدم القدرة الحقيقيه على الدفع او عدم الرغبة بالدفع، اي التسيب او التعود على الحصول على هذه الخدمة وربما خدمات اخرى مجانا، ولهذه الفئة من الناس اي التي تهدر المياة بشكل او باخر، يوجد العديد من الاجراءات، سواء اكانت الاجراءات الاخلاقية أوالاجتماعية أوالقانونية التي يمكن ان تردعها، او تجعلها تلتزم بالدفع كما يلتزم اغلبية الناس، ولا اعتقد ان التطبيق الجماعي لنظام عدادات الدفع المسبق سوف يعالج معضلة كهذه، لان من يهدر المياة او من يسرقها او من لا يلتزم بدفع مقابل الحصول عليها، سوف يبتكر الاساليب الاخرى للحصول عليها، وربما بشكل اكثر ضررا له وللناس المحيطين، وللبيئة المحيطة وللشركة وللمجتمع بشكل عام.

وتطبيق نظام الدفع المسبق، وعلى تجمعات بأكملها، يعني ان من يلتزم بالدفع، قد يكون يضطر ولاسباب معينة وفي فترة محددة لعدم القدرة على شراء المياه مسبقا، وبالتالي تصور عدم الحصول على المياة بسبب ذلك، والمياه هي حق انساني، اي اساسي للحياة، يختلف عن سلع اخرى مثل الكهرباء، ومعروف ان العديد من الناس قد عاش ولسنوات بدون كهرباء، ونعرف انة قبل ثلاثين عاما او حتى عشرون عاما، لم يكن يوجد شبكات كهرباء في العديد بل في غالبية القرى الفلسطينية مثلا، وكانت الناس تعيش وبدون خطر او خوف، وبالتالي مقارنة سلع اخرى تم تطبيق نظام الدفع المسبق عليها مع سلعة المياه هي مقارنة غير منطقية، فنحن نستطيع ان نعيش لايام او لاشهر او لسنين بدون كهرباء وبدون غيرها من السلع الاستهلاكيه، ولكن ليس بدون مياه ولو لايام او لساعات وخاصة حين يتواجد هناك اطفال اومرضى أو كبار السن مثلا.

ومع التسليم بحق مزودي المياه، سواء أكانوا جهات خاصه أو رسميه بالحصول على ثمنها من الذي ارتضى وطواعية للحصول على هذه السلعة من المزود، الا ان اهمية سلعة المياة كحق انساني اساسي للحياة، ليس كالطعام او مثل الكهرباء او حتى مثل خدمات التلفزيون او الانترنت في بعض المناطق، تجعل تطبيق نظام الدفع المسبق على المياة، غير واقعي او غير مجدي عمليا واخلاقيا واجتماعيا وصحيا وما الى ذلك، وان معالجة الحالات الفردية من التسيب والسرقة للمياه، يمكن ان يتم وبشكل انجع من خلال اجراءات قانونية، او اجتماعية، وبدون هضم او الاعتداء على حقوق مستهلكين اخرين التزموا ويلتزموا بدفع ثمن ما يحصلوا علية من المياة، ولكن ولاسباب قاهرة ومتعددة، ربما لن يستطيعوا الدفع المنتظم مستقبلا، وبدون اعطاء مبررات لمن لا يدفع بان يبتكر اساليب يكون لها اثار سلبيه على جودة المياه وعلى البيئه والمنطقه والمجتمع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير