خالد بطراوي يكتب لـوطن: يا بتاع النعنع .... يا منعنع
كشف الصراع الدائر حاليا بين كافة الأطراف في الساحة الفلسطينية بخصوص الضمان الاجتماعي العديد من الأمور وكأن ذلك قد جاء بمثابة " القشة التي قسمت ظهر البعير" كما يقولون.
على إمتداد سنوات عمر السلطة الوطنية الفلسطينية تعززت الملامح التي يراد ( من قبل دول العالم قاطبة) للكيان الوطني الفلسطيني أن يكون عليه، بوصفه كيانا تابعا على كافة الأصعدة، مبتعدا أكثر فأكثر عن الرؤيا التي تدعو الى أن يكون كيانا مستقلا إستقلالا تاما وبالتي تجري عملية ممنهجة لإختزال القضية الفلسطينية وإختزال الحلم الفلسطيني بالاستقلال والحرية وإنشاء الكيان الوطني المستقل وعودة اللاجئين.
فعلى الصعيد الجغرافي يراد للكيان الفلسطيني أن يكون ممزقا، أولا بفصل القدس عنه، وثانيا بفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وثالثا بالسيطرة الكاملة على الحدود البرية والبحرية والجوية، ورابعا بحشر التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة الغربية بمربعات حدودها شوارع إسرائيلية عريضة عابرة طوليا من الشمال الى الجنوب وعرضيا من الشرق الى الغرب والسعي قدر الآمكان لنشر وتوسعة المستعمرات الاسرائيلية. وقد صفقنا نحن لذلك كله وخير دليل على ذلك حقيقة وجود سلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يلوح مطلقا في الأفق أية بوادر للوحدة الوطنية الفلسطينية رغم أننا جميعا نتظاهر بأننا ننشدها.
سياسيا كانوا يعيبون على الشيوعيين واليساريين تبعيتهم للاتحاد السوفياتي ويتندرون بالقول " إن أمطرت في موسكو فإنكم ترفعون الشماسي هنا" وتبين لنا أن الحال تفاقم، فإن أمطرت في أي بلد عربي أو غربي نجد هنا من يرفع الشماسي ويهلل للمطر القادم بدءا من بلاد العم سام وإنتهاءا بالرواية التي منعت لسنوات للكاتب الفلسطيني يحيى يخلف بعنوان " نجران تحت الصفر".
إقتصاديا أيها الأحبة يريدون لنا أن نبقى تحت "بنديرة" الاقتصاد الاسرائيلي، نكرس التبعية الاقتصادية حيث أصبحنا مجتمعا إستهلاكيا بإمتياز متقدما في ثقافة الاستهلاك المطلق على كافة دول العالم إذ نجد أسواقنا وقد إمتلأت بالمنتجات من كافة بقاع العالم وحتى الصناعات المحلية فقد جعلت صناعة تكميلية ونما قطاع الخدمات والمصارف والاتصالات بشكل مضطرد على حساب قطاع الانتاج وتغطرس أباطرة قطاع الخدمات وتفرعنوا وترعرعت شريحة الكمبرادور وهي إحدى شرائح البرجوازية التي تتحالف مع رأس المال ألأجنبي بغية السيطرة على السوق الفلسطيني، في توافق وتناغم من رأسمالية الدولة الاحتكارية بالسيطرة على السلع الرئيسية كالطاقة والوقود والإسمنت والتبغ والطحين وغيرها. وحيث أن السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد كما يقولون، كان لا بد من إعداد ملامح سياسية داعمة للرؤيا الاقتصادية التابعة تجسدت في السعي لسن تشريعات تخدم كل الاغراض الاقتصادية الداعية الى الالحاق وليس الى الاعتماد على الذات أو التي تهدف الى تحقيق تنمية من أجل الصمود، بل تنمية من أجل التركيع، وسحب " القروش" من جيب المواطن.
إجتماعيا يتعزز الفرز الطبقي على نحو بدأنا نلمس عدم قدرة البعض حتى على التفكير بدخول بعض المتاجر حتى لو فقط بهدف المعاينة والتفرج نظرا لمعرفتهم المسبقة بإرتفاع الأسعار، بدأنا نلمس تفاقم الفقر والبطالة وما ينجم عنها من تبعات إجتماعية، وبدأنا في ذات الوقت نلمس تمردا للطبقة الوسطى .. وتلك هي من سمات المرحلة الراهنة.
ثقافيا تعززت ثقافة التبعية والخنوع والعوز والحاجة كما يقول المثل " بوس الكلب من تمو لتاخذ حاجتك منو" وأصبحنا نهلل مدحا للباب العالي وإنعكس ذلك على المشهد الثقافي فبتنا في أعراسنا نرقص على أغنية " يا بتاع النعنع .. يا منعنع"، وحتى في معارض الكتب نستورد " ما هب ودب" من الكتب من دور النشر قاطبة في العالم على حساب دور النشر المحلية.
في الخطاب الديني نتحدث عن التاريخ والأمجاد الغابرة ونتحسر على الأيام الخوالي ونتغنى بالفتوحات الاسلامية ونشكوا حال الأمة دون أن نوجه الأجيال الى الفعل المقاوم بل على العكس نكرس ثقافة الاستكانة للسلطان ولا تثبت لنا ككيان بصورة منفردة رؤية هلال شهر رمضان بل علينا أن ننتظر غيرنا ليعلنها فنعلنها نحن بدورنا.
الفصائل الفلسطينية من أقصى يسارها الى أقصى يمينها تكرس الفصائلية وتهتم بالقوت اليومي المعيشي للكادر المسخم المتفرغ والبذخ منقطع النظير للقيادة وتردد جميعها مصطلحات كنس الاحتلال، والصمود، والوحدة الوطنية، والثوابت الفلسيطينة والاستقلال وإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف، وحق العودة والاجئين والشهداء والأسرى و " الأغاني لأبي الفرج الآصفهاني".
النقابات المهنية والعمالية إنتفت عنها صفة العمل النقابي وتحول كادرها في أغلبه الى كادر منفذ لأعمال روتينية يومية طغت عليها البيروقراطية والانشغال بتأمين قوت العائلة ليس أكثر.
أوتدرون .. حتى أنا .... قبل أيام .... رقصت على أغنية " يا بتاع النعنع ... يا منعنع".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء