نادية حرحش تكتب لـوطن: التطبيع من أجل التطويع.. عنوان المرحلة الحالية للمطبعين

28.11.2018 06:22 PM

التطبيع من أجل التطويع: عنوان المرحلة الحالية للمطبعين أثار مشاركة أفراد من القدس بـ "كونغرس إسرائيل" المقام في ألمانيا موجة من التساؤلات، لم ترق للشجب أو المطالبة بالمحاسبة أو المساءلة. تساؤلات بها من التبرير بقدر ما فيها من الاستياء.

التطبيع أصبح جزءاً من الفعل اليومي الذي امتد شركه إلى بلاد الجوار من العرب. فصار مسألة تفاخر وتسابق. كم من مرة وقعت أمامنا عبارة غسان كنفاني "أخشى من يوم تصبح فيه الخيانة وجهة نظر"، وها نحن نلملم وقع الكلمات بين تبرير وتحليل. بين محاولات عقيمة لدفن العار العربي بالتواطؤ على قضية تمثل بجل معانيها كرامة الانسان العربي.

ألمانيا تقيم وعلى مدار ما يقرب من العقد مؤتمر لدعم إسرائيل، على غرار مؤتمر ايباك الصهيوني المقام في أمريكا كل عام. قد يفهم الانسان العادي حاجة ألمانيا لدعم إسرائيل تحت حجة عقدة الذنب التي أصبحت كالمتلازمة لدى معظم دول أوروبا.

ولكن ما هي حاجة العرب والفلسطينيين للمشاركة بهكذا محفل؟ هل هي متلازمة ستوكهولم لدى هكذا فلسطينيين؟ وهل هي عقدة الأجنبي لدى العرب؟ فهذا العام، شارك بالكونغرس والذي جري عل مدار ثلاثة أيام في نهاية الشهر الحالي، بالإضافة الى بعض العرب والذي كان أحدهم سعودي، بالإضافة الى ملكة جمال العراق ٢٠١٧، وفلسطينيون من الداخل المحتل من الموالين بانتمائهم لإسرائيل، فلسطينيون مقدسيون. قد تكون بعض الأسماء غير مهمة لمشاركتها وذلك للمعرفة المسبقة من قبل الفلسطينيين بتوجهات أصحابها نحو التطبيع والترويج والعمل من أجله، فلم يعد لهؤلاء حتى ارتدادات الأصوات، ولا يعني وجودهم او عدم وجودهم في هكذا أماكن أو غيرها. فكما يقال فإن "كروتهم محروقة". لن يكون مفاجئا، ان تكون جنازات اشخاص كهؤلاء (وقد بلغوا من العمر عتيا) بلا تشييع كما شهدت القدس قبل شهر في موضوع موت رجل اتهم بتسريب عقار للمستوطنين.

المقلق الى حد الرعب هنا، هو مشاركة وجوه تعتبر ريادية، ومؤثرة بين الشباب وتستخدم المصطلح الوطني للاستقطاب، وإذا ما انتبهنا الى اهتمام فئة الشباب بالمشاريع الريادية والتقنية. ولا زلنا تحت ارتدادات ما جرى قبل شهر كذلك من موضوع انتخابات البلديات ومشاركة افراد من سكان القدس بالانتخابات.

ما يستخدمه هؤلاء من حجة هو موضوع بلا شك مهم، وهو تحسين مستوى اهل القدس وتقديم خدمات. من جهة نسمع عن موضوع تقديم الخدمات مقابل ما يكهل صدور المقدسيين من نفقات حياة تملؤها قوانين الاحتلال من ضرائب وغيرها. ومن جهة أخرى نسمع عن موضوع تقديم فرص للشباب في تحسين حياتهم من حيث التعليم والتوظيف، وهنا يختبئ هؤلاء وراء دعم المشاريع الصغيرة وغيرها.

لا يختلف أحد على انه هناك حاجة للعمل الحقيقي على الامرين. واعتقد جازمة ان موضوع مشاركة اهل القدس بانتخابات البلدية يجب ان يؤخذ على محمل النقاش الحثيث والجدي من حيث ابعاده المختلفة. وعليه، فإن ما يحدث من محاولات شخصية بلا اجماع او عمل سياسي متفق عليه سيؤدي مع التكرار الى نتائج كارثية لوضع القدس وخصوصيته وحساسيته. فالفلتان التي تعيشه القدس بغياب مرجعية وقيادة جدية نراه في كل ما نراه من تدهور مستمر بكل ما يجري بالقدس من هدم بيوت وتسريب عقارات وتجنس إسرائيلي وأسرلة للمناهج وغيره من تدهور ملحوظ بالبنية الثقافية والاجتماعية بالمدينة.

وهنا يأتي موضوع التطبيع الذي يضع الفلسطينيين بالقدس تحديدا بين فكي الأسرلة وغياب السلطة، ليصبح موضوع تقبل الاحتلال وكأنه حليف طبيعي للحياة بالقدس، بل هو الخيار الأصح لمن أراد ان تكون حياته أفضل. وعليه، ان تصل الدناءة في بعض الأشخاص ليجلسوا في مؤتمر من اجل الترويج وتحسين صورة إسرائيل في أوروبا صارت وكأنها امرا عاديا، حيث يعتبر هؤلاء انهم يقوموا بخدمة أبناء القدس بهكذا مشاركات.

هذا يؤكد، ان هؤلاء قد وصلوا الى مواصل بعيدة فيما يقومون به، إذا ما وصل بهم المطاف الى التواجد بمؤتمر يقدم نتانياهو الكلمة الترحيبية له، وترعاه وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة شؤون القدس الإسرائيلية.

المشكلة مرة أخرى، ليس بهؤلاء فقط، المشكلة بنا. المشكلة بالسماح لهؤلاء بالتعبير والتبرير واعطائهم منابر ومناصب ليروجوا لفظائع ما يقومون به لهذا الوطن. المشكلة ان هؤلاء متواجدون بيننا ونتحاور معهم ونلبي دعواتهم وربما نجلس أيضا على موائدهم ونشاركهم افراحهم واتراحهم.

قد نتفق كذلك، انه من الصعب الكلام كثيرا مع اشخاص او افراد وصدهم عن هكذا أفعال في وقت يشارك كبارات السلطة في محافل مختلفة للصهيونية، وإذا ما كانت السلطة الفلسطينية مقامة على فكرة التطبيع التطويعي والذي يعتبر التنسيق الامني أحد أذرعه. من الصعب الحديث مع افراد عندما يستقبل رئيس السلطة الإسرائيليين وكأن المقاطعة صارت مزارا لمن يريد ان يرى الكائن الفلسطيني المطبع.

ولكن… عندما نعيش يوميا مع فظائع الاحتلال، يصبح من المحتم علينا مقاومة هؤلاء، وفي أضعف الإيمان، وهو اخراجهم من محافلنا وما نعتبره نحن الناس العاديون من مشروع وطني. نحتاج أكثر من أي وقت مضى الثبات على معايير نتمسك فيها بما هو مشكل لهوياتنا الوطنية. لم يعد مقبولا ان نتقبل انه عادي ان يتجنس المقدسي بالجنسية الإسرائيلية ونتشارك معه في تقديم خطة وطنية لفلسطين. ليس مقبولا ان يكون شخصا قرر انتماءه لنظام الصهاينة وقدم ولاءه للاحتلال علنا او خفاء جزء من التركيبة الاجتماعية التي تجمعنا في هويتنا الوطنية. هؤلاء قروا ولاءاتهم وانتماءاتهم…. فليذهبوا الى نعيم الصهيونية بعيدا عنا…. ولربما من الاجدى ان تتخذ حركة المقاطعة في فلسطين موقفا ضد هؤلاء قبل اتخاذ المواقف من غير الفلسطينيين بالنسبة لهذا النوع المشين من التطبيع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير