خالد بطراوي يكتب لوطن: الكوميديا الزقطانية

10.12.2018 08:25 AM

 لعلّ مقالة الكاتب الفلسطيني غسان زقطان التي حملت عنوان " حكومة فلسطين العنيدة" ونشرها موقع " إمارات 24 " يوم الخميس 6/12/2018 هو تلخيص مكثف لوصف الحالة عملا بمقولة " ما قلّ ودل".

فعلا أنها " عنادة الرأس" لا أكثر ولا أقل.

لقد كتب الكاتب غسان زقطان قائلا " يتضح مع كل تصعيد شعبي ضد "قانون الضمان الاجتماعي" الذي أقرته الحكومة الفلسطينية، أن جوهر الأزمة المتصاعدة بين أغلبية شعبية تتزايد وتتنظم باستمرار، وبين حكومة رامي الحمدالله، ليست في القانون، رغم إشكاليته، ولا في مواده، بعضها يبدو مرتجلًا، ولكن في غياب الثقة. ولعل ما عزز هذه الأزمة وفاقمها هو الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة الفلسطينية مع الملاحظات المرفوعة في وجه القانون، وهذا يشمل وسائل الترويج التي من المفترض أن تمهد لوضع مثل هذا القانون بالغ الأهمية والحساسية موضع التطبيق. ببساطة يتردد الناس كثيراً في تسليم مدخرات عمرهم وثمرة سنوات العمل الطويلة والقاسية غالباً، لحكومة لا يثقون بحكمتها".

وأردف الكاتب غسان زقطان قائلا ( عجبتني أردف هاي بالمناسبة كيف طلعت معي لا تسألوني) :- " لا يمكن فهم عناد حكومة الحمدالله وإصرارها على توتير الأجواء في بلد يخضع للاحتلال في كل شيء تقريباً، وفي ظروف سياسية واقتصادية بالغة التعقيد، عبر تنفيذ القانون بطريقتها ورؤيتها الاستعلائية، رغم أنه يمسّ مباشرة معيشة الناس، ولا يحظى برضا الأغلبية الساحقة من الشرائح الاجتماعية التي يستهدفها، قانون تحيط به الشكوك من كل جانب، النص والأسلوب والتوقيت والغايات. عناد يبدو كوميدياً تماماً، وغير مسؤول".
هي ذي المعادلة تماما، وقد وصفها الكاتب غسان زقطان بدقة .... عناد كوميدي ... إذ أن أصحاب صنع القرار من المسؤولين الفلسطينيين باتوا يخشون أنهم لو رضخوا هذه المرة الى إرادة الشارع الفلسطيني ... فلن تقوم لهم قائمة أبدا، وبالتالي سيتحرك الشارع الفلسطيني دوما لرفض تمرير أي تشريع أو نظام أو ضريبة أو ما شابه، وهم بذلك يبتعدون كل البعد عن فهم جوهر حراك الشارع الفلسطيني، الذي ثبت أنه متقدم عن كافة الفصائل الفلسطينية قاطبة من أقصى يمينها الى أقصى يسارها.
الشعب الفلسطيني يا سادة يا كرام ومن دون نظريات ماركسية لينينية ومن دون نظريات دون كيشوتيه مغامرة وأيضا من دون نظريات يمينية متطرفة أو ظلامية، قادر وبقدرة منقطعة النظير على أن يجمع جمعا خلاقا بين كافة أشكال النضال وفي الوقت المناسب وبكل تكتيك وحنكة وهدوء وإمتصاص للصدمات في نسيج يربك منظري الصالونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة.
الشعب الفلسطيني يعي جيدا متى يصطدم مع الاحتلال وأين وكيف، ويعي جيدا أن أولويات كفاحه هي للتخلص من نير الاحتلال، والشعب الفلسطيني أيضا يعي جدلية الحراك الداخلي الفلسطيني وقادر على الجمع بين الوطني والطبقي من النضال والقومي والأممي أيضا.
الشعب الفلسطيني ومنذ سنوات بعيدة حدد ملامح تطوره الاقتصادي في المؤتمر الي نظمه الملتقى الفكري العربي بالقدس مطلع الثمانيات وقال أننا بحاجة الى تنمية من أجل الصمود، بل ومن أجل الصمود المقاوم، ونفذ ذلك على أرض الواقع في الانتفاضة الأولى المباركة المجيدة. لا يحتاج الشعب الفلسطيني لغطرسة البنوك وقطاع الخدمات واللوجستيات على حساب قطاعي الصناعة والزراعة (الانتاج) ولا يحتاج الى نمردة شريحة الكمبرادور التي تغرق أسواقنا بكل ما هب ودب من السلع العالمية المستوردة وأبسطها "إبرة البابور" والشعب الفلسطيني يتململ أيضا من رأسمالية الدولة الاحتكارية على السلع الرئيسيىة.
فليطمئن كل من يخشى أن " ينزل من على الشجرة" لن يكون التراجع مقدمة لتراجعات أخرى، فالشارع الفلسطيني قادر على التمييز ولا يعاديكم.
إن ما يجري على الأرض من حراك هو في جوهره "عصيان مدني" يغلي على صفيح نار هادئة. وما القرارات التي أصدرتها النقابات المهنية التي تعمم على أعضاءها عدم الانضمام الى الضمان الاجتماعي تحت طائلة سحب رخص مزاولة المهنة، وما القرارات التي أصدرتها بعض العائلات وممثلي العشائر وغيرهم الرافضة للانضمام الى الضمان الاجتماعي إلا خير دليل على هذا العصيان المدني الهادىء الذي لا ينشده أحد، فقد سعى الجميع الى إنتهاج سياسة " الدبلوماسية الهادئة" مع الجهات الرسمية على أمتداد الفترة الماضية، لكن إستمرار حالة "العناد" أدت الى تصعيد اللهجة. إن إستمرار هذا الغليان لا يخدم أحدا اللهم الا المتربصين  بمنجزات الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يدعو الى إعادة الحسابات والكف عن العناد.
الكوميديا الزقطانية تحاكي الكوميديا الالهية وهي شعر ملحمي ألفه الايطالي  دانتي أليغييري ويقع في 100 مقطع ومن 14233 بيتًا شعريًا وهي رحلة خيالية قام به دانتي في الممالك الثلاث "الجحيم والمطهر والجنة" وبحسب أحداث الملحمة استغرقت أسبوع؛ يومان في الجحيم، وأربعة في المطهر، ويوم في الجنة.
ما زلنا في أيام الجحيم إزاء موضوع الضمان ومرده إستمرار حالة العناد، فمتى ننتقل الى أيام "المطهر" الأربعة لنصل الى اليوم الواحد في الجنة.
لقد زقطتها أيها الزقطان .. إنها عناد الحكومة ...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير