أم ناصر.. جبل شامخ في جوفه مغارة ذكريات ونتوءات فقد

15.12.2018 12:22 PM

رام الله- وطن- رولا حسنين: أحاول النظر في قسمات وجهها، ولكن الكلمات لا تسعفني في التعبير عنه، حتى في حديثها، خلف جدران الحروف تقف مشاعر لا يمكن وصفها، وخلف تجاعيد الزمان الذي خطّ نتوءات الفقد في وجهها تقف المشاعر حيرى، مما خُلقت هذه السيدة، مما؟ والدة الأسرى والشهيد أم ناصر أبو حميد.

دعيني أيتها الفاضلة، يا أمنا جميعاً ألا أتنمق في الكلام، وألا أسطر كلمات التضحية والفداء، فأنتِ معلمتنا في الفعل لا القول، أنتِ أسطورة تشابهتِ مع خنساوات فلسطينيات أخريات كنتِ في مقدمة التضحية، وأي تضحية هي التي تجعل أم تحتمل عذابات فقد أحد أبنائها شهيداً، والبقية أسرى محكومين بالمؤبدات في سجون الاحتلال، يضاف الى هذا الفقد، وجع هدم منزلها أكثر من مرة.

بدأت حكاية عائلة أبو حميد باستشهاد نجلها عبد المنعم الذي استشهد عام 1994 بعد عملية مطاردة طويلة وذلك برفقة الشهيد زهير فراح، بتهمة حب الوطن ومقاومة الاحتلال في سبيل الحرية بعد أن نفذ عملية اطلاق نار على لضابط الاحتلال في جهاز الشاباك نوعام كوهين وقتله من مسافة صفر، ليلحق به في درب النضال أشقاؤه الستة، وهم ناصر والمعتقل عام 2002 ومحكوم بالسجن المؤبد 7 مرات و50 عاماً، ونصر المعتقل عام 2002 ومحكوم بالسجن المؤبد 5 مرات، وشريف المعتقل عام 2002 ومحكوم بالسجن المؤبد 4 مرات، ومحمد المعتقل عام 2002 ومحكوم بالمؤبد مرتين و30 عاما، وجهاد الذي يقبع تحت مقصلة الاعتقال الاداري المتجدد، وآخرهم إسلام المعتقل في أيار الماضي والذي ينتظر حكماً يصل إلى المؤبد بعد قتله أحد عناصر قوات الاحتلال الخاصة التي اقتمت مخيم الأمعري بعد القائه قطعة "شايش" عليه أودت بحياته.

وهُدم منزل عائلة أبو حميد 3 مرات، حيث كان الاحتلال يلجأ الى سياسة العقاب الجماعي، والانتقام من الشجر والحجر لقاء كل عملية فدائية ينفذها الفلسطينيون، وما زالت هذه السياسة القائمة لدى جيش الاحتلال، حيث فجّروا منزل عائلة ابو حميد المكون من أربعة طوابق فجر اليوم السبت، رداً على قتل اسلام أحد أفراد الوحدة الخاصة في أيار المنصرم.

أم ناصر التي يخلو بيتها من أبنائها الرجال وكذلك يعتقل الاحتلال إحدى أحفادها في سجونه، تقف كجبل شامخ في وجه الاحتلال، وما زالت تردد أن الوطن المحتل فلسطين يحتاج الى تضحية بفاتورة مرتفعة من أجل حريته من الاحتلال، وما زالت تحمل صورة أبنائها الأسرى على أمل أن يتحرروا يوماً.

ولكن خلف كل هذه الأوجاع، هناك نتوءات فقد تداري فيها أم ناصر دمعها كل ليلة، وهي تنظر الى بيتها الخالي من أعمدته، وهي تنظر الى أحفادها الذين يعيشون مرارة الحرمان من آبائهم الأسرى، خلف هذه القوة لا بد من جراح تنهش قلب أم ناصر، فلا يمكن القول بأنها جبل شامخ فقط، إنما هي جبل في جوفه مغارة تخبئ آلاف الذكريات التي تبكيها وتصرّ على البوح كل ليلة وكل مناسبة.

تصميم وتطوير