خالد بطراوي يكتب لـوطن: نعم لتطبيق الضمان

17.12.2018 08:03 AM

سيفرح رفيقي القائد السياسي ويقول "أخيرا .. إقتنع البطراوي بالحاجة لتطبيق قانون الضمان الإجتماعي" وربما قد يفكر بنشر مقالتي هذه هنا وهناك داعماً بذلك حجته بأنه تمكن من إقناعي وعملا بمقولة "أو أن يكتفي بالعنوان "نعم لتطبيق الضمان" إستحضارا لمقولة " ولا تقربوا الصلاة".

وفي ذات الوقت سيقول رفيق لي وصفني ذات يوم  بأنني "غير سوى" أن أكبر برهان على عدم إتزاني الذهني هو أنني الأسبوع المنصرم كتبت مقالة ضد قانون الضمان الاجتماعي وها انا ذا أكتب مقالة مع الاضمان الاجتماعي، وذلك خير دليل على عدم إتزاني.

كتبت عنوان مقالتي بتلك العبارة الملفته للقارىء... كي يصار الى قراءتها وربما قد يتساءل البعض بالقول  "شو عدا ما بدا" أو "خير يا طير" أو "حكى بدري وشرح لي صدري".

هتفت الجماهير قبل أيام بالقول "والضمان ليش .. ليش .. وإحنا تحت رصاص الجيش " وأردفت بالقول " والضمان ليش ... ليش .. لسه إمبارح كان الجيش" في إشارة لدخول جيش الاحتلال مدينة رام الله ووصوله الى منزل فخامة الرئيس الفلسطيني والى وزارة المالية.

تلك الحناجر التي هتفت عند ميدان محمود درويش في مدينة رام الله بهذه الهتافات توجهت في ذات الليلة وفي الايام التالية نحو نقاط التماس مع جيش الاحتلال للاصطدام معها وتأخير توغلها في المناطق التي من المفترض أنها تقع تحت السيطرة الكلية الفلسطينية.

تلك الحناجر تحولت من الطبقي فورا الى الوطني، كانت تردد هتافات تتعلق بصراع طبقي ومطالب جماهيرية من السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن دون تردد ومن دون حتى "تحميل جميلة" توقفت فورا على ترديد هذه الهتافات وجمدتها، لتتصدى للاحتلال بكل السبل المتاحة فتحول حراكها  من طبقي الى وطني، لا يلزمها تحليلات من السياسيين ولا تنظيرات أو " تفصيعات" هذا وذاك. تلك هي جدلية العلاقة في الميدان بين الطبقي والوطني.

طبقت أيها لأحبة هذه الجماهير الضمان الذي أؤيده وأشارك به وأطبقه، ولكن ... أي ضمان نقصد ... إنه الضمان المقاوم ... فما ان إشتد الحصار على مدينتي رام الله والبيرة حتى ضمن سكانها وسكان المدن والقرى المحيطة شبكة الأمان لكل من تقطعت به سبل الوصول الى مدينته أو قريته أو مخيمه. قلت "ضمن" وليس " تضامن" وشتان بين المفهومين.

اولى تلك الخطوات تمثلت بتشكيل عطوفة محافظ رام الله والبيره واللواء الدكتورة ليلى غنام غرفة عمليات لتنسيق الجهود لإحتضان من سيبيت في مدينتي رام الله والبيرة من غير قاطنيها، مئات الاعلانات المؤثرة على شبكات التواصل الاجتماعي التي يفتح أصحابها منازلهم لكل من تقطعت بهم الطرق للمبيت والاقامة، رئيس وبعض أعضاء مجلس قروي كفرعقب ينزلون الى الميدان لتنظيم حركة السير جراء حالة الاكتظاظ المروري، بلدية سنجل ومواطنيها تفتح أبوابها ومنازلها  للعالقين على الطرقات، مطاعم شعبية تعلن عن إستقبالها مجانا لكل شخص عالق على الطرقات ربما هذا الشخص أيها الاحبة لا يملك سوى أجرة الطريق، سائقو السيارات الخاصة والعمومية يتطوعون لنقل العالقين في سياراتهم مجانا أو دون تكاليف إضافية. وماذا أيضا .. أهالي قرى محافظة رام الله والبيرة ينظمون حركة السير على الشوارع الالتفافية ويحذرون المواطنين، شباب وشابات يقفون على الطرقات يوزعون الماء والتمر ... أهالي حواره يتصدون للمستوطنين وأهلنا في الخليل يعلنون أنهم جاهزون لتركيب زجاج سيارات مجانا لكل من تعرضت سيارته لكسر زجاج على أيدي المستوطنين.

وفي الجانب الأخر الميداني توجه مئات المواطنين الى بيوت الشهداء للوقوف معهم وأيضا لبذل كل الجهود للتقليل من خسائر هذه العائلات فيما لو حضر الاحتلال لهدم المنازل وذلك من خلال نقل الأثاث وبالتأكيد سيتم تأمين هذه العائلات في منازل بديلة لحين بناء منازل أخر لهم، وفي مخيم الأمعري حيث جرى هدم منزل عائلة " أبو حميد" ... العائلة المناضلة رأينا بامهات أعيننا مرابطة الشباب على إمتداد الأيام الماضية.

قطاع غزّة الذي يعاني ويعاني ... يرسل إشارات تضامن لدرجة أن إحداهن كتبت تقول " عندما كنا نتعرض للقصف لم أكن أشعر بكيف هو إحساسكم تجاهنا .. الآن وأنتم في هذه الظروف الصعبة وكيف أحس هذه اللحظة، فهمت إحساسكم آنذاك .. هو ذات إحساسي الان".

إذا ... أيها الأحبة .. نعم لتطبيق الضمان .. هذا هو الضمان الذي نريد ... نحن .. أبناء الشعب الفلسطيني نضمن لك العزة والكرامة ... نضمن لك المأكل والمشرب عند الشدائد ، نضمن لك المبيت عندما تتقطع بك الطرقات، نضمن لك أن نكون أنت  في الشدائد، نضمن لك كل ما بإمكاننا تقديمه طالما أنك تقف بوجه الاحتلال.

إن كان قانون الضمان الاجتماعي سيخصم من قوت العامل وعائلته مبلغا شهريا من المال وقد تصدى لذلك الجميع، فإن هذا العامل قد أنفق في يومين ما يفوق هذا الخصم بكثير في إحتضان أبناء شعبه، إذ أن جوهر الموضوع ليس ماديا بحتا فحسب بل أيضا مغمسا بالعزة والكرامة طالما أن المعادلة هي معادلة التصدي للاحتلال عندها ترخص النفس وترخص الممتلكات وترخص الأموال، فالضمان الذي نريد هو الضمان المقاوم.

والضمان ليش .. ليش ... لسه إمبارح كان الجيش ... والضمان ليش ...  ليش .. وإحنا تحت رصاص الجيش؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير