2018.. هل يمكن للفلسطينيين أن ينسوا هذا العام؟

31.12.2018 10:51 PM

ترجمة خاصة- وطن: كتب كامل حواش

كانت سنة 2018 واحدة من أسوأ السنوات بالنسبة للقضية الفلسطينية، والتي تعرضت لانتكاسات خطيرة خلال سعيها من أجل السلام والاستقلال. على الرغم من أن التوقعات لعام 2019 هي نفسها، لكن القدرة على الصمود في مواجهة الشدائد وروح الأمل في فلسطين لا يتزعزعان.

من المرجح أن يذكر عام 2018 كأحد أسوأ السنوات بالنسبة للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للتفاؤل والتي يحتاج الفلسطينيون للارتكاز عليها إذا أرادوا أن يحولوا مسار الانتصارات الإسرائيلية لمصلحتهم. لا شك بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثر بشكل كبير في هذه الانتكاسات، لكن صمود الشعب الفلسطيني كان هو السبب الأهم لبقاء هذا الأمل.

بدأ عام 2018 مع الفلسطينيين بقرار ترامب في نهاية عام 2017 للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة في وقت ما في المستقبل. واعتقد الفلسطينيين أن التأخير لن يمنحهم فقط مساحة لالتقاط الأنفاس من أجل جمع الدعم ضد القرار، بل قد يتم أيضاً دفعه بعيداً،  لكن هذا المرة أخطأت حساباتهم.

ما دفع بترامب بهذا القرار هو مجموعة من المستشارين والذي يعتبر دعمهم لإسرائيل وازدراءهم للفلسطينيين قوياً بنفس القدر، والذين سرعان ما تم تعيينهم في هذه المهمة ليقوموا بنقل السفارة في وقت قياسي. وكانت رغبتهم في إذلال الفلسطينيين واضحة عندما تم اتخاذ الخطوة في يوم استقلال إسرائيل وتزامناً مع الاحتفالات الفلسطينية بالذكرى الـ71 للنكبة. وبينما قادت إيفانكا ترامب الاحتفالات في القدس، قام قناصة إسرائيليون بإطلاق النار على أكثر من 60 فلسطينياً كانوا يحتجون بشكل سلمي على السياج الذي يفصل غزة عن بقية فلسطين التاريخية.

وقد أدان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وتحريك السفارة، على الرغم من التهديدات التي وجهتها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، إلى الدول التي صوتت ضد الولايات المتحدة.

وقد استمر فريق ترامب بالوعود بأنهم سيكشفون عن "الصفقة النهائية" للسلام بينما يقومون على إنهاء صياغة عناصرها الرئيسية قبل الإعلان عنها. وكان هدفهم التالي هو قضية اللاجئين الفلسطينيين. حيث كان هدف هجومهم على هذه القضية الأساسية متمثل في شقين، أولاً لإعادة تعريف من ينطبق عليهم هذا التصنيف كلاجئين، وثانياً لإضعاف وكالة الأمم المتحدة – الأونروا وحتى إغلاقها، والتي تقدم خدمات حيوية لما يقارب من خمسة ملايين لاجئ في خمسة مواقع داخل فلسطين التاريخية وفي البلدان العربية المجاورة. إضافة إلى أن محاولات الضغط على الأردن ولبنان لإعادة تحديد المؤهلين للحصول على الجنسية الكاملة  قد فشلت.

اعتقدت الولايات المتحدة أنه من خلال سحب التمويل من الأونروا، فإن الوكالة ستنهار. حيث أنهت أمريكا كل التمويل للأونروا بحلول شهر اَب لعام 2018، مما أجبر الوكالة على إعادة تقييم ما إذا كان بإمكانها الاستمرار في تقديم الخدمات، وخاصة التعليم. في المقابل، كان هناك تمويل إضافي من المانحين الحاليين وتم تطوير مصادر جديدة للأونروا في العام القادم. ومع ذلك، سيكون العام المقبل صعباً للغاية من أجل ضمان استمرار الأونروا في تقديم الخدمات للاجئين المستضعفين إلى حين إيجاد حل عادل لهذا المأزق.

أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة بناء المستوطنات غير القانونية وتوسيع المستوطنات القائمة. كما ادعى السفير الأمريكي ديفيد فريدمان أنه لا يوجد في الواقع أي احتلال. وقد تبعت دعواته لوزارة الخارجية الأمريكية بالتوقف عن استخدام هذا المصطلح وإسقاطة من التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن الإدارة.

وفي عام 2018 تحت ضغط من الإدارة الأمريكية، شهد الفلسطينيون تغيراً ملحوظاً في الدعم الثابت الذي قدمته الدول العربية لقضيتهم. وقد قوبل تحرك السفارة الأمريكية ببعض الاحتجاجات من نظرائهم من الشعوب العربية، لكن الأنظمة العربية كانت صامتة إلى حد كبير أو حتى غير متأسفة عما حدث. حتى وزير الخارجية البحريني لم ير أي مشكلة في نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى غرب القدس.

تم استدعاء الرئيس محمود عباس إلى الرياض للضغط عليه لقبول صفقة ترامب عندما انتشرت. ومؤخراً، شهد عام 2018 خطوات سريعة نحو التطبيع بين إسرائيل وعدد من دول الخليج، وكان أهمها زيارة رسمية من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى سلطنة عُمان، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين. وشهدت الفترة نفسها زيارات لمسؤولين إسرائيليين آخرين إلى عُمان والإمارات العربية المتحدة وكذلك فرق رياضية إسرائيلية في زيارات إلى الإمارات العربية المتحدة، ورفع قطر للعلم الإسرائيلي وعرض النشيد الوطني. ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن دعم ولي العهد السعودي بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول جاء من "تل أبيب" وبنيامين نتنياهو.

وفي شهر تموز، أقرت إسرائيل قانون دولة القومية  الذي اعتبره الكثيرون إعلان إسرائيل رسمياً كدولة فصل عنصري. وقد منح القانون الحق في تقرير المصير في إسرائيل فقط لليهود. وأنزل درجة اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة ذات وضع خاص وأعلن أن المستوطنات ذات "قيمة وطنية". كما أعلن أن أي يهودي من أي مكان له الحق في "العودة" إلى إسرائيل، بينما ينكر هذا الحق على اللاجئين الفلسطينيين.

واستمرت عمليات توسيع بناء المستوطنات الإسرائيلية وعمليات هدم المنازل وطرد العائلات الفلسطينية من منازلهم في القدس دون هوادة. ونجح المجتمع البدوي في الخان الأحمر في الصمود بوجه عمليات الإخلاء في عام 2018، لكن إسرائيل لديها وجهة نظرها حول هذه الأرض وستواصل العمل على الطرد والهدم.

وخلال هذا العام، كان الحديث عن ضم الضفة الغربية ودعوة الولايات المتحدة إلى الاعتراف بضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وشهد العام أيضاً تصاعداً في اقتحام المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى، وغالباً ما كان يصحبه مشرعون قانونيون إسرائيليون تحت حماية من قوات الجيش الاسرائيلي. لقد استمر الوضع الراهن في الضفة الغربية مع إدارة إسرائيلية متطرفة تم تشجيعها بدعم غير محدود من الإدارة الأمريكية وعالم صامت.

كما استمر الانقسام بين حماس وفتح رغم محاولات المصالحة المتعددة. وشهد عام 2018 فرض السلطة الفلسطينية عقوباتها على غزة في محاولة للضغط على حماس للتخلي عن السلطة. وشهد أيضاً محاولات الرئيس عباس لترسيخ سيطرته على المؤسسات الفلسطينية. فقام بأعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني ونقل صلاحياته إلى المجلس الوطني الفلسطيني الأصغر وحلّ المجلس التشريعي الفلسطيني. وقد أدانت الفصائل المختلفة هذه المزيج من هذه الأفعال على نطاق واسع، بما في ذلك الفصائل الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي رفض العديد منها المشاركة في الاجتماعات التي عقدت في عام 2018.

لم يتم تنفيذ القرارات الرئيسية التي اتخذتها اللجنة الوطنية الفلسطينية وحزب المؤتمر الشعبي الفلسطيني، بما في ذلك إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإعلان أن اتفاقات أوسلو باطلة ولاغية وسحب الاعتراف بإسرائيل. وفي الوقت الذي سحب فيه الأميركيون مؤخراً تمويلاً من السلطة الفلسطينية، استمروا في تمويل الأجهزة الأمنية الفلسطينية وهذا لأنها تلبي مصلحة إسرائيلية.

لقد نبع الأمل عام 2018 من الشعب الفلسطيني نفسه. فبدأت مسيرة العودة العظيمة، التي نظمها المجتمع المدني وبدعم من جميع الفصائل، أول احتجاج لها على السياج الفاصل مع إسرائيل في غزة في 30 اَذار، وتجاوزت أسبوعها الأربعين من الاحتجاجات. وتم دفع ثمن باهظ مع ما يقرب من 200 حالة وفاة وآلاف الجرحى. وشملت الإصابات نساء وأطفال واستهداف واضخ للمسعفين والصحفيين. حيث يقوم قناصو إسرائيل المدربون تدريباً عالياً بالاستهداف عمداً وعن بعد مئات الأمتار أحياناً. ورد الفلسطينيون بطائرات ورقية مشتعله، أطلقوها من أجل عبور السياج، مما تسبب في أضرار بالمحاصيل على الجانب الآخر بشكل أكبر نسبياً.

إن أسماء الشهداء رزان نجار وياسر مرتجى في غزة وانضمت إليهم الأيقونة الفلسطينية الجديدة عهد التميمي من قرية النبي صالح، يُعد كتذكير بالمقاومة والصمود الفلسطيني. وقد اشتهرت عهد بصفعها لجندي الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتدى على ممتلكاتها، والإصابات التي تعرض لها ابن عمها بعد ساعات فقط على أيدي الجنود الإسرائيليين، لتمضي جراءها في السجون الإسرائيلية ثماني أشهر لكنها خرجت وهي مصممة  على مواصلة الكفاح من أجل التحرر.

لا يزال صمود الفلسطينيين مصدر إلهام لمؤيدي العدالة في جميع أنحاء العالم وتقديم ما بوسعهم للمساعدة، الذين يرون أن حكوماتهم تدعم قيام دولة قمعية احتلال تختبئ تحت شعار الديمقراطية. ويعتبر السلاح الرئيسي المفضل لهؤلاء المؤيدين هو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي قادت إسرائيل إلى الجنون، لتقوم اسرائيل بتخصيص وزارة وملايين من الشيقلات لمحاربتها. وكان آخر فوز حققته الحركة هو سحب بنك HSBC استثماراته كاملة من كبرى شركات الأسلحة الإسرائيلية "إلبيت"، وهو قرار من شأنه أن يبعث بموجات صدمة لإسرائيل وخاصة حول صناعة الأسلحة الخاصة بها.

إنه مزيج من الصمود والتضامن مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، والذين أبدوا الأمل على الرغم من الوضع البائس الذي واجههم في عام 2018، وخاصة أن الاحتلال والقمع الإسرائيليين يمكن أن يزداد بسرعة في عام 2019.

لقد عكست الصورة الرمزية للمتظاهر الفلسطيني عايد أبو عمرو صمود الشعب الفلسطيني، وقد اعتبرت هذه الصورة من بين أفضل 20 صورة في صحيفة الغارديان لعام 2018.

(المصدر TRT World - ترجمة الاء راضي)

تصميم وتطوير