لماذا تدعم رشيدة طليب المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل؟

04.01.2019 06:57 PM

كتب علي ابو نعمة - ترجمة خاصة وطن للانباء:  كان هناك شعور بالبهجة حول الفوز في انتخابات ولاية ميشيغان يوم الثلاثاء والذي يجعل رشيدة طليب الفلسطينية الأمريكية أول امرأة مسلمة تدخل الكونغرس، في حال فوزها كما هو متوقع على نطاق واسع في الانتخابات العامة في تشرين الثاني.

وقالت اللجنة الأمريكية - العربية لمكافحة التمييز في رسالة تهنئ السيدة طليب: "بصفتها طفلة من المهاجرين وعربية، تعي طليب تماماً القضايا التي تؤثر على مجتمعنا. ومن خلال عملها في الكونغرس، نعلم أنها ستظل مناصرة قوية للمجتمع ونتطلع إلى العمل معها".

لقد كانت تلك المشاعر مشتركة على نطاق واسع ومدعومة بافتراض مفاده أنه نظراً لكونها أمريكية فلسطينية، يمكن الاعتماد على طليب لتكون صوتاً قوياً يدافع عن حقوق الفلسطينيين.

لكن التجربة السياسية الصعبة تخبرنا بخلاف ذلك، وقد حان الوقت للنظر في علاقة طليب المقلقة مع منظمة رائدة مؤيدة لإسرائيل.

تخفيف حدة الإثارة

تُذكّرني حالة الابتهاج التي أحاطت بالسيدة طليب بمشاعر الإثارة والبهجة التي سادت عندما تم انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

وافترض الناس أنه على الرغم من مواقفه السياسية الحذرة بل وحتى الرجعية، فإن هويته كرجل أسود وابن لأب مهاجر كيني وتاريخه كمنظم اجتماعي في شيكاغو سوف يؤثر ذلك على سياساته بطريقة ما.
وقد توقع الكثيرون أنه بعد انتهاء الحملة، سيخرج أوباما الحقيقي التقدمي في البيت الأبيض، الذي كان غائباً في الحملة الانتخابية، ليحقق كل تخيلات مؤيديه.

ليست هناك حاجة لإعادة سرد التفاصيل كيف أصبح أوباما " رئيس الترحيل" وأحد حلفاء مؤتمر وول ستريت. وعلى الرغم من حصوله على جائزة نوبل للسلام وكونه عسكري متحمس، أسقطت إدارته أكثر من 26 ألف قنبلة في دول حول العالم في العام الاخير من توليه الرئاسة.

وعندما وصل الأمر إلى فلسطين، كان أوباما واضحاً خلال الحملة: فقد كان مؤيداً لإسرائيل بشدة، وهذا بالطبع ما سيقوم عليه حكمه.
وقد أبقى اوباما على وعده، بدءاً من فشله في إدانة عملية إسرائيلية في "الرصاص المصبوب" على غزة قبيل رئاسته، إلى قرار إدارته بإعادة تزويد إسرائيل بالقنابل خلال مذبحة صيف عام 2014 في غزة والتي وصلت إلى معدل قنبلة لواحد من كل ألف فلسطيني في غزة.

وبالطبع أنهى فترة ولايته بمنح إسرائيل حزمة من المساعدات العسكرية بقيمة 38 مليار دولار، وهي الأكبر في التاريخ.

حاولت أن أحذر الناس في مقالتي التي نشرتها في مارس 2007، "كيف تعلم باراك أوباما أن يحب إسرائيل" ، لكن خبرتي حول هذا الموضوع هي أن الناس عموماً لم يرغبوا في سماعها، وكثيراً ما اتهمت بالرغبة في تخفيف إثارة الحدث.

رغم أنني أجازف في سماع نفس الشيء الآن، فأنا لا أرغب في التغاضي عن الآراء السياسية المزعجة حول المرشحة لمجرد كونها أمريكية فلسطينية.

دعم طليب من قبل منظمة جي ستريت

رشيدة طليب مؤيدة ومدعومة من جماعة اللوبي الصهيوني الليبرالي الإسرائيلي "جي ستريت" من خلال لجنة العمل السياسي "جي ستريت باك".

وتفتخر هذه اللجنة  "بتوزيع مبلغاً قياسياً قدره 3.6 مليون دولار إلى 124 مرشحاً معتمداً للكونغرس خلال الدورة الانتخابية عام 2016، مما جعلها أكبر لجنه مساند لإسرائيل للدورة الانتخابية الخامسة".

وفي صفحتها التي تشجع على التبرعات لدعم حملة طليب، تقول هذه اللجنة "عندما يتعلق الأمر بعملية السلام، تؤمن طليب أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك مباشرة في المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين.بالإضافة إلى ذلك، فهي تدعم جميع المساعدات الحالية لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، خاصة لتمويل المبادرات التي" تعزز السلام، فضلاً عن الخدمات الاقتصادية والإنسانية".

وهذا يعني أنه على الرغم من تأكيدها على المساعدات "الإنسانية" ، فإن طليب تدعم جميع المساعدات العسكرية الأمريكية الحالية لإسرائيل، بما في ذلك دعم أوباما القياسي من نوعه.

وهذه المساعدات هي التي تديم احتلال إسرائيل العسكري واستعماره وتنبذ آفاق لإحداث أي نوع من النتائج السلمية والعادلة.

وهذا يعني أن طليب تدعم التمويل الأمريكي أو تزويده بطلقات الرصاص التي تستخدمها إسرائيل لقتل وإصابة الآلاف من الفلسطينيين خلال احتجاجات مسيرة العودة العظيمة في غزة.

وهذا يعني أيضاً أن طليب في الواقع تدعم الولايات المتحدة في تزويد الطائرات الحربية والقنابل التي استخدمتها إسرائيل ليلة الأربعاء عندما قُتلت إيناس محمد خماش، البالغة من العمر 23 عاماً، في غارة جوية على وسط غزة مع ابنتها الصغيرة بيان.

فحص دقيق
شكك البعض فيما إذا كانت منظمة "جي ستريت"  تعكس آراء طليب بدقة.

ولكن ما لم تنبذ المرشحة بوضوح تلك المواقف، يجب أن نقبلها على أنها ارائها الواقعية.

لا تؤيد "جي ستريت" المرشحين، فهي تعطيهم النقود حتى من دون فحص مسبق دقيق.

وفي الواقع، وضحت "جي ستريت" ما يلي:

"لكي تكون مؤهلاً للحصول على تأييد منظمة "جي ستريت"، يجب على المرشح السياسي أن يثبت أنه يدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والقيادة الأمريكية النشطة للمساعدة في إنهاء النزاع، والعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، واستمرار المساعدات إلى السلطة الفلسطينية ومعارضة حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات."
وتضيف "في تقييم المرشحين لاعتمادهم، نجري مقابلات مع المرشحين وخصومهم حول وجهات نظرهم حول القضايا المتعلقة بالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والشرق الأوسط" .

من ناحية أخرى، يبدو أن "جي ستريت باك" لا تطلب أن يدعم المرشحون بشكل صريح "جميع المساعدات الحالية المقدمة لإسرائيل" ، مما يوحي بأن طليب تتخذ موقفاً أكثر تأييداً لإسرائيل مما هو مطلوب منها.
وفي خطابها الانتخابي، تعهدت طليب "بمقاومة كل كيان قمعي عنصري والذي يجب تفكيكه". ونظراً لتأييدها من قبل "جي ستريت"، من العدل التساؤل عما إذا كان ذلك يشمل كيان إسرائيل العنصري والقمعي المدعوم من خلال المساعدات الأمريكية.

ضد حقوق الفلسطينيين

ووفقاً لعمليات الايداع التي تمت في 15 تموز من لجنة الانتخابات الفيدرالية في منظمة "جي ستريت باك"، تلقت لجنة رشيدة طليب 3000 دولار في هذه الدورة الانتخابية.

صحيح أن هذا جزء صغير بالنسبة لأكثر من مليون دولار كانت قد جمعته، ولكنه سعر منخفض أيضاً لربط نفسك بمنظمة ذات وجهات نظر واضحة معادية للفلسطينيين، وربما قد يكون مجرد دفعة أولى.

إن أحد المبادئ الرئيسية لموقف "جي ستريت" هو رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين لمجرد أنهم ليسوا يهوديين وبالتالي يشكلون "تهديداً ديموغرافياً" لإسرائيل.

حتى أن "جى ستريت" ترفض الزعم العنصري بأن الفلسطينيين "سيغرقون إسرائيل باللاجئين ويقوضونها كوطن للشعب اليهودى."
لم تذكر طليب الكثير عن فلسطين أثناء الحملة، ولكن عندما تحدثت عنها لم تكن مريحه في حديثها.

وقالت طليب لصحيفة واشنطن بوست: "نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين بشأن الأعمال ضد الإنسانية من الجانبين، وبصراحة والأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى عدم اختيار جانب واحد".

هل طليب جادة في أن نكون محايدين وليس "اختيار جانب" عندما يتعلق الأمر بالاحتلال العسكري الوحشي لإسرائيل والاستعمار والفصل العنصري في وطن والديها؟

فإذا كانت تتعامل مع الفكر الصهيوني على مبدأ"كلا الجانبين" الآن، لتربط المحتل الاستعماري مع ضحاياه بشكل خاطىء، هل يتوقع أحد أن تكون أكثر شجاعة عندما تكون في الكونغرس وهي تجمع المال لإعادة انتخابها؟

منظمة الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا

من الملفت للنظر أن طليب، الأمريكية من أصل فلسطيني، تقبل تأييد "جي ستريت" وسياساتها وأموالها، وهذا يحذر أكثر من موقف السناتور التقدمي بيرني ساندرز.

ساندرز على الرغم من سجله الطويل في دعم إسرائيل، فقد دعا مراراً وتكراراً إلى قطع المساعدات العسكرية لإسرائيل.

علاوة على ذلك، من الملاحظ أن طليب، مثل اليكساندر أوكاسيو كورتيز، هي عضو في منظمة الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا.
وقد أيدت منظمة الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

ومع ذلك، فإن منظمة الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا لم تطالب المرشحين بأي نوع من الانضباط للعمل في مثل هذه القضية الأساسية والذين يضع أعضاؤها الوقت والجهد في دعمها.

تسببت مشاركة أوكاسيو كورتيز في إثارة مشاعر من الابتهاج عندما فازت بترشيح الحزب الديمقراطي لمقعد في الكونغرس الأمريكي في مدينة نيويورك الشهر الماضي.

ومثل طليب، من المتوقع أن تفوز أوكاسيو كورتيز في الانتخابات العامة.

إن ما جعل فوز أوكاسيو كورتيز الأساسي أكثر استثنائية هو أنه جاء بعد أن انتقدت بشدة "مذبحة" إسرائيل للفلسطينيين في غزة.
ولكن منذ فوزها، تراجعت اكاسيو كورتيز عن دعم الفلسطينيين.

والآن، يطلب الأعضاء والجماعات في منظمة الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا من أوكاسيو كورتيز ومن اللجنة الانتخابية الوطنية التابعة للمنظمة في رسالة مفتوحة لدعم حقوق الفلسطينيين بشكل كامل، تماشياً مع قرار المنظمة.

وجاء في الرسالة: "إن احتلال فلسطين قضية معقدة من عدة جوانب. ومع ذلك، بعض الأشياء هي واضحة للعيان، نحن دائما جنباً إلى جنب مع المظلومين. نعارض دائما الاستعمار الاستيطاني. لا نراوغ أو نلعب دور الشيطان في الدفاع عن الفصل العنصري".

هم على حق في مساءلة طليب، ومن السذاجة الاعتقاد أنه لمجرد أن المرشح "يأتي من مجتمعنا" أو "يشبهنا" فإنه من الضروري أن "يدافع عنا".

إن قاعدة الحزب الديمقراطي آخذة في التغير، وتصبح داعمة بشكل حاسم للحقوق الفلسطينية بفضل العمل الجماهيري لكثير من أولئك الذين يحتفلون الآن بفوز طليب.
ولكن إذا كان الناس لا يطالبون بأن يعكس الساسة بوضوح هذه التغييرات في سياساتهم وأفعالهم الآن، فمتى سيحدث ذلك؟ خلال  10 أم 20 أم 50 سنة؟ ماذا سيتبقى من فلسطين في ذلك الوقت؟

لا تعمل مجموعة اللوبي الإسرائيلية "جي ستريت" بناء على المعتقدات. بل قامت بالعمل الشاق لتأمين التزامات سياسية حازمة من رشيدة طليب مقابل دعمها. إنها صفقة سياسية واضحة.

لكن ما هي الالتزامات التي قدمتها كل المجموعات الأمريكية العربية والأمريكية المسلمة والفلسطينية التي تهنئها؟

من المؤكد أن معارضة المساعدات العسكرية لإسرائيل ودعم حق الشعب الفلسطيني في النضال السلمي من خلال المقاطعة  وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، هي من أقل المواقف التي يجب أن يطالب بها المرشحون مثل رشيدة طليب.

أولئك الذين يرغبون بتخطي الأحداث التي قد تبدو مبهجة وخيبة الأمل التي جسدها أوباما يحتاجون إلى تعلم الدروس ومحاسبة السياسيين قبل أن يفوت الأوان.

المصدر The Electronic Intifada / ترجمة الاء راضي

تصميم وتطوير