رامي ليفي.. وتسريب العقارات وجهان لخيانة واحدة

08.01.2019 10:19 PM

كتبت: نادية حرحش

غزت صورة لمتبضعين من متجر رامي ليفي المواقع الاجتماعية منذ صباح الأمس. قد يظنها الانسان "العالمي الجديد" أنها غزوة من غزوات التسوق كما في "البلاك فرائدي" (الجمعة السوداء)، أو يوم مفتوح للتنزيلات العارمة. الا ان الحقيقة المؤلمة انه كان مجرد افتتاح لفرع جديد لسلسلة متاجر رامي ليفي، الذي تحمل علامته التجارية شعار " صنع بالمستوطنات" بفخر كبير. لهذا، تشكل بضائع رامي ليفي تحديا للسوق الإسرائيلي بشكل عام، لأنها تصنع بالمستوطنات، وبالتالي فقيمتها أقل. وتشكل أزمة للإسرائيلي الذي يرفض التعامل مع المستوطنات، ولهذا لا يعتبر المتجر محبذا للإسرائيلي الليبرالي الجديد.

من الصحيح، ان البضائع الإسرائيلية تملأ الأسواق، وقد تكون هي الوحيدة في حالات كثيرة جدا، خصوصا بالقدس والمدن الإسرائيلية الآهلة بالفلسطينيين. وقد يكون رواج البضائع الإسرائيلية بالسوق الفلسطيني بالعموم شر لا بد منه. ولكن هناك معايير مبدئية في التعامل مع الاحتلال في هذا الصدد، وتقع بضائع المستوطنات تحت الخطوط الحمراء العريضة هنا. لنقل، اننا على الأقل، نستطيع ان نقف موقفا جماعيا عالميا ضد بضائع المستوطنات. فمن المعيب أن تكون بضائع المستوطنات ممنوعة من رفوف المتاجر أنحاء العالم ومتداولة في البيوت الفلسطينية.

رامي ليفي نفسه، وجد من فكرة إقامة متجر في قلب الاحياء الفلسطينية في القدس وبداخل مستعمرة عطروت، مبني بلا شك على بعد تجاري. الرجل بالمحصلة ليس رجل سياسة. تاجر بقالة عادي تحول الى تاجر كبير من تداول مبدأ بيع رخيص بتبيع كثير. والفلسطيني بالنسبة له مستهلك أساسي، فمهما بعدت المتاجر عن الفلسطيني، كان الفلسطيني يصل إلى المتجر. ولربما، لخوفه على الإسرائيلي من التواجه مع الفلسطيني في احتكاكات غير ضرورية، كانت فكرة اغراق الفلسطيني المستهلك في متجره فكرة ذهبية. فلا داعي لسكان بيت حنينا وشعفاط وقلنديا والرام والشيخ جراح ووادي الجوز وكل من يحمل الهوية الزرقاء الذهاب الى متاجر أبعد، فرامي ليفي دخل إلى المعدات الجائعة النهمة!.

سيكون التبرير للذهاب الى المتجر للتسوق جاهز: “لينزل التجار الأسعار، فنشتري منهم." يعني أصبح التاجر الفلسطيني على امتداد شارع القدس رام الله متهم بغلو الأسعار، وبالتالي معرض لخسارات بالغة قادمة.

استغلال التجار وارتفاع الأسعار، ديباجة لا حق فيها ولا منطق. فالتاجر الفلسطيني متكهل كالمستهلك بأسعار عالية. وهنا رامي ليفي يصبح جزء من منظومة تسعى لتركع التاجر الفلسطيني وكسره.

الحقيقة انني لا أستطيع تقديم أي تبرير لهذا المشهد الذي تم تداوله الا بالمقولة التي تعدينا خشية صاحبها من حدوثها، فلقد صارت الخيانة وجهة النظر.

نعم ...هي خيانة.
خيانة جمعية تؤكد وجهة نظر العدو فينا وتمكنه منا وانتصاره الدائم علينا.

هل يختلف من يقوم بالتبضع من رامي ليفي وهو على علم ويقين انه سيؤثر بهذا على اقتصاد تجار اهل القدس من بقالات وسوبرماركت ومحلات جزارة وخضار وحتى الكترونيات وكهربائيات وملابس، لأنه سيوفر بضع شواكل، عن الذي يبيع عقارا في القدس للجهات الاستيطانية بحجة أنه يتلقى عرضا أفضل؟.

الفرق بين المتبضع من رامي ليفي وبين من يبيع عقارا في القدس هو فقط عدم وجود عقار للبيع لمن تسول له نفسه التغاضي عن الجريمة التي يرتكبها بحق شعبه. حتى انني أرى بمسرب العقار اقل جرما، لأن النفس الأمارة بالسوء والخاضعة للطمع في حالة تسريب العقار تسعى وراء عشرات الالاف او مئات الالاف او الملايين من الدولارات، بينما يسعى المتبضع وراء توفير عشرات الشواقل. فأي نفس تسكن في أجساد أبناء هذه المدينة المنكوبة تحت الاحتلال؟.

لا اعرف ان وصلنا الى مرحلة نعيش فيها بالفعل متلازمة ستوكهولم، التي يعشق فيها المضطهد مضطهده، فها نحن نستسيغ كل ما يأتينا من الاحتلال ونحلله.

من الطبيعي ان أبدو ساذجة، عندما أتساءل عن سبب سكوتنا عن كل ما يجري من مآسي تقع على رؤوسنا، فمؤسساتنا التعليمية تأسرلت بينما نتابع وكأن الامر عابر. عندما تركنا الطالب الفلسطيني يصبح رقما بمئات الشواقل الشهرية لدى المدارس، وتحولت المدارس طوعا لتكون تحت جناح المعارف الإسرائيلية، ونعترض فقط لما هو ظاهر لحفظ ماء الوجه.

عندما تسرب العقارات كما تتسرب المياه الضحلة الى البحيرة، ونشرب من ماء نجس وسخ، ويمشي المسرب بين الناس بلا عقاب ولا حساب. عندما تسرح السلطة متهما بالتسريب لأنه امريكي الجنسية، وعندما يترك اخر بلا حساب، كيف لي ان اعترض على مواطن عادي يريد ان يوفر بعض الشواقل بلا اهتمام بالمنفعة العامة؟.

عندما صار الفلسطيني يتباهى بجواز سفر إسرائيلي ويجلس على منابر العمل الوطني ويندد بالاحتلال تارة ويصدر صكوك الوطنية، بات من البديهي ان يذهب المواطن العادي لرامي ليفي للتبضع مناجل توفير بضع شواكل.

يتهمنا العرب اليوم بأننا ضيعنا فلسطين لأننا نحن من بعناها... فهل هذا الاتهام خاطئ؟
مع الأسف، لقد طالت الخيانة لتصبح وشما على الجباه. فلم يعد الخائن ذلك الذي يتجسس للعدو ولا ذلك الذي يتنازل للعدو ولا ذلك الذي يبيع للعدو فقط. كثر الخائنون ليصبحوا برمزية الصورة التي يتدفق المتبضعين منها لإشهار ولائهم لدولة الاحتلال.

ليس مبالغة هذا الاتهام... لأننا بهذا لا نختلف عن كل يد للاحتلال تحاول خنق هذه المدينة وسكانها. مع كل شيكل يذهب لرامي ليفي في هذا الموقع تحديدا، أنت تساهم بقطع الرزق عن متجر فلسطيني في القدس وأحيائها. أنت بهذا شريك للاحتلال بظلمه وسحقه لك ولي.
أنت بهذا خائن!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير