نادية حرحش تكتب لوطن: كاسك يا وطن.. من تحت الدلف لجيوب رامي ليفي

11.01.2019 02:47 PM


هناك أربعة مشاهد تتصدر الساحة الفلسطينية مع بداية هذا العام

-الحرب الكلامية يشتد وطيسها بين شطري الانقسام، و"إسرائيل" تقصف أو لا تقصف غزة، فشأن غزة متروك لأهلها، إلا عندما يتعلق الموضوع بمسيرة لفتح، قمع، فاعتقالات.

مسيرات بعشرات الآلاف في رام الله تنديدا ورفضا لقانون الضمان الاجتماعي، دون أن يسمعها أحد أو تهتم لها الحكومة. فلا حراك بالستر الصفراء او البرتقالية سيغير من موقف حكومة وجدت من معاشات المواطنين قطرات تحلب منها أموالا جديدة.

رامي ليفي، يفتتح متجرا في وسط أرض مغتصبة بالقدس ويتدافع المواطن المقدسي للتبضع، غير مبالٍ لكون المتجر ينتج ويبيع من بضائع المستوطنات ولا من كون وجود المتجر وسط مغتصبة في أحيائه.

فالمتجر يحقق ملايين الشواقل في الساعات الأولى من افتتاحه (على حسب المصدر الإسرائيلي)، ويتصدر المتسوقون الأخبار الإسرائيلية لهول الحدث حتى بالنسبة للاسرائيليين، والمدافعين والمهرولين في نفس صف التبرير، والمواطن مسكين والسلطة باعت البلد فلا تأتوا على المواطن الغلبان، وكأن التاجر الفلسطيني مراب يهودي من العصور الوسطى، يصبح المتهم بنفس القدر، ليغسل الخائن خطيئته بمبرر غلاء الأسعار.

من أين خرجت هذه الملايين بساعات من قبل هؤلاء المساكين المصطفين من أجل لقمة العيش الأرخص؟

-الدبابات الإسرائيلية تجوب شوارع رام الله، وكأن الأمر عادي منذ أكثر من أسبوع.، وتعيش رام الله يومها بشكل عادي، حيث الاعتقالات والاغلاقات ولا من كلمة تسمع من ذي سلطة ولا رجل أمن فلسطيني في الأفق.

من الطبيعي أن يتهجم المواطن الذي يعتبر نفسه عاديا وغير مسيس، يسعى للقمة العيش، أن العيش في سلطة كهذه لم تعد تعنيه، فالتبضع من المتاجر المبنية على المغتصبات والتي تصنع بالمغتصبات وتقطع أوصال الاقتصاد في المدينة لا تعنيه منها إلا توفير بعض القروش. فالسلطة باعتنا، فلماذا أهتم بتجار يأكلون الأخضر واليابس.

وبين تبريرات ولوم، نأتي إلى نهاية ما يمكن التعويل عليه من موضوع التوعية المجتمعية. فإذا ما وصلنا إلى هكذا مشهد محكم التنفيذ في تجسيد الإحتلال ولا يهتم المواطن إلا ببضع قروش يوفرها، فلم يعد هناك ما يمكن الحديث عنه.

إذا كنا وبعد أكثر من سبعة عقود على الاحتلال نحتاج لتوعية في بديهيات الحياة التي تحتاج إلى نسيج متكامل ليشكلها، فكل حامل لخيطه مقتنع أن ما يملكه هو كل ما يريد، ولم يبقى من هذا الوطن رقعة ننسج عليها، أو بالأحرى تركت الرقعة وتم التمسك بالخيطان.

"إسرائيل" تتحرك في رام الله وكأن الاحتلال الصوري الذي أقنعونا بالتخلص منه منذ أوسلو لم يعد مهما، كما المتبضع من رامي ليفي لا يأبه إلا بما يوفره من قروش ومن أكياس وفيرة يحملها إلى البيت. هكذا المواطن في شوارع رام الله، لا يعنيه من شأن الدبابة التي تجول الحي أو الشارع إلا عدم الدخول بمدرعاتها وعتادها إلى اجتياح لبيته، بمعنى أنه ما دامت الدبابة تفتش على آخر فليس مهما.

السلطة من جهتها، لا تصدر حتى بيانا لشجب اجتياحات مدينتها المحررة. وكأن الدبابة أمام المقاطعة أمر اعتيادي، لا يهمهم على ما يبدو كما المواطن المسكين، إلا إذا ما صوبت الفوهات تجاه قلاعها، فالقيادة غير موجودة لا تنديد ولا شجب.

لا نفهم متى تشتد ومتى تهدأ. تصريحات وإتهامات. وعيد ونفيخ وكأن كلا الفصيلين يحكمان على أراض بسلطة حقيقية. المجلس التشريعي المنحل. انتخابات مفترضة لم يعد أحد يتكلم عنها، وأقصى ما يؤرق الساحة الفلسطينية انتخابات الغرف التجارية. يا ترى هل للمرأة صوت فيها أم لا؟

الضمان الإجتماعي أهم في أولويات الشعب من الظلم الواقع على غزة، أهم من المطالبة بإنهاء الإنقسام، وأهم من الدعوة الفورية للإنتخابات.

"إسرائيل" في المقابل، تزيد من المغتصبات وتخترق شوارع المدن والقرى والأحياء الفلسطينية ولا عين تلاحظ ولا من ينطق. سكوت محكم لإنفصال عنصري رسمي قادم. العدة تعد لإنتخابات جديدة، والعرب فيما بينهم في خلاف وانقسام وكأنها عدوى. صراع على مقاعد بالكنيست الإسرائيلي، وامرأة عربية تعلن ترشحها للانضمام إلى حزب الليكود.

فتح تخون حماس. وحماس تقيم القصاص والحدود كما تراه مناسبا ومناطق سيطرتها.

رامي ليفي يجني الأرباح الهائلة من جيوب المستهلك الفلسطيني على حساب أرض مسروقة ولا يدفع الضرائب لما ينتج أو يبيع، ولسان الحال الفلسطيني يؤكد: السبب هو غلاء الأسعار واستغلال التجار.

المحللون الإقتصاديون يكثرون كجراد فجأة، ويصبح الموضوع شائكا، والأزمة تصبح بالسلطة والتاجر ومن يسرقون أموال المساعدات. كيف تحولنا إلى شعب متسول كسلطته.... لا أستطيع أن أستوعب.

لا أستطيع أن أستوعب كم وضعنا مزر ومخز.

نعيش بالفعل تبريرات ودفاعات للخيانة بوقاحة وصارت جزءا عاديا من حياة المواطن "الغلبان.".

تذكرون كاسك يا وطن؟

رحمك الله يا وطن، أضعناك أولا، وخذلناك حتى صارت خيانتك جزءا من شنطة يحملها الفلسطيني ليسوق الإسرائيلي في كل مكان، وليس فقط بالعالم العربي كما قالها نمر صالح سنة ١٩٨٤. أصبحنا على واقع حلم التحرر الذي صارت تصاحبه الدبابات والاجتياحات، والوطنية تفصل على مقاس من يرددها. أكذوبة يرددها الخائن بتصديق أنه يبني ويدافع ويحارب من أجل الوطن!

كاسك يا وطن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير