التجمع الديمقراطي الفلسطيني خيارٌ لمنع التصفية

15.01.2019 07:31 AM

كتب: عمر نزال

أكثر من تنسيق .. أقل من تحالف، صيغة التجمع الديمقراطي الفلسطيني الذي اعلن عنه وقدم باكورة نشاطاته خلال الايام القليلة الماضية، ولد بعد مخاض طويل استمر سنوات عديدة، وبعد تجارب شبيهة بصيغ عديدة، وباسماء متقاربة فشلت جميعها فيما مضى، او لم تصمد طويلاً، فهل سينجح الان ويتطور؟، هو السؤال على لسان كل مكوناته من احزاب وأفراد، وربما على لسان كل متابع للتجرية.

لا اجابة قاطعة، المتشاؤمون يقولون لا، والمتفائلون يقولون نعم، والمتشائلون يحاولون قراءة الواقع والمعطيات دون الوصول لاجابة شافية، ولكن مع كثير من الامل والتمني بصمود وتطور التجربة وصولاً لوحدة حقيقية لمكونات التيار الديمقراطي برؤية يسارية تقدمية.
طيلة عقود مضت كانت مخاطر تصفية القضية الفلسطينية ماثلة أمامنا، وكان استقراء ممكاناتها يشوبه هواجس مدعمة ببعض التحليلات المسنودة لقراءات سياسية وطنية وطبقية تحيل الى بعض الطمأنينة باستحالة او استبعاد الوصول الى التصفية. أما اليوم فأن عملية تصفية القضية، وان كان حلقة حلقة، وخطوة خطوة، قد بدأت، بل قطعت شوطاً يمكن بوضوح ملاحظة مفاعيله.
ومع كل الانتباه والتفرس في العوامل الموضوعية الممهدة للمرحلة التي وصلنا اليها، وعمق تأثيرها، الا ان العامل الذاتي هو الأهم والأعمق تأثيراً، فاليمين بشقيه الوطني والديني يغلب المصالح الذاتية والفئوية على المصلحة الوطنية، ويتنازع حد البطش والدم على سلطة ( حكم ) لا رصيد لها سوى اتفاقيات بالية سقفها تعريب الاحتلال. يمين ثمل الارتهان لاشتراطات اوسلو المذلة، ليس اوسلو الاتفاقيات فحسب، بل اوسلو النهج الذي لا يصب بالمحصلة الا بما يريده الاستعمار ومشروعه الاستيطاني الاجلائي، ويمين يجير رصيد مقاومته وشعبيته المتأتية منها في حسابات الاخونة وتجاذبات الاقليم، ولا يبتعد بالموقف ولا بالنتيجة عن الاول.

وفي أتون هذا التنازع، بالكاد يرى اثر مختلف لقوى اليسار، والتيار الديمقراطي عموماً، سوى في بعض المحطات المتناثرة التي لم تشكل سياقاً يمكن لشعبنا وقطاعاته التي يفترض ان يمثلها ويعبر عنها اليسار الركون اليه، فالغالب على مواقف القوى الديمقراطية وتجسيدات مواقفه هو التأتأة، او الانحياز تارة لهذا الشق من اليمين وتارة لذاك، او مسك العصا من المنتصف ليبدو كوسيط همه تجميع شقي اليمين وتقويتهما تحت مبرر انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة كشرط مقدم لاعادة تصويب البوصلة، مع ان هذا ليس بالضرورة صحيحاً. ولعل هامشية تأثير اليسار والقوى الديمقراطية ناجم في واحد فقط من اسبابه عن حالة الشرذمة التي يعيش، وغياب اطار موحد يصهر طاقاته ويكتلها، ومع ان هذا لا يكفي، اذ ينبغي أيضاً تجذير وتصليب مواقفه، وابعاده عن تأثيرات اليمين والميل اليه، كما ينبغي رؤية افعال على الارض تتسق مع رؤيته وبرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعيه، بما يؤهله لقيادة الفعل الميداني سواء الوطني المتعلق مباشرة بالصراع مع الاحتلال ومشروعه، او الاقتصادي- الاجتماعي المتعلق بتناقضاته مع اليمين ومشروعيه.

وان كان ممكناً لفترة من الزمن تحييد وتأجيل بعض القضايا والمتطلبات اللازمة لوحدة القوى الديمقراطية، والبدء من نقاط التقاء تشكل قواسم مشتركة، فان المسافة الفاصلة بين نقطة البدء وغاية الوصول هي مسافة مزروعة بالالغام ومحفوفة بالمخاطر ويمكن خلالها تفهم هواجس المتشككين، خاصة وان تجارب عديدة سابقة قد انتهت الى الفشل السريع والذريع.
ومع هذا، فان أهمية وسمو الهدف بالوصول لوحدة القوى الديمقراطية، او اقله تشكيل جبهة مشتركة مسنودة لموقف موحد حيال القضايا المفصلية، وعمل مشترك حيثما وحينما يمكن، هو هدف يستحق الاخلاص له حتى الرمق الاخير، وتغليبه على كل مصلحة خاصة، وبذل كل جهد ممكن في سبيل الوصول اليه، والترفع والابتعاد عن كل ما شأنه تعكير صفو المسير، والتنبه مسبقا الى ضرورة صد أية ضغوطات ممكنة من الاطراف التي قد تستشعر خطراً عليها من هذا الخيار باعتباره نقيضاً لها ولبرامجها، أو مساً بمكانتها وسطوتها.

ومن هنا، فان على المؤمنين بأهمية هذا الخيار، البحث عن سبل انجاحه، والعمل له باخلاص، باعتباره خياراً قد يكون وحيداً لاعادة التوازن للساحة الفلسطينية، وتصحيح المسار لاعادة الاعتبار للقضية الوطنية ومنع تصفيتها، وهي مهمة تاريخية تستحق كل جهد. وعلى المتشككين في امكانية نجاحه، عدم وضع العصي بالدوالايب، والتريث قبل اصدار الاحكام المسبقة، فالفشل سابقاً لا يعني بالضرورة الفشل مجدداً، فحتمية وضرورة النجاح تقتضي اقتناص كل فرصة مؤاتية، ومدها باسباب النجاح والدفع نحوه، فلا بديل آخر لما آلت اليه اوضاع الساحة الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير