نادية حرحش تكتب لـ"وطن": وجه الاحتلال البغيض على الحواجز

16.01.2019 09:09 AM

لا زلت أتمسك بكلمة حاجز بديلا لكلمة معبر، رافضة أن يكون الفاصل بين قلنديا وبيت حنينا معبر سيصبح دوليا على حسب ما تبدو الإعدادات له.
أو بالأحرى على حسب الواقع، بوابات إلكترونية وتفتيش شخصي وماكينات وإبراز وثائق. الفرق أنه بالمعابر الدولية هناك صبغة تبدو أكثر إنسانية من حواجز على نفس المنوال تحولت إلى معابر ونحن لا حول لنا ولا قوة، كل ما نحاول فعله هو المرور، حق بديهي لا يفكر فيه الإنسان الطبيعي، ولكن في حالنا هذا علينا أن نمر بهذا الوضع يوميا ليكون العبور إلى الجهة المقابلة من حياتنا اليومية أمراً كونيا في كل مرة.

منذ أيّام وأنا أحارب أمراً أزعجني في كم اللااهتمام واللامبالاة بموضوع افتتاح متجر يهودي بقلب الأحياء الفلسطينية في القدس في إحدى المستوطنات من ناحية، والدفاع عن فتح المتجر وكأنه تحصيل حاصل بما هو عادي، فكان لسان حال الرد الذي يشيد بالاحتلال وخدماته المتوفرة، مقابل غياب السلطة.

هؤلاء من المستحيل أن يكونوا من الشعب الذي يعبر الحاجز مشيا يوميا من أجل لقمة العيش أو لأي أمر. لأنه من المستحيل أن يكون هناك إنسان عاقل يعيش ما يجري من ذل ينخر بجلده وأنفاسه وكأنه حيوان حقير متوحش معدي يجب لجمه والابتعاد عنه.

قاذورات من كل الاتجاهات، لا يأبهون حتى لاستخدام خدمات التنظيف التي يتغنى بها محبي الاحتلال من فروقات بيننا وبينهم.

ذكرني المشهد برحلات جسر الملك حسين، ذاك المعبر! نعبره عند السفر والحاجة، هذا المعبر يشكل جزءًا طبيعيا من يومنا، اَي إن هناك أناس يستخدمونه مرتين يوميا على أقل تقدير، كيف يمكن أن يصبح هذا عاديا.

المداخل المختلفة مشكلة من دهاليز حديدية جعلتني أفكر بأنه إذا ما زاد وزني بضع كيلوغرامات اخرى فلن أستطيع المرور، كل شيء عنصري في هذا المشهد حتى مسألة الجندر، أنت تدخل حرفيا وفعليا بقفص، شباك مكون من أسلاك فوقك تعلوك بعض السنتمترات إذا ما كان طولك 180 سنتميتر، الشبابيك الحديدية تبدو متهالكة مليئة بالقاذورات التي ترمى ربما بينما يلهو الجنود في فترات الاستراحة من التنكيل.

بين كل دهليز ودهليز يفصلك عن نهاية النفق بوابات إلكترونية بلا شك مصنوعة عن قصد للأحجام الصغيرة. وكأنك تدخل في مفرمة لحوم، أو كالدجاج في المسالخ على الماكينات الكهربائية للسلخ والفرم.

مئات من الناس يقفون بالدور للخروج من هذه الدهاليز المقيتة وجندي أو اثنين في غرفة محكمة، كاميرات متعددة بكل زاوية تضرب إليها عينك، أوساخ في كل الاتجاهات ...

شعرت بالذعر من ناحية ثم تذكرت أنني في حضن الاحتلال الجميل، فتذكرت من يتغنون بمزايا الحياة تحت الاحتلال وصرت أتساءل عن النظافة، الكل في داخله بلا شك يلوم الآخر العربي منا، ماسحًا من ذهنه أننا نقع في داخل منطقة قابعة للاحتلال وعليه فإن مسألة التنظيف تقع عليهم، يخلو المكان من كل شيء إنساني إلا البشري الفلسطيني الذي يفقد شيئا من إنسانيته في كل لحظة عبور، ثم يتساءل العالم كيف يصبح الفلسطيني إرهابي؟ لماذا يطعن أحدهم جندي ينكل فيه بعد كل نقير الماكنة تجعله يصل لمرحلة يضطر فيها إلى خلع سرواله، برد ورياح، امرأة محجبة أو أم مع طفل رضيع، لا يهم ... عليك الدخول إلى المفرمة على حسب الوصفة والتعليمات المحكمة الاتباع.

ثم تجلس في رحاب غرف الداخلية، لتدخل عالما حضاريا جديدا، الخارج متقن الصنع في جهلك تعيش مئة عام إلى الوراء، هؤلاء لا يزالون في حقبة النازية، عقدة الغيتو تطارد ممارساتهم الاضطهادية.

دخلت حديثا بيزنطيا مع بعض النساء، تجمعنا في تلك اللحظات انتظار الدور لمكتب الداخلية، لا يمكن أن يكون الإنسان الغلبان الذي يتم الحديث عنه في موضوع "رامي ليفي" هو نفسه الإنسان الغلبان الذي يمر من هذا الحاجز كل يوم، قلت محاولة لجس النبض.

كان الرد لطيفا ومحايدا عندما بدأت شرعية "رامي ليفي" بالوجود، دفاع وتباهي جعلني أفهم معنى أن يتأصل بداخلك الاحتلال فتفقد الشعور، تفقد الشعور بمعنى الإنسانية الحقيقية وتبيت شبه إنسان مستهلك جل ما تريده من هذه الحياة هو ما يوفره لك هذا الاحتلال، وكان الاضطهاد يصبح السبيل لاستنشاقه للهواء الذي تراه طبيعيا.

هؤلاء هم المتسوقون.... هم نفسهم المتسلقون على حبال وهم الحياة .... يعيشون باستهلاك هو كل حياتهم .... استهلاك تحت احتلال.... هذا هو الفلسطيني المعاصر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير