فلسطين تحتاج إلى أكثر من حكومة جديدة

01.02.2019 04:30 PM

كتب: داود كتّاب

قد يكون من المناسب وحتى المطلوب تغيير حكومة الوفاق الوطني (حكومة التكنوقراط) برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، التي تشكلت على أساس أنها حكومة انتقالية لإقناع حركة حماس بإنهاء الانفصال البغيض وإجراء انتخابات. طبعا لا يجب تحميل رئيس جامعة النجاح مسؤولية فشل المصالحة، لكن لا شك أن حكومته تتحمل مشكلة فرض قانون الضمان الاجتماعي قبل إقناع المواطن الفلسطيني به، خصوصا أن المواطن لا يزال غير مقتنع بوجود دولة وحكومة وهو يشاهد يوميا آثار الاحتلال والحصار.

تشكيل حكومة فصائل كما أقرتها اللجنة المركزية لحركة فتح، هي تسمية لطيفة لتعيين حكومة فتحاوية مع بعض المستقلين، إذ تقاطع معظم فصائل منظمة التحرير اجتماعات المجلسين المركزي والوطني واللجنة التنفيذية، ولم يستجد أي حدث يقنعها بالعودة للمشاركة، في ظل غياب خارطة طريق واضحة ومتفق عليها للمصالحة.

 

الوضع الفلسطيني، وخاصة الانقسام الداخلي، مأساوي وغير مبرر

صحيح أن المصالحة تتطلب طرفين، وصحيح أن حركة حماس غير متحمسة لأي آلية تشمل الانتخابات النيابية، إلا أن هناك لوما يطال القيادة الفلسطينية، التي ترفض أي مشاركة لها في القرار الفلسطيني، وترغب في الحصول على كل شيء أو لا شيء في موضوع تمكين الحكومة الفلسطينية في غزة.

يعكس قرار اللجنة بضرورة إجراء حوار فصائلي عمق الأزمة الحالية، لذلك من الضروري أن يكون هذا الحوار جادا وصادقا. والمطلوب من الجميع (أي فتح والفصائل) أن يتحمل مسؤوليته التاريخية، ويضع شروطا معقولة للعمل بشكل مشترك للبدء في الخروج من أزمة ثقة المواطن الفلسطيني العميقة في مؤسسات سلطته. ومن أبرز نتائج أزمة الثقة هذه الرفض الشعبي لمشروع هدفه الأساسي خدمة الطبقة العاملة؛ فالمواطن الفلسطيني فقد ثقته بديمومة حكومة فلسطينية غير منتخبة وغير قادرة على تقديم الحد الأدنى من الأمل.

يبقى موضوع غزة المحاصرة، وهي بحاجة إلى حلول مقنعة لمن يتم مسؤولية تأليف الحكومة الجديدة. فمن أبسط مسؤوليات أي شخص في موقع رئاسة الوزراء، كما هي مسؤولية الرئيس، الاهتمام بمصلحة وشأن كل مواطن فلسطيني، وهذا يشمل حوالي مليوني فلسطيني من سكان غزة.

فليس من المنطقي أو المقبول أن يتم احتجاز الشعب في غزة كرهائن لصراع سياسي داخلي لا علاقة للمواطن الغزي به. فالعقاب الجماعي الذي نتهم "إسرائيل" بتنفيذه، لا يمكن أن يصبح أداة تستخدمها السلطة الفلسطينية لفرض مبتغاها.

طبعا من المنطق أن قيادة رام الله غير ملزمة بدفع بدل فواتير وقود الكهرباء في الوقت التي تستوفي فيه حركة حماس الفواتير من الناس في غزة؛ كما من غير المنطقي أن تدفع رام الله رواتب موظفين معينين من حركة حماس؛ لكن من الصعب تفهم الامتناع عن تطبيق قرارات المجلسين، المركزي والوطني، لجهة دفع رواتب العاملين في غزة، بما فيهم من تم تعيينهم من قبل السلطة الوطنية.

قد تكون الفائدة الوحيدة من خطوة اللجنة المركزية لحركة فتح، وهي إطار منتخب من القاعدة الفتحاوية وليس فقط من قبل الرئيس عباس، أن رئيس الحكومة الجديد سيكون مسؤولا أمام هذا الإطار بصورة أكبر مما هي الآن، إذ أن مرجعية رئيس الوزراء رامي الحمد الله تقتصر على محمود عباس.

 

تتطلب المصالحة من قيادة فتح بعض التنازلات وقرارا بالتشارك في اتخاذ القرارات المصيرية

إن الوضع الفلسطيني، وخاصة الانقسام الداخلي، مأساوي وغير مبرر في ظل استمرار الاحتلال. ففي الوقت الذي تزداد فيه حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني في كافة أنحاء العالم، من العيب أن يكون الشعب منقسما وغير موحّد.

إن المصالحة تتطلب من قيادة فتح بعض التنازلات وقرارا بالتشارك في اتخاذ القرارات المصيرية؛ كما تتطلب من حركة حماس الاستعداد الصادق للتنازل عن امتيازاتها والاستعداد الحقيقي للاحتكام لما يفرزه صندوق الانتخابات كي يعود القرار الفلسطيني للشعب الفلسطيني.

يستخدم كل من في السلطة أساليب مختلفة للبقاء في مواقعهم ولأقصى فترة ممكنة، لكن من الضروري ألا يتم التسامح مع من هم متمسكون بكراسي السلطة بغض النظر عن توجههم السياسي.

إن قرار تعيين رئيس وزراء جديد وقرب إجراء انتخابات تشريعية جديدة فرصة مهمة لإعادة التفكير الجدي بأولويات الشعب الفلسطيني وضرورة تصحيح البوصلة لما هو في مصلحة الشعب وليس في مصلحة المسؤولين.

(الحرة)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير