صلاحيات الرئيس وحصار القانون الأساسي المعدل

01.02.2019 07:20 PM

 كتب د. عصام عابدين : عانى المجلس التشريعي الفلسطيني الأول طويلاً على صعيد الرقابة البرلمانية على أداء السلطة التنفيذية وأجهزتها، ليس فقط بسبب تركيبة المجلس في ذلك الوقت، وإنما بفعل تآكل أدوات الرقابية البرلمانية لأسباب عديدة أبرزها الزج بمنظمة التحرير لإجهاض العديد من المحاولات التي استهدفت بسط رقابة جادة على الأداء العام.

وصل الأمر درجة أن "الحكومة" كانت تجتمع باسم "القيادة الفلسطينية" وهي خليط بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والمنظمة وكان رئيس المجلس التشريعي يشارك في اجتماعات (الحكومة/القيادة). وما زاد الطينة بِلة، في ذلك الوقت النهاية المأساوية لتقرير هيئة الرقابة العامة الذي شكل اختباراً عسيراً للمجلس التشريعي الأول انتهى بقرار اتخذه المجلس ذاته "بإغلاق الملف" وشكل ضربة موجعة "للتشريعي" طالت الرقابة البرلمانية على (الحكومة/القيادة) وخلقت حالة صعبة وممتدة من "الإحباط" الذي كان واضحاً على نواب المجلس التشريعي.

رغم التحول الذي حصل في العام 2002 بإقرار القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، إلاّ أن السلطة التنفيذية كانت تعني في ذلك الوقت (الرئيس ومجلس الوزراء) كما كان ينص (الباب الرابع) من القانون الأساسي الذي صدر ونُشر في ذلك العام، وظل الرئيس يملك صلاحيات هائلة في القانون الأساسي، ولم تنجح محاولات ترسيم العلاقة (الحد الفاصل) بين السلطة والمنظمة التي شكلت العقبة الكأداء في مسار الرقابة البرلمانية للمجلس التشريعي على أداء السلطة التنفيذية، رغم أن مَن يراجع "جميع" وثائق منظمة التحرير الفلسطينية يجد أن استحضارها الذي ساهم بشكل كبير في تخطي الرقابة والمساءلة لا أساس له في "جميع" الوثائق الخاصة بها.

وجاءت التعديلات على القانون الأساسي، عام 2003، كانت هائلة، تفوق الخيال، انهارت امبراطورية الرئاسة، على المستوى الدستوري. حتى أبواب القانون الأساسي تغيّرت، بابٌ وجدارٌ وباب، الباب الثالث أصبح عنوانه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بصلاحيات دستورية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، مسيطرٌ عليها تماماً (سنأتي على هذه المسألة)، والباب الرابع حديديٌ فاصلٌ بين الرئيس (الباب الثالث) والسلطة التنفيذية (الباب الخامس) هو المجلس التشريعي، وباب السلطة التنفيذية الخامس بات يعني مجلس الوزارء (الحكومة) الأداة التنفيذية والإداية العليا التي تضطلع بمسؤولية وضع البرنامج الذي تقره السلطة التشريعية موضع التنفيذ.

بالتزامن مع استحداث منصب رئيس الوزراء بصلاحيات هائلة (خارطة الطريق) تخوله بنصوص دستورية واضحة تشكيل مجلس الوزراء أو تعديله أو إقالته أو قبول استقالة أي عضو من أعضاء مجلس الوزراء أو ملء الشاغر فيه، وإدارة كل ما يتعلق بشؤون مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية/ الحكومة) مقابل بضع صلاحيات تنفيذية لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في القانون الأساسي المعدل؛ الذي حوصر دستورياً وعملياً على الأرض.

عملية جراحية، كبرى، حصلت للقانون الأساسي، قد تحتاج وقت طويل لاستيعابها، في معركة الصلاحيات، لكن المشرّع الدستوري حسم أمره؛ وأضاف المادة (38) وهو نص مستحدث في القانون الأساسي آنذاك ومفاده "يُمارس رئيس السلطة الوطنية سلطاته ومهامه التنفيذية "على الوجه المبين في هذا القانون"" أي القانون الأساسي. وبذلك وجه المشرع الدستوري رسالة حاسمة للمشرع العادي والاستثنائي ومَن يهمه الأمر في آن معاً مفادها أنه لن يتم السماح بإقرار أيّ تشريع يُعطي السيد الرئيس أية صلاحية غير مُبينة في القانون الأساسي المعدل، قُضي الأمر.

ولكن ماذا لو كانت صلاحية ما محل خلاف بين رئيس الوزراء وحكومته وبين الرئيس، وهي غير واردة في القانون الأساسي، أي بمعنى أن القانون الأساسي لم يتناولها أساساً في نصوصه الدستورية (121 مادة)؟ لمن تكون؟

كل شيء، جميع الاحتمالات، كانت مدروسة بعناية. وها هي الرسالة من المشرّع الدستوري وهذه المرة من خلال المادة (63) وهو نص خضع للتعديل ضمن التعديلات الجوهرية التي جرت على القانون الأساسي في العام 2003 ومفاده "... وفيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية "يحددها القانون الأساسي" تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية "من اختصاص مجلس الوزراء"". وبذلك وجه المشرّع الدستوري رسالة حاسمة أخرى للمشرع العادي والاستثنائي ومَن يهمه الأمر  مفادها أن أية صلاحية "غير مُبينة" في القانون الأساسي المعدل هي دستورياً من اختصاص مجلس الوزراء، ولن يُسمح بإقرار أيّ تشريع بخلاف ذلك.

وقد جاء هذا التوجه الدستوري الحاسم في مقابل نص المادة (74) وتحديداً الفقرة (3) وهو نص معدّل في القانون الأساسي ويحمل رسالة أخرى شديدة الوضوح للجميع من المشرّع الدستوري مفادها أن رئيس الوزراء وأعضاء حكومته مسؤولين مسؤولية "فردية وتضامنية" عن أعمالهم أمام المجلس التشريعي الفلسطيني.

لكن رئيس الوزراء مسؤول أيضاً أمام الرئيس عن أعماله وعن أعمال حكومته (المادة 74) ويستطيع إحالة رئيس الوزراء للتحقيق فيما قد يُنسب إليه من جرائم أثناء تأديته أعمال وظيفته أو بسببها (المادة 75) والرئيس يختار رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل حكومته وله أن يقيله أو يقبل استقالته وله أن يطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد (المادة 45) كما أن مجلس الوزراء يساعد الرئيس في أداء مهامه وممارسة سلطاته على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي (المادة 46). وجميعها نصوص مبينة في القانون الأساسي معدلة أو مستحدثة آنذاك (باستثناء المادة 46) بموجب القانون الأساسي المعدل عام 2003 فما الذي يجري في معركة الصلاحيات؟
إن تلك النصوص الدستورية لا تعدو كونها نصوص دستورية "تحت السيطرة" ليس إلاّ كما أشرنا سابقاً بعد نجاح عملية جراحية بالغة الدقة خضع لها القانون الأساسي، قال فيها المشرّع الدستوري كلمته، وانتهى الأمر.

صحيحٌ أن السيد الرئيس يستطيع من الناحية الدستورية أن يفعل ما يشاء برئيس الوزراء لكن في المقابل فإن المسألة، من كافة الاتجاهات، ستكون عندئذٍ تحت سيطرة وإنْ شئت قُل قبضة "المجلس التشريعي" ورئيس الوزراء كما الحكومة مسؤولين أمام المجلس التشريعي فردياً وتضامنياً (المادة 74) وهو بالمناسبة ذات النص الدستوري الذي يتحدث عن مسؤولية رئيس الوزراء أمام الرئيس عن أعماله وعن أعمال حكومته، وبذلك نجد أن البنود الثلاثة للمادة (74) تبدأ بصلاحيات الرئيس لكنها تنتهي في ملعب المجلس التشريعي والأمور بخواتيمها.
وأمّا بشأن مسألة إقالة رئيس الوزراء أو استقالة رئيس الوزراء أو وفاة رئيس الوزراء فإنها تعني دستورياً في جميع الأحوال أن الحكومة بأكملها باتت مستقيلة ويتوجب إعادة تشكيلها (مادة 83) وهو نص مستحدث في القانون الأساسي (2003) وبالتالي تنتقل الكرة مجدداً إلى ملعب المجلس التشريعي فيما يتعلق بعملية تشكيل الحكومة والمهل الزمنية المحددة دستورياً لإنجاز عملية التشكيل الحكومي الجديد أو حتى التعديل الوزاري (المواد 65 و 66 و 67 و 79) والأمور بخواتيمها وتلك نصوص دستورية بين مستحدثة ومعدلة في القانون الأساسي (2003).
ولكن ماذا عن صلاحيات الرئيس في التشريع العادي (القوانين) التي كانت واردة في المادة (58) من القانون الأساسي لعام 2002 ومفادها "لرئيس السلطة الوطنية ولمجلس الوزراء التقدم إلى المجلس التشريعي بمشروعات القوانين وإصدار اللوائح واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القوانين". هذا النص الدستوري خضع لتعديل جراحي من خلال نص المادة (70) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003 وبات على النحو التالي "لمجلس الوزراء الحق في التقدم إلى المجلس التشريعي بمشروعات القوانين وإصدار اللوائح واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القوانين".
بعد التعديلات الهائلة التي جرت على القانون الأساسي في العام 2003 - ما زال هناك الكثير منها - هل نستطيع القول من الناحية الدستورية أن الحكومة هي حكومة الرئيس؟ أم أنها حكومة رئيس الوزراء؟ 
لم يتردد القانون الأساسي لحظة واحدة في حسم الأمر بذات المنهج الذي سار عليه: إنها حكومة رئيس الوزراء من الناحية الدستورية. ولا يوجد أيّ نص في القانون الأساسي (121 مادة) خرج عن هذا المسار. النصوص الدستورية واضحة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر نص المادة (65) من القانون الأساسي (نص مستحدث) وقد جاء في بنده الأول بالآتي "فور تكليفه من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية يتولى رئيس الوزراء تشكيل حكومته خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ اختياره، وله الحق في مهلة أخرى أقصاها أسبوعان آخران فقط". من الواضح أن الضمير المتصل (الهاء) بكلمة "حكومته" يعود على رئيس الوزراء ولا يعود على الرئيس أي حكومة رئيس الوزراء.
كما أن الفقرة الثانية من ذات النص الدستوري (المادة 65) كانت قاطعة وقد جاءت بالآتي "إذا أخفق رئيس الوزراء في تشكيل حكومته خلال الأجل المذكور أو لم يحصل على ثقة المجلس التشريعي وجب على رئيس السلطة الوطنية استبداله بآخر خلال أسبوعين من تاريخ إخفاقه أو من تاريخ جلسة الثقة حسب مقتضى الحال ..". من الواضح أيضاً أن الضمير المتصل (الهاء) بكلمة "حكومته" تعود على رئيس الوزراء حيث لم يرد ذكر الرئيس قبل كلمة حكومته الواردة في النص الدستوري وبذلك تكون الحكومة حكومة رئيس الوزراء. والنصوص الدستورية عديدة وجميعها تسير بذات الاتجاه ومنها المادة (66) من القانون الأساسي وهو نص معدل "فور اختيار رئيس الوزراء لأعضاء حكومته يتقدم بطلب إلى المجلس التشريعي لعقد جلسة خاصة للتصويت على الثقة بهم ..".  
صحيحٌ أيضاً أن من صلاحية الرئيس أن يطلب من رئيس الوزراء دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد (مادة 45) وهي مادة مستحدثة (بمعنى النص الدستوري مستحدث وليس معدل) ولكن في المقابل فإن المادة (73) من القانون الأساسي (مادة مستحدثة) لا تُجيز "لغير الوزراء" حضور جلسات مجلس الوزراء إلاّ بناءً على "دعوة مُسبقة من رئيس الوزراء". ولا ضير من أن "يساعد مجلس الوزراء الرئيس في أداء مهامه وممارسة سلطاته على "الوجه المبين في هذا القانون الأساسي"" كما ورد في المادة (46) من القانون الأساسي وهو نص غير مستحدث وغير معدل.
وأمّا بشأن السلطة الفلسطينية وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية فلا يستطيع أحد الابتعاد "خطوة واحدة" عن عبارة أن المنظمة هي التي أنشأت السلطة في إشارة إلى قرار إنشاء السلطة الفلسطينية الصادر عن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة في تونس بتاريخ 10-12/10/1993 وللتذكير فقد جاء القرار على النحو التالي"تكلف اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وعدد من الداخل والخارج". والإشارة بذات الوقت إلى أن مقدمة القانون الأساسي تقول إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني. لا أحد يستطيع الابتعاد خطوة بعد ذلك، لأنه لا توجد خطوة على المستوى القانوني بعد ذلك.
لكن مَن يتابع أيّ من الموازنات العامة السنوية للسلطة الفلسطينية سوف يجد أن المنظمة هي بند صرف مالي على موازنة السلطة الفلسطينية. ولن يجد نصاً قانونياً واحداً في جميع وثائق المنظمة يسمح لها بأيّ تدخل في السلطة الفلسطينية، ونصوص ووثائق منظمة التحرير هي الفيصل بيننا وبين مَن يقول بخلاف ذلك.
وبالرجوع إلى بنود الصرف والبرامج في موازنة 2018 لجهة مركز المسؤولية (مركز صرف مالي) الخاص بالمجلس الوطني الفلسطيني الوارد في الصفحة (853) من الموازنة العامة نجد أن رسالة المجلس الوطني الفلسطيني تتمثل في "إنشاء قاعدة حكم ديمقوقراطي لكافة أطياف الشعب الفلسطيني كأساس منبر حر لكافة الطوائف الفلسطينية" وبعيداً عن مناقشة طبيعة تلك الرسالة فإن هدف هذا البرنامج كما ورد في الموازنة العامة يتمثل في "تحديث القوانين والسياسات الإدارية والمالية المطبقة في مؤسسات منظمة التحرير وفقاً لمعايير الشفافية".
وبالرجوع إلى مركز المسؤولية (مركز صرف مالي) الخاص بالصندوق القومي الفلسطيني الوارد في الصفحة (765) من الموازنة العامة، وبعيداً عن مناقشة الرسائل والأهداف، فإن هدف هذا البرنامج كما ورد في الموازنة العامة، أو بالأحرى الهدف الأول للبرنامج، يتمثل في "ضمان انتظام جميع الحوالات المالية الشهرية لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يتم إعدادها وتحويلها بشكل شهري وبانتظام بموجب الاتفاقيات الموقعة أصولاً".
منهج الضباب، أدى ماضياً وحاضراً للهروب عملياً من الرقابة والمساءلة على الأداء، أدى لانتهاك سيادة القانون، والإفلات من العقاب، وضرب منظومة حقوق الإنسان في العمق، وأدى لانتشار الفساد بمختلف مستوياته، وهذا المنهج سيأخذ منحى أكثر شراسة مع نشوء "مثلث الضباب" ثلاثي الأضلاع الذي يمثل السلطة والدولة والمنظمة قبل تقرير المصير، وبغياب سيادة القانون، والفصل بين السلطات، والتفرد بالسلطة، وضياع الرقابة على الأداء.
يبدو أن "القرار بقانون" الذي صدر عن السيد الرئيس بتاريخ 28/01/2019 بشأن الضمان الاجتماعي يستهدف القانون الأساسي المعدل (التشريع الأسمى) في ذاته. يبدو أننا أمام المحاولة الثانية التي تستهدف القانون الأساسي بعد المحاولة الأولى التي حاول من خلالها المجلس التشريعي الأول إجراء تعديلات على القانون الأساسي المعدل قبيل انتهاء مدة ولايته ولعبت رئاسة المجلس التشريعي دوراً بارزاً في تلك المحاولة التي لم تنجح في نهاية المطاف.
طُرِح "مشروع قانون معدِّل القانون الأساسي المعدَّل لسنة 2003" على المجلس التشريعي الأول قبيل انتهاء مدة ولايته؛ وتحديداً في الدورة البرلمانية العاشرة للمجلس التشريعي – الفترة الأولى في الجلسة الأولى/الاجتماع الثالث والعشرون المنعقد في مدينتي رام الله وغزة يوم الأحد الموافق 8/1/2006 وحمل المشروع الرقم (192/2005/ل) وحرف "اللام" الوارد برقم المشروع يعني أنه مقدم من لجنة برلمانية وهي اللجنة القانونية في المجلس التشريعي.
وبالرجوع إلى هذا المشروع يُلاحظ أنه قد حاول فك الحصار الدستوري عن الرئيس الذي جاءت به التعديلات التي جرت على القانون الأساسي عام 2003 من خلال منحه صلاحيات واسعة على المستوى الدستوري، إلاّ أن التعديلات التي حملها هذا المشروع لم تنجح في نهاية المطاف ولم يتم إقرارها من المجلس التشريعي.
وقد أصدر المجلس التشريعي في نهاية الجلسة المذكورة القرار رقم (1004/1/10) قرر بموجبه الآتي " أولاً: عقد جلسة يوم الإثنين الموافق 17/1/2006 لإقرار مشروع قانون معدِّل القانون الأساسي المعدَّل لسنة 2003 بقراءتيه الأولى والثانية. ثانياً: التأكيد على كافة أعضاء المجلس التشريعي وخاصة المرشحين منهم على حضور الجلسة من أجل عدم تعطيل إقرار مشروع القانون". إلاّ أن الجلسة البرلمانية التي حدد القرار  الصادر عن المجلس تاريخها (17/1/2006) لم تنعقد - من بين أمور أخرى- بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لإجراء التعديل على القانون الأساسي المعدل؛ وهو ثلثي عدد أعضاء المجلس التشريعي؛ وفقاً لأحكام المادة (120) من القانون الأساسي.
وفيما يتعلق بأبرز النصوص التي جاء بها "مشروع قانون معدِّل القانون الأساسي المعدَّل لسنة 2003" ولم يتم إقرارها من قبل المجلس التشريعي الأول قبيل انتهاء مدة ولايته فقد تمثلت بالآتي:
1. استحداث نص في القانون الأساسي المعدل يمنح رئيس السلطة الوطنية صلاحية تعيين نائب الرئيس.
2. استحداث نص في القانون الأساسي المعدل يمنح رئيس السلطة الوطنية صلاحية حل المجلس التشريعي.
3. تعديل المادة (38) من القانون الأساسي المعدل التي تنص على أن "يمارس رئيس السلطة الوطنية سلطاته ومهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون" (أي القانون الأساسي) بحيث تُستبدل عبارة (هذا القانون) الواردة في النص الدستوري المذكور بكلمة (القانون) أي القانون العادي، وليس القانون الأساسي، وبالتالي لا تصبح صلاحيات الرئيس محصورة بما هو مبين في القانون الأساسي فقط وفقاً للتعديل المقترح آنذاك. 
4. استحداث نص في القانون الأساسي ينشأ بموجبه مجلس للأمن القومي بقانون يترأسه رئيس السلطة الوطنية.
5. تعديل نص المادة (90) من القانون الأـساسي المعدل يمنح رئيس السلطة الوطنية صلاحية إقرار الموازنة العامة دون موافقة المجلس التشريعي إذا لم يتم إقرارها من قبل المجلس التشريعي قبل بداية السنة المالية الجديدة.
6. استحداث نص في القانون الأساسي المعدل يمنح رئيس السلطة الوطنية صلاحية الدعوة للاستفتاء العام للحفاظ على الثوابت الفلسطينية في القضايا الخاضعة للاستفتاء.
وبالرجوع مجدداً للقرار بقانون الصادر عن السيد الرئيس بشأن الضمان الاجتماعي يمكن إبداء بعض الملاحظات عليه على مستوى الأسانيد والنصوص القانونية الواردة فيه؛ على النحو التالي:
1. القرار بقانون الصادر عن السيد الرئيس حمل تسمية قرار بقانون لسنة 2019 بشأن "قانون الضمان الاجتماعي" علماً أنه لم يصدر عن المجلس التشريعي قانون بشأن الضمان الاجتماعي. وهنالك فارق كبير بين القانون الصادر عن المجلس التشريعي باعتباره المشرّع الأصيل وفقاً للمادة (47) من القانون الأساسي المعدل والقرار بقانون الصادر عن الرئيس كتشريع استثنائي مرتبط بالمادة (43) من القانون الأساسي المعدل بما تحمله من شروط دستورية. وما صدر عن الرئيس قبل إصدار  هذا القرار بقانون هو قرار بقانون رقم (19) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي المنشور في الوقائع الفلسطينية عدد ممتاز (13) بتاريخ 20/10/2016.
2. ورد في مقدمة الأسانيد القانونية أن هذا القرار بقانون صدر "استناداً لأحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية". وبالرجوع إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتعديلاته (32 مادة) نجد أنه لا يمنح السيد الرئيس أي صلاحية على هذا الصعيد. وبالرجوع إلى نص المادة (2) من النظام الأساسي للمنظمة فقد جاء على النحو التالي " تباشر منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولياتها وفق مبادىء الميثاق الوطني وأحكام هذا النظام الأساسي، وما يصدر استناداً إليهما من لوائح وأحكام وقرارات". بالتدقيق في النص المذكور، على مستوى طبيعة التشريع، نجد أنه يخلو من عبارة "قرار بقانون" فيما يصدر بالاستناد إلى الميثاق الوطني والنظام الأساسي للمنظمة والتي اقتصرت على "اللوائح والأحكام والقرارات". وبالرجوع إلى الميثاق الوطني المعدل كون النص المذكور قد أشار إليه (مكون من 33 مادة) وأيضاً التعديلات التي جرت عليه بإلغاء عدد من مواد الميثاق الوطني وهي المواد (6و7و8و9و10و15و19و20و 21و 22 و23 و30) وتعديل عدد آخر والمقصود نصوص المواد (1و2و3و4و5و 11و12و 13و 14و 16و17و 18و25 و26 و27 و29) فإن الميثاق لا يمنح الرئيس أي صلاحية على هذا الصعيد.
3. تنص المادة (1) من القرار بقانون على أن "يوقف نفاذ القرار بقانون رقم 19 لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي وتعديلاته اعتباراً من تاريخه". يبدو أن النص يخلط بين مراحل سن التشريع من خلال عبارة "يوقف نفاذ" الواردة في النص، وذلك لأن نفاذ التشريع مرتبط بمرحلة النشر في الجريدة الرسمية كمرحلة أخيرة من مراحله، وهي مختلفة كلياً عن "الإصدار" وهي المرحلة التي يولد فيها التشريع ولكنه لا يكون نافذاً إلا باكتمال مرحلة النشر، والصلاحيات الدستورية الممنوحة للسيد الرئيس في التشريع الاستثنائي (القرار بقانون) حال تحقق شروطه الدستورية المبينة في المادة (43) من القانون الأساسي المعدل محصورة بمرحلة الإصدار، لذلك نجد أن النص الدستوري المذكور يُجيز للرئيس "إصدار" قرارات لها قوة القانون وفقاً للشروط الواردة في النص.
4. تنص المادة (2) من القرار بقانون على أن "يستمر الحوار بين جميع الجهات ذات العلاقة بالخصوص، من أجل الوصول لتوافق وطني على أحكام القانون وموعد نفاذه". هذا النص غير مألوف على الإطلاق في العملية التشريعية، ومن الصعب أن يُطلق عليه وصف التشريع، ومن خصائص القاعدة القانونية أنها مُلزمة وبالتالي فإن ورود نص قانوني - إنْ جاز التعبير- على هذا النحو يعني أن الحوار مُلزم قانوناً بين جميع الجهات ذات العلاقة، ولكنه لم يفرض عقوبة في حال خرق خاصية الإلزام للنص القانوني بعدم استمرار الحوار  بين جميع الجهات ذات العلاقة أو في حال عدم انخراط أي جهة من الجهات ذات العلاقة في ذلك الحوار. كما أن النص المذكور يخلط بين التشريع الأصيل (القانون) الذي يصدر عن المجلس التشريعي وبين التشريع الاستثنائي (القرار بقانون) الذي يصدر عن السيد الرئيس من خلال عبارة "الوصول إلى توافق وطني على أحكام "القانون" وموعد نفاذه".
5. من الصعب القول إن عبارة "وقف نفاذ" القرار بقانون رقم (19) لسنة 2016 مرتبطة بأهمية القرار بقانون وذلك لأنه علاوة على الإشكاليات الدستورية نجد عملياً أنه قد جرى إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية (مصطلح مرادف للضمان الاجتماعي الذي يقوم على فكرة التأمينات) الذي أقره المجلس التشريعي في العام 2003 بقرار بقانون؛ هو القرار بقانون رقم (6) لسنة 2007 بشأن إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية المنشور في الوقائع الفلسطينية في العدد الثالث والسبعين بتاريخ 13 أيلول 2007 والذي نص في مادته الأولى على "إلغاء قانون التأمينات الاجتماعية رقم (3) لسنة 2003م". علماً أن قانون التأمينات الاجتماعية يفوق قرار بقانون الضمان الاجتماعي في الأهمية، ومفهوم وفلسفة ومضمون الحماية الاجتماعية، ويفوقه أيضاً من حيث جودة التشريع.
6. إنَّ ذكر أو عدم ذكر النص المتعلق بــــ "عرض القرار بقانون على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدوره" في نصوص القرار بقانون لا ينطوي على أهمية من الناحية الدستورية، لأن عرض القرارات بقوانين على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدورها مستمدٌ من المادة (43) من القانون الأساسي المعدل التي يستند إليها السيد الرئيس في إصدار القرارات بقانون، وليس مستمداً من القرار بقانون في ذاته، أي بمعني أن هذا الإجراء لا يعني بأي حال من الأحوال أن القرار بقانون لا يُعرض على المجلس التشريعي إلاّ إذا ذُكرت تلك العبارة في نصوص القرار بقانون وفي حال عدم ذكرها فإنه لا يُعرض على المجلس التشريعي، وإنما يُعرض القرار بقانون على المجلس التشريعي لأنها "إرادة المشرّع الدستوري" الذي نص على وجوب عرضها على المجلس التشريعي.
7. من نافلة القول أنه لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد لحل المجلس التشريعي الذي جرى على نحو غير دستوري بإرادة المشرّع الدستوري التي أكدت بالنص الصريح (مادة 43) على وجوب عرض القرارات بقوانين على المجلس التشريعي. بما يؤكد مدى الحاجة الماسة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وللمجلس الوطني، وتهيئة بيئة انتخابية بإطلاق الحقوق والحريات، بغياب المحكمة الدستورية، واحترام إرادة المواطنين الفلسطينيين باختيار ممثليهم بحرية، واحترام نتائج الانتخابات، والحفاظ على انتظامها بشكل دوري، احتراماً لإرادة المشرّع الدستوري.
8. تنص المادة (3) من القرار بقانون على أن "يلغى كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار". يبدو واضحاً أن هذا النص يخلط الأمور في مبدأ تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية عندما استخدم عبارة "هذا القرار" ولم يستخدم عبارة "هذا القرار بقانون" أو "هذا القرار الذي له قوة القانون" رغم الفارق الكبير بين القرار بقانون أو القرار الذي له قوة القانون كتشريع استنثائي جوازي للرئيس ومنشىء لقواعد قانونية جديدة إذا ما تحققت شروطه الدستورية، وبين القرار الرئاسي كتشريع كاشف عن قواعد قانونية لها أساس قانوني وارد في القانون الأساسي والقانون وليس منشىْ لقواعد قانونية جديدة، وبذلك فقد خرق هذا النص مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات وأصول تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية.
9. تنص المادة (4) والأخيرة من هذا القرار بقانون على ما يلي "على الجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ أحكام هذا القرار، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية". يؤكد هذا النص مجدداً على الخلط بين القرار بقانون والقرار الرئاسي باستخدامه مجدداً عبارة "هذا القرار" خلافاً لمبدأ تدرّج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية. كما أنه لم يلحظ المادة (116) من القانون الأساسي التي تناولت "القوانين" بالمفهوم الشامل في مراحل الإصدار والنشر والنفاذ، وأن القرار الذي له قوة القانون - ليس قانون وإنما قرار له قوة القانون- ينشىء قواعد قانونية جديدة، ويمكن أن تنطوي على عقوبات، وذلك عندما نص على أن يُعمل بالقرار (القرار بقانون أو القرار الذي له قوة القانون) من تاريخ صدوره، وليس من تاريخ نشر القرار بقانون في الجريدة الرسمية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير