يوميا عائلة أسير.. "تــالــيــا" الزهرة الفلسطينية

04.02.2019 10:37 PM

كتبت: نسيم زهدي شاهين

حمّلتُ قلمي لأكتب قصة من يومياتي، وإذ بعميد أسرانا؛ الذي أكل الدهر من عمره سنوات طويلة في أقبية زنازين المُحتل يباهتني بزيارة خاطفة، وخلال حوارنا طرح علي سؤالاً: ما أنت كاتبة لهذا الأسبوع؟ فأجبت: في فلسطين تتشابه الحكاية لكن باختلاف شخوصها، وأحياناً تختلف الأماكن، فمنا حكايته على أرض الوطن، ومنا حكايته في المنفى والشتات، لكن بوصلتها واحده نحو تحرير فلسطين، ومن خلال النظر في تلك الحكايات، نجد أن شخوصها من عائلات لها تاريخ، وهي نفسها التي قدمت الشهيد والأسير، والجريح والمُبعد في المنفى والشتات.  وقلت له: سأكتب عن طفلة علمني شموخها الكثير، سأكتب عن "تاليا" الزهرة الفلسطينية:

سمراء جميلة، موشحة بالكوفية، رغم شدة آلامها تجدها تتمتع بفطنة وذكاء وبلاغة في التعبير، وببراءة طفولتها تروي النكبة وقصة فلسطين التاريخية، وفي جملة بسيطة وباقل من دقيقة تؤكد على الثوابت الوطنية، التي تاهت عنها بعض الرموز في هذا الوطن السليب، كيف لا وهي لم تنسى (الأرض، فلسطين المحتلة عام 48، الشهيد والأسير).  نعم انها "تاليا" إبنة "حمدي النعسان" الشهيد الأسير، أو الأسير الشهيد فكلاهما لأجل فلسطين، فمن يعطي الوطن غير اسرانا الذين قدموا حريتهم قربانا لشعبهم كي يعيش حراً كباقي شعوب العالم، وهم الشهداء الذين احترقت شمعاتهم كي تحيا فلسطين.

تجالس مجموعة من أطفال جيلها، وتتقدم منها الصحافة، وتجيبهم بكل شموخ، وتحمل إجاباتها في ثناياها الكثير، فهي شاهدة على الحدث، تتحدث بكل ثقة رغم ما يعتصرها من ألم ولوعة الفقدان، وتروي قصة أبيها الشهيد وتقول: أبي بطل، أنقذ فلسطين وأنقذ جريحاً ليسقط هو شهيداً ليبكينا جميعاً فيما بعد، ونبقى وحدنا، لكن قلت لهم سنكمل مشوار أبي!  يا ل عمق إجابتك يا صغيرتي!! ويال جمال أنفاس العزة والكرامة بشموخك يا إبنت مدرسة "حمدي النعسان الوطنية"، لنتساءل هنا: هل وصل الطفل الفلسطيني إلى تلك القناعة بأن عليه قيادة الدفة لوحده بعد كل تلك الخيبات؟، هل فُقدت بوصلتنا وسيعيدها أطفالنا؟ وتكمل "تاليا" من جديد؛ وهي تحمل بين ذراعيها الصغيرين طفلاً لم يتجاوز العام، لقد أسمى أبي أخي الصغير بـ "كريم" تيمناً بالأسير كريم يونس، لنجد في إجابتها مرة أخرى، وبعفويتها وفي أقل من الثانية رواية جديدة للعالم، وهي قصة أسرى فلسطين وقصة أبيها الأسير، وحق العودة وفلسطين التاريخية عبر "كريم يونس" إبن عاره، إبن فلسطين المحتلة عام 48 الذي مضى على اعتقاله 37 عاماً في سجون المحتل الغاشم.

نعم إنها "تاليا" الزهرة الفلسطينية التي تغنى بها الشهيد الرمز الراحل ياسر عرفات في مقولته الشهيرة: (سيرفَعُ علم فلسطين شّبلٌ من أشّبالنا، وزهرةٌ من زهراتِنا، فوق أسوار القدس، ومآذن القدس...)، إنها "تاليا" التي بدأت بحمل دفة القيادة رغم صغر عمرها، وعدم إدراكها لما هو آت لها في هذه الحياة، لتخبر القاصي والداني: لقد مات أبي، لكن سنكمل المشوار ونحافظ على الأرض والإنسان، وبهذا الرد البليغ، اقول لك صغيرتي "تاليا":  أن إجابتك في وقتك الحزين ما هي إلا مدرسة وطنية للكبير والصغير، للسياسي والمثقف، للكاتب والأديب، للقاصي والداني، ولكل أحرار العالم.  نعم، فأنت اليوم رمزاً وأملاً جديداً لهذا الوطن وجيل بأكمله، فأنت من سيروي ل "كريم الوطن" عن "حمدي النعسان"، ومن سيمكنه من أن يصنع في مخيلته صورة أباه الشهيد البطل الخالد فينا، الذي رفض الذل والخنوع، وبهمتك العالية التي تُخجل ضعفنا ستساعدي أسرتك على المُضي سوياً في معركة هذه الحياة، وسننشد معك جميعاً قصيدة الشهيد:  رددي يا قدسُ لحناً .... عن شهيدٍ في رُبانا، واكتبي تاريخ شهم .... راح كي يحمي حُمانا، ويا فلسطينُ اذكري .... من جرع الباغي الهوانا.  وفي الختام، للشهيد الرحمة ولك صغيرتي "تاليا" ولأسرتك العظيمة وجدك وجدتك الصابرين، الصبر وحسن العزاء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير