الواقع أكبر من أن تحمله حكومة قابعة تحت احتلال

05.02.2019 03:13 PM

كتب: طاهر تيسير المصري

يأتي العمل على تشكيل "حكومة فلسطينية" جديدة في ظل حالة انهيار داخلي ناتجة أساسا عن استمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وتهميش عمل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم قدرة القوى والاحزاب،- داخل وخارج منظمة التحرير الفلسطينية-، القيام بالدور المطلوب منها في استنهاض الحالة الفلسطينية وضبط ايقاع الجماهير وتلمس احتياجاتهم والسماع لأولوياتهم، عدا عن حالة الفساد المستشري داخل السواد الأعظم من المؤسسات الفلسطينية، وضعف ثقة المواطن بالقضاء، وغياب الثقة بشكل شبة كامل بالقائمين على المشروع الوطني، عدا عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يطول الحديث عن وضعه المتردي.

كذلك يأتي العمل على تشكيل الحكومة الجديدة في ظل تعنت وإمعان حكومة الاحتلال في الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس والاعتقالات والاغتيالات، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي اللامحدود لسياسات الاحتلال وممارساته، وفي مقابل ذلك غياب أية خطة فلسطينية قادرة على المواجهة ودعم صمود المواطن الفلسطيني.

انطلاقا من هذا الواقع فإنه من الضروري أن تركز الحكومة المنتظرة في مهامها على تجديد الشرعيات من خلال التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية في الأرض المحتلة عام 1967، ومواجهة سياسات الاحتلال وبخاصة في مدينة القدس، ورفع العقوبات عن قطاع غزة، وإعادة الاعتبار لمنظومة العدالة، ومحاربة الفساد بكافة أشكاله، وكف تدخل أجهزة الأمن خارج نطاق صلاحياتها القانونية، وصون الحريات العامة، وتحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن وبخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، والحماية الاجتماعية.

وبالتوازي مع ذلك يتوجب على الحكومة التصدي للأزمات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة والمستجدة من خلال قيامها بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية أهمها بناء الاقتصاديات المحلية وتعزيزها ودعمها، فمن شأن ذلك أن يساعد في الانفكاك عن اقتصاد دولة الاحتلال. فالاقتصاد ركيزة أساسية في تثبيت المواطن فوق أرضه، ومسؤولية بناء اقتصاد يساعد في توفير العيش الكريم للمواطن وفي ذات الوقت يقلل من اعتماده على اقتصاد دولة الاحتلال، حيث آن الأوان لان تعمل الحكومة على وضع الأسس لاقتصاد يعتمد على ذاته، أساسه الإنتاج وليس اقتصاد خدماتي أو استهلاكي، وهذا مُتطلب أساسي يهيئ الأرضية لفحص إمكانية تنفيذ القرارات المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال على أرض الواقع، ومراجعة اتفاقية باريس الاقتصادية بما يتناسب والمصلحة الاقتصادية للفلسطينيين.
وعلى الحكومة أيضا العمل على  إصلاح السياسات المالية بشقيها؛ سياسة الانفاق العام والسياسة الضريبية بما يتوافق مع تعزيز صمود المواطن الفلسطيني، والعمل على إنجاز وتشغيل منظومة الحماية الاجتماعية المتكاملة، وصياغة وتنفيذ استراتيجية وطنية للتشغيل خصوصاً فئة الخريجين، وتعزيز وتوسيع دائرة المشاركة، ومأسسة الشراكة الفعلية بين القطاعين العام والخاص وباقي مكونات المجتمع المدني في رسم السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية وتحديد الأولويات والاحتياجات الحقيقية بما يحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية في المجتمع.

وفي وقف الانهيار الداخلي أيضا على الحكومة أن تتخذ سياسات وإجراءات وتدابير من شأنها أن تعزز ثقة المواطن بالقائمين على إدارة الشأن الحياتي العام، وهذا يتطلب شعور كل فرد في المجتمع بأن لديه نفس الفرصة ونفس الخيارات كغيره من باقي المواطنين، فالعدالة هي أساس ومبتغى الحكم الرشيد، ومحاربة الفساد مهما صغر أبو كبر يكتسب إلى جانب مردوده الاقتصادي العالي قيمة اجتماعية وأخلاقية ومعنوية تحصن أفراد المجتمع ومؤسساته وتمكنه من مواصلة نضاله وصراعه مع الاحتلال، وإعادة بناء الجبهة الداخلية على أسس تحترم حق المواطن في العيش الكريم والفرص المتكافئة، وضمان الحد الأدنى من جودة التعليم، والخدمات الصحية، وتوفير فرص عمل ملائمة والتقليل من نسبة البطالة المتفشية وبخاصة في أوساط الشباب، كإحدى مقومات الصمود والبقاء، وتوفير الأمن الشخصي والعام لكل أفراد المجتمع وتطبيق القانون على الجميع، والتقيد بمبدأ فصل السلطات وعدم التدخل في القضاء وتعزيز استقلاليته ونزاهته وشفافيته، والكف عن تقييد الحريات الفردية والجماعية وتدخل أجهزة الأمن في الشأن العام بطرق ليس لها سند قانوني، وخارج إطار صلاحياتها.

هذا أقل ما يمكن أن نطلبه من حكومة "فصائلية"، ولكن وفي ذات الآن علينا أن نعي تماما بأن كل ذلك لا يمكن أن يتم دون إنهاء الانقسام والاتفاق على برنامج سياسي بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية؛ الإطار الجامع للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده، مع أهمية إعادة صياغة العلاقة ما بين المنظمة والسلطة الفلسطينية، بحيث يتم التأكيد على أن الثانية هي ذراع لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فالواقع الحالي يشير إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المشروع الوطني بشكل عام، فهناك ضرورة لتحديد المهام المطلوبة من السلطة الفلسطينية القيام بها دون الانتقاص من عمل وصلاحيات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

هناك حاجة إلى إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة وعدم الاستفراد بالقرارات، وهذا يبدأ أساسا من إصلاح وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية ركيزتها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى النقابات والاتحادات وحتى الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب الفلسطيني، فلا يمكن أن تكون هذه الهياكل عبارة عن أسماء أو ممالك لهذا الشخص أو ذاك فهي هياكل تمثيلية تأخذ شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها هو ضرورة لحماية المجتمع وتحصين وتمكين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة الشعبية بجميع أشكالها، لأن إبقاء المنظمة على هذا الحال لا يخدم أحدا بل يساهم في تهميشها.

على الرغم من أهمية ايجاد تشكيلة حكومية لإدارة الشأن العام في الأرض المحتلة، وبعيدا عن من سيشارك بها أو ينأى بنفسه عن المشاركة، فإنه وبدون تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الانتخابات والشراكة السياسية الكاملة، والبدء الفعلي بتنفيذ قرارات المجلس المركزي التي صدرت عام 2015، و2018، وتهيئة المناخ وتوفير الإمكانيات المطلوبة لإنهاء الانقسام، والاتفاق على برنامج سياسي أساسه إنهاء الاحتلال، فلا يمكن أن يُكتب النجاح لعمل أي حكومة قادمة لأن الواقع الحالي أكبر من أن تحمله حكومة لسلطة قابعة تحت احتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير