خالد بطراوي يكتب لوطن هلوسات .. الشخصنة

11.02.2019 08:50 AM

 نملك جميعا علاقات صداقة وزمالة وعلاقات إجتماعية وعائلية مع آخرين. ولا شك أن ذلك يتأتى ضمن منظومة من العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل وغيرها من أنواع العلاقات التي تربط البشر بعضهم ببعض. ولا يمكن للفرد منا أن يعيش منفردا منعزلا عن المحيط ويلتقي بصورة يومية أشخاصا يعرفهم وأشخاصا لا يعرفهم وتدور عجلة الحياة وليس من الصدفة أن قيل المثل " الجنة من غير ناس ما بتنداس".

السواد الأعظم من الناس في عالمنا العربي يخلطون بين العلاقات الشخصية والعلاقات المهنية، بل ويعطون الأولوية للعلاقات الشخصية على حساب العلاقات المهنية وفي كثير من الأحيان يعتذرون عن تنفيذ عمل مهني خوفا من أن تتأثر العلاقة الشخصية.
إذا أردت أن تكلف شخصا مهنيا بإبداء وجهة نظره المهنية في مسألة ما تجده يعتذر لك لأن ذلك سيسبب له حرجا مع فلان وفلان. وفي المقابل، إذا قلت رأيك المهني صب عليك هذا وذاك جام غضبه وإعتبر الموضوع "شخصيا" بل وربما يبدأ بالتهجم عليك والتشكيك بمهنيتك وتصل الأمور الى القطيعة التامة حتى المرور من أمامك دون إلقاء التحية رغم أنه يردد دوما أن " السلام لله تبارك وتعالى" ويسبقك للصلاة والمزاحمة في الصف الأول في المسجد.

شخصنة الأمور تأخذ الشكل الأول وذلك عندما تبدي رأيك المهني فيأخذ منك الطرف الآخر موقفا ويعتبر رأيك مساسا به وبشخصيته، وتأخذ أيضا الشكل الثاني وهو عندما يبدي الشخص المهني رأيه ليس من منطلق مهنيته وإنما من منطلق وجهة نظره بصاحب العلاقة فإن كان رأيه به إيجابيا ( أي يحبه) وربما له مصلحة عنده فقد يكتب ما هو لصالحه أو يمدحه وإن كان رأيه بالشخص سلبيا ( أي يكرهه) فقد يكتب في غير صالحه.
وبالتالي فإن الشخصنة هي سلوك متبادل يتعلق بالحكم على الآخرين أو على فكرهم أو وجهات نظرهم أو أي أمر يتعلق بهم من منظار شخصي بعيدا عن الحيادية والمهنية.

كي ينأى البعض عن قول كلمة الفصل والرأي المهني فإنهم يلجأون إضافة الى التهرب نحو الفعل المضاد وهو المديح والثناء ويدخل ذلك في باب "التسحيج" وقد راينا منه الكثير الكثير في الآونة الأخيرة. ومشكلتنا أن من "يسحج" له البعض يعلم تمام العلم أنهم يفعلون ذلك رياءا وتزلفا، ويعلم أنهم سيتركونه "عند أول كوربة" بل وعلى العكس حيث " تكثر السكاكين" عندما "تنخ الذبيحة".
كيف نعزز الإدراك الانساني بأهمية الفصل بين الشخصي والمهني؟ كيف نشجع أولئك الذين يقولون رأيهم المهني بعيدا عن أي إعتبار شخصي ونزيد من عددهم؟ كيف نعزز تقبل الرأي المهني لدينا حتى ولو " لم يعجبنا" ونحترم جرأة الشخص لكونه أبدى رأيا مهنيا صرفا ولا ننعته بأسواْ الأوصاف؟ كيف نحافظ على علاقة الصداقة التي تربطنا معه بل ونعززها إحتراما وتقديرا لهذا الشخص الذي أعاد للمهنية إعتبارها.
يرددون أمامك من على منابر المساجد ونكرر جميعا من وراءهم القول أن فلانا " لا يخشى في الحق لومة لائم" ونحن نراه جبانا رعديدا سحيجا من الدرجة الأولى يصفق لهذا وذاك ويمدح فلانا وعلانا ويهمّش الرؤيا المهنية العلمية ولا يقول الحق.
إن الذي "يشخصن" الأمور يدرك تماما أنه بفعلته فإنما يقوم "بتهميش" الآراء الصائبة مما يقود الى حلول خاطئة، ومع تراكم هذا النهج تضمحل وتتضاءل المبادرات الخلاقة والأفكار النيرة. أما على الصعيد الذاتي فإن " المشخصن" يقلل من قيمته ومن ذاته وكيانه وإنسانيته ومساحته وفضاءه ويكرس ظاهرة سلبية في المجتمع ويعزز من مقولة " قللوا يا فرعون مين فرعنك .... قللوا ما لقيت حدا يردني".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير