ريبورتاج: عقبة نظيفة من البلاستيك.. بيئيون من الأردن وفلسطين يعيشون تجربة بيئية فريدة

16.02.2019 03:40 PM

رام الله- وطن- حسناء الرنتيسي: طبيعة بلا نفايات.. أمل جمعنا في مكان واحد، على طاولة ورشة حول أثر النفايات البلاستيكية على مدننا وبحارنا، خمس شابات بقيادة شاب من المؤسسة الراعية هنريش بل خرجنا معا، لنلتقي بثلة من محبي البيئة وأصحاب المبادرات البيئية الذين أرادوا الحياة خضراء دون شائبة من صنع البشرية..

أقلتنا الحافلة نحو مدينة العقبة لنطلع على تجربة الأردن في محاربة المخلفات البلاستيكية في ورشة تحت عنوان "مخلفات بلاستيكية أكثر من الأسماك في البحار"، لكل مشاركة سجل بيئي مميز يؤهلها خوض التجربة بلقاء خبراء ومختصين بيئيين في محاولة لانضاج السلوك الصحي وتوجيهه كبذرة يقدر لها ان تنمو يوما ما..

بالواقع لم تبدأ الورشة في المكان المخصص لها، إنما كانت النقاشات رفيقة دربنا طوال الطريق من جسر اللنبي للعقبة والذي تخطى الـ 4 ساعات، كل مشاركة تحمل تجاربها الحافلة في العمل البيئي، لأول مرة التقيتُ (كاتبة الريبورتاج) فتيات مفعمات بالنشاط والحيوية، لفتني حرصهن على السلوك الصحي لدرجة التعصب ورواية تجاربهن بشغف.. إحداهن تحمل كيسا قماشيا صديقا للبيئة، وأخرى تحمل قنينة المياه الصالحة للاستخدام مرات عدّة .. والأخرى تتنقل بين كراسي الحافلة للحصول على معلومات أكثر لرغبات دراسية ربما.. بينما أنا أستمع بصمت ومعي قلم صغير يدون ملاحظات على دفتر.

بعد وصولنا للفندق جمعتنا طاولة واحدة لتناول العشاء، التقينا فيها المشاركين من الجانب الأردني، أحدهم لاجئ سوري.

من الجانب الأردني نهض الدكتور محمد الطواها ليرحب بنا ويترك الحديث المطول لليوم التالي.

افترقنا بعد العشاء لنعاود اللقاء مجددا في صباح اليوم التالي، الطاولات مجهزة بأوراق الورشة وعبوات المياه الصغيرة التي استفزت السيدة أمل مدانات صاحبة مبادرة بيئية تحت عنوان "بنفسي بدأت.. نحو أردن خال من النفايات"، اعترضت الجلسة قبل انعقادها وأصرت على ضرورة تبديل عبوات المياه الصغيرة بعبوات كبيرة مبدئيا، مع ضرورة البحث عن بديل فيما بعد كون الفندق يعد صديقا للبيئة..

لا أخفي عليكم أن الأجواء جديدة بالنسبة لي، ذلك الحرص البيئي "المتطرف" أحيانا بدأ يشدني..

الجلسة الأولى ..

الجلسة الاولى كانت بعنوان أثر التلوث البلاستيكي والنفايات الصلبة على النظام البيئي البحري في البحر الأحمر وخليج العقبة، قدمها محمد الطواها من الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية، باشر جلسته بالسؤال "هل لديكم الرغبة بتناول طبق من البلاستيك؟!!" السؤال أثار دهشتنا ووضعنا في عمق الفكرة والتي قصد بها أن الأسماك في البحار التي تشهد تلوثا كبيرا بالنفايات البلاستيكية تتغذى على البلاستيك، وبالتالي نحن نأكل أسماكا يشكل البلاستيك مكونا رئيسيا فيها..

حدثنا عن "الطائر الوطني" وهو المصطلح الذي يطلقه الأردنيون على كيس البلاستيك الذي يتطاير من مكان لآخر مسببا الاختناق لكائنات بحرية وبرية، مرفقا بعض الصور والنماذج التي تفطر القلب.

في محاضرته تناول واقع تصاعد كميات النفايات بشكل جنوني عبر التاريخ.

وقال أن نسبة 60-85% من النفايات البحرية هي نفايات بلاستيكية، وقد كانت نسبة هذه النفايات عام 1950 نحو 1.5 مليون طن، لتتصاعد عام 2010 وتبلغ 280 مليون طن، وبالتالي إذا بقيت الأمور على ماهي عليه فإن هذه النفايات ستصل لوضع كارثي عام 2050.

تكلفة تنظيف الشاطئ عبر الاتحاد الأوروبي وصلت لنحو 60 مليون يورو في السنة، وهذه النفايات متعددة الأشكال، وتصل مدة تحللها لمئات السنين في بعض الأحيان.

الطواها أشار لأنواع متعددة من ادوات الصيد التي تتسبب في كوارث للكائنات البحرية، من السمك والمرجان وما شابه، ومنها الشبك التقليدي الذي يستخدمه الصيادون والذي تكون ثغراته صغيرة بما يسمح باصطياد أسماك صغيرة لا تصلح لشيء انما فقط يتم قتلها.. ، كما انها قد تسقط لقاع البحار فتسبب اختناق العديد من الكائنات البحرية، إضافة إلى مصائد من أقفاص حديدية تحبس الكائن البحري بداخلها حتى الموت.. طرق متعددة ونفايات متعددة الأشكال تتجول على الشواطئ وفي عمق البحار لتقتل جمال الطبيعة وكائناتها دون حق.

كما حذرنا من بعض انواع الكريمات التي يكون "المايكروبلاستيك جزءا من مكوناتها" ككريمات العناية بالبشرة والشعر وما شابه.

 

لوهلة خيّم الصمت على الأجواء، تأثير عرض بعض الصور لاختناق كائنات بحرية ولشواطئٍ في العقبة يقتل جمالها مشهد أكوام البلاستيك الذي يتراكم في مناطق معينة حسب اتجاه انجراف المياه وحركة التيارات الهوائية، كل ذلك كان له وقع الصدمة علينا.

الجلسة الثانية

بعد تلك الجلسة المؤلمة؛ انتقلنا لجلسة حول ادارة النفايات البلاستيكية في الأردن، والتي كانت بإدارة المهندس معتصم سعيدان، أستاذ مشارك لقسم الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة -الجامعة الأردنية، الذي أمطرنا بكم معلومات ضخمة حول الموضوع، وفيه تحدث عن آثار البلاستيك والنفايات الصلبة على مدننا والمحيطات بعنوان "بلاستيك أكثر من الأسماك في محيطاتنا؟"

تطرق الى حجم النفايات التي تخرج من مراكز المحافظات في الأردن والتي يتواجد فيها اللاجئون السوريون بكثافة، والتي تنتج كميات ضخمة من النفايات، حيث يتركز 80% من اللاجئين السوريين في الأردن، وهذا يشكل تحديا للأردن. وتستخدمُ الأكياس البلاستيكية من قبل أكثر من 44 ألف تاجر تجزئة في الأردن، من المخابز إلى الوجبات السريعة والإلكترونيات. يصنّع البلاستيك في الأردن عبر (80 شركة)، يعمل فيها حوالي 2800 شخص في إنتاج الأكياس البلاستيكية، ويبلغ اجمالي كمية الأكياس البلاستيكية في الأردن نحو 13،750 طنًا سنويًا.

مشيرا الى أنه إذا كانت 1٪ فقط من 3 مليار كيس بلاستيك تستهلك سنوياً في الأردن ستجد طريقها إلى البيئة بدلاً من التخلص منها بشكل صحيح، فهذا يعني إلقاء 30 مليون كيس (137.5 طن) ما يشكّلُ عبئا هائلاً على البيئة كل عام.

وقال ان 50% من الأكياس البلاستيكية المصنعة في الأردن يمكن أن يتم تصديرها للبلدان المجاورة، شارحا سيناريو لإدارة هذه الأكياس.

الحالة الأردنية للتعامل مع النفايات كانت تجربة تستحق النقاش، وما لفتني هو كمية الإحصاءات التي تناولت الموضوع بشكل مفصل، بينما شخصيا أعاني بشكل كبير كصحفية حين أرغب بالحصول على إحصاءات في هذا المجال في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الجلسة الثالثة

الدكتورة ريم مصلح تحدثت عن التجربة الفلسطينية حول إدارة النفايات الفلسطينية ما بين الطموح الى الاستدامة والواقع، تحدثت عن أهداف التنمية المستدامة فلسطينيا في ضوء الاستراتيجيات الوطنية.

الهدف السادس من هذه الاستراتيجية هو ضمان توفر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع، بزيادة إعادة التدوير وإعادة الاستخدام المأمونة بنسبة كبيرة على الصعيد العالمي.

والهدف السابع وهو ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة بتحقيق زيادة كبيرة في حصة الطاقة المتجددة في مجموع مصادر الطاقة العالمية.

والهدف 11 بجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة، بالحد من الأثر البيئي السلبي الفردي للمدن، بما في ذلك إيلاء اهتمام خاص بنوعية الهواء وإدارة نفايات البلديات وغيرها.

والهدف 12 وهو ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة بتخفيض نصيب الفرد من النفايات الغذائية العالمية على صعيد أماكن البيع بالتجزئة والمستهلكين بمقدار النصف، والحد من خسائر الأغذية في مراحل الإنتاج وسلاسل الإمداد، بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد والحد بدرجة كبيرة من إنتاج النفايات، من خلال المنع والتخفيض وإعادة التدوير وإعادة الاستعمال.

وأشارت د. ريم غالى آلية التخلص من النفايات الصلبة في فلسطين كنقل وجمع وتخزين، وصولا الى التخلص النهائي في المكبات المعروفة فلسطينيا.

وقالت د. ريم أن النفايات في أيامنا هذه تختلف كليا عن النفايات قديما، فطبيعة الحياة الحالية والاتجاه نحو الحضارة بشكل متسارع دفع لانتاج النفايات بكميات كبيرة تقل نسبتها كلما توجهنا نحو الأرياف والمناطق الأقل تحضرا. مشيرة الى أننا في الضفة وغزة ننتج نحو 4900 طن يوميا من النفايات الصلبة حسب إحصائية لعام 2017.

 

أما عن مصير هذه النفايات فهو يتراوح ما بين التخلص الصحي والحرق دون إنتاج طاقة وهو التخلص العشوائي الأكثر استخداما، إلى التدوير وخفض الإنتاج بكميات قليلة.

وأِشارت د. ريم إلى الخطة الوطنية المتعلقة بإدارة النفايات الصلبة عبر السنوات القادمة كوضع حالي وأهداف مرجوة، وذلك في مجال الجمع والفصل وإعادة التدوير والتخلص النهائي.

وشددت مصلح في محاضرتها على أهمية التوعية المجتمعية عبر شتى الوسائل ومختلف المراحل.

بينما الحقائق المعروضة صادمة من حيث ما يتم تدويره في الضفة وغزة، ففي بعض أنواع الزجاج يوجد ورشتين فقط في الخليل لتصنيع الزجاج الملون.

بينما جمع الكرتون يتم بهدف بيعه إلى اسرائيل، كذلك بعض المنشآت تقوم بجمع وتدوير البلاستيك، والمعادن يتم استخراجها بطريقة غير صحية وتصديرها إلى إسرائيل أو الأردن، فالخردة والحديد معظمها أصبح خارج إطار دائرة النفايات الصلبة.

وأوضحت أن معظم المشاريع ريادية، كما أن جميع المشاريع على المستوى الكبير لم تستمر، وأن العديد من المشاريع الريادية لم تنجح.

وقالت أن البلاستيك يشكل 14.2 % من النفايات الصلبة، ولكن ليست كل الأنواع قابلة للتدوير.

أما عن تحديات تدوير النفايات البلاستيكية فتتمثل في غياب مصانع قادرة على تصنيع العديد من أنواع البلاستيك، إضافة الى أن البلاستيك المدور محدود الاستخدام، ضمن المنظومة الصناعية الحالية والتي تتمثل باللهاث نحو التصدير – عدم السيطرة على الحدود، وكذلك فإن الجدوى الإقتصادية ضعيفة خاصة مع عدم وجود دعم لمشاريع التدوير.

أضف إلى ذلك أن النوعية المنتجة لا تكون كافية للتسويق بسعر منافس. كما أنه لا يوجد سوق كاف محلي للمنتجات المعاد تدويرها. أما عن التخلص من النفايات الصلبة فيكون كالتالي:

الحالة الفلسطينية مكدسة بالإحباط من حيث التعامل مع النفايات في ظل وجود الإحتلال وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي، إضافة الى تحويله لنفاياته للمناطق الفلسطينية بطرق التوائية مع بعض التحديات والمعيقات الداخلية.

الجلسة الرابعة

الجلسة التالية كانت بعنوان نحو إدارة مستدامة للنفايات الصلبة في الأردن تحدثت فيها هتاف ياسين، من الجمعيه الملكيه لحمايه البيئه البحرية، عن الإطار القانوني والجهود والممارسات للتعامل معها في الأردن، وقدمت فيها شرحا مفصلا لطبيعة هذه النفايات وأنواعها، مشيرة الى ان انتاج الاردن للنفايات يقدر بـ3 ملايين طن سنويا، 17% منها من البلاستيك الذي اوضحت خطورته بحسب انواعه، فمنها ما يمكن إعادة تدويره، ومنه ما لا يتحلل نهائيا.

وقالت حتى أن الأكياس البلاستيكية العضوية التي تم ابتكارها كبديل للأكياس العادية لم تحل المشكلة، لأنها يمكن أن تتحلل لذرات بلاستيك.

مشيرة الى أن هناك مبادرة لإنتاج تكنولوجيا جديدة لجمع المواد الغذائية الفائضة لدى الفنادق ووضعها في صندوق كما في الشكل التالي:

وذلك حتى يتسنى توزيعها على المحتاجين على مدار العام، وهي آلية للتخلص من فائض الغذاء بدلا من ضمه للنفايات، وهو غذاء مغلف بشكل جيد وغير تالف من أفخم الفنادق في العقبة.

الجلسة الخامسة ..

المحامية إسراء ترك قدمت مداخلة تحدثت فيها عن القوانين البيئية المحلية والدولية المتعلقة بالنفايات الصلبة وتعليمات استيراد البلاستيك وانتاجه وتداوله وما الى ذلك، رغم أن المواد التي تم عرضها هي مواد قانونية بحتة ومليئة بالتفاصيل، الا أنها كانت صاحبة طريقة فريدة في جذب الحضور ودمجهم بالآفكار المطروحة، بعيدا عن نصوص القوانين الجامدة وتعريف القانون

للنفايات وأحكام من يخالف القوانين بشأنها، فإنها كانت صاحبة الرأي الذي يقول بضرورة وضع غرامات مالية لكل من يخالف القوانين، مؤمنة ان التوعية وحدها لا تكفي، فالعقوبات هي الرادع الكفيل بالحد من السلوكيات السلبية.

وأكدت ترك أن من يحب بلده فإن عليه الحرص على نظافتها، وهو أسلوب تتبعه شخصيا لردع السلوكيات الفردية المنافية للبيئة، تتوجه بالسؤال لمن يلقي النفايات من نافذة سيارته قائلة "هل تحب الأردن؟ّ" فيجيب "نعم" فتطلب منه أن يثبت ذلك بالمحافظة على نظافتها وبيئتها.

الجلسة السادسة ..

أمل مدانات صاحبة مبادرة بنفسي بدأت ... نحو أردن خالي من نفايات"، وهي مبادرة توعية حول النفايات الصلبة والبلاستيكية، حدثتنا فيها عن نفسها وبداياتها في التعامل مع النفايات وعن الدوافع التي ساقتها لتعلن حربها ضد النفايات، بدءا من منزلها ثم محيطها من الجيران والمدارس والمؤسسات.

أمل نموذج ينتمي للبيئة باندفاع لم أشهد له مثيل، تلك المرأة التي تملك من الشغف والطاقة ما لا تملكه امرأة عشرينية، لا ترتجف حين تقف لتعلن احتجاجها على سلوك بيئي سيء، تحارب بملامح وجهها ثم ترفع يدها وتطلب التغيير الفوري.. حضورها مدهش حقا، وقد ساهمت في خلق التغيير بشكل لافت في بعض المدارس والتجمعات والشركات، هي قصة نجاح بحد ذاتها.

 

جولات ميدانية..

في اليوم التالي كان لنا زيارة الى ميناء حاويات العقبة الحاصل على شهادات بيئية عالمية، ذلك المبنى الفخم، المطل على البحر، الذي تشعر فيه بالنقاء والراحة النفسية، يتم فيه استخدام تقنيات حديثة لمعالجة النفايات، والذي يصدر مجلة دورية ويقدم رعايات عدة من باب المسؤولية المجتمعية له في مجال التوعية البيئية ودعم السلوك البيئي السوي..

صورة

خرجنا برفقة مجموعة من الموظفين لشاطئ مليء بالنفايات التي تقذفها المياه والتيارات الهوائية، وبالتالي يشكل هذا المكان أكثر المشاهد القاسية في التلوث البلاستيكي على الشاطئ..

عملنا معا على تنظيف الشاطئ، البحر من أمامنا والطاقة والحيوية في المجموعة المشاركة كانت الحافز للعمل بحب ونشاط..

صورة

بعد تلك المحاضرات المزدحمة بالمعلومات والحوارات كان لا بد من جولة بحرية، كان مرشدنا فيها الأستاذ محمد الطواها، مشاهد لكائنات بحرية من الأعماق عبر القارب الزجاجي، وشواهد حية لمخالفات في الصيد من أقفاص حديدية وأحبال صيد ومصائد شبكية وغيرها، تتربع في الأعماق بينما تتجول الكائنات البحرية في وجودها.

لم يرق للزملاء بعض السلوكيات التي لا تفسير لها، وقد تكون بدافع تفعيل السياحة في المنطقة، كإغراق دبابة في الاعماق وكذلك سفينة ضخمة وطائرة .. يبدو أن ما تلقيناه خلال المحاضرات السابقة الذكر جعلنا نشعر بخطر هذه الاجسام وغيرها من الملوثات على الكائنات البحرية التي لا تستحق هذا الكم من الاضطهاد البشري.

آخر زياراتنا كانت تلك التي قمنا بها لشركة ارباسر، القاعة الصغيرة المبنية بشكل بدائي بسيط، جهاز العرض الصغير الذي يستمر في التوقف عن العمل، المخزن الخلفي الذي أسميناه "مغارة علي بابا" والذي يتم الاستعانة بالادوات الموجودة فيه للشرح، وهي أدوات تستخدم للمساعدة في الحفاظ على نظافة البيئة في العقبة. تحيط بالقاعة أعمال يدوية من صنع الطلبة المساندين لمبادرات الحفاظ على بيئة العقبة.

تأثير وتأثر

أربعة ايام مليئة بالطاقة والشغف كانت كفيلة بامتلاك قلوب الزملاء المشاركين، لقاءاتنا على مائدة الطعام وفي الاستراحات وفي الاسواق، كانت كفيلة بخلق عائلة جديدة تمنيت قضاء أوقات أكبر معها..

انعكست نتائج اللقاءات في كل تصرف قمنا به، عندما تسوقنا حرصنا على شراء الاكياس الصديقة للبيئة، وعندما خرجنا للتنزه على الشاطئ أثارت سلوكيات الناس على الشاطئ استفزازنا، لم ترقنا اكوام قشور "البزر" والأراجيل وأعقاب السجائر، ومصائد السمك غير الشرعية ..

عدنا لمنازلنا وفي كلٍ منا إصرار على التغيير حتى وان كان على مستوياتنا الفردية.. وكأصدقاء بيئيين التقينا في هذه الورشة، فقد جمعنا هدف واحد وشعور موحد تجاه البيئة ومسؤولية جماعية لتصحيح بعض السلوكيات وتسليط الضوء عليها والعمل على محاولة تصحيحها مهما أوتينا من عزم وإرادة.

في بداية الجولة كنت قد تساءلت إن كانت التجربة هذه تستحق، ووجدت أنني التقيت بكنوز بشرية أصبحوا أصدقائي فيما بعد، أتابع منشوراتهم وأتفاعل مع أفكارهم وأطبقها على نفسي وفي بيتي مستمدةً الشغف منهم..

الأسماك في البحار التي تشهد تلوثا كبيرا بالنفايات البلاستيكية تتغذى على البلاستيك، وبالتالي نحن نأكل أسماكا يشكل البلاستيك مكونا رئيسيا فيها... 60-85% من النفايات البحرية هي نفايات بلاستيكية.

في المستوى الفلسطيني، الحقائق صادمة من حيث ما يتم تدويره في الضفة وغزة، ففي بعض أنواع الزجاج يوجد ورشتين فقط في الخليل لتصنيع الزجاج الملون. بينما جمع الكرتون يتم بهدف بيعه إلى اسرائيل، كذلك بعض المنشآت تقوم بجمع وتدوير البلاستيك. أما المعادن فيتم استخراجها بطريقة غير صحية وتصديرها إلى إسرائيل أو الأردن، فالخردة والحديد معظمها أصبح خارج إطار دائرة النفايات الصلبة. جميع المشاريع على المستوى الكبير لم تستمر، والعديد من المشاريع الريادية لم تنجح.

التحديات الفلسطينية تتمثل في غياب مصانع قادرة على تصنيع العديد من أنواع البلاستيك، إضافة الى أن البلاستيك المدور محدود الاستخدام، ضمن المنظومة الصناعية الحالية. وفي ظل مع عدم وجود دعم لمشاريع التدوير، فإن الجدوى الإقتصادية ضعيفة.

 

 

"خاص بآفاق البيئة والتنمية"

تصميم وتطوير