خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": أخ يا عيني

18.02.2019 07:32 AM

يقال أن رجلا قد جاء إلى الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وقد فقئت عينه يشتكي من فعل به ذلك، وقد أشفق الصحابة الحضور رضوان الله عليهم على هذا الرجل وتوقعوا أن يحكم عمر بن الخطاب له، ولكن عدل عمر بن الخطاب جعله يقول " انظروا لذلك الذي فقأ عين هذا الرجل ... فقد تكون قد فقئت عيناه".

تلك مشكلة أغلبنا أيها الأحبة، نتسرع الحكم على الأمور ونكتفي بسماع الرواية الأولى دون ان نستمع الى الرواية الأخرى.
ذلك الذي أتى الى الخليفة عمر بن الخطاب مشتكيا قد حقق هدفه بأن يحصل على تعاطف وصك براءة مسبقا من الجالسين في حضرة الخليفة هديا بمقولة " ضربني وبكى سبقني وإشتكى" . وكان من الممكن أن يتنافخ الخليفة "شرفا" ويأمر بدق عنق ذلك الذي فقأ عين هذا الرجل، ألا أنه تريث قليلا ولفت نظر الحضور "شلة السحيجة" أو " البطانة الصالحة"  - سموها ما شئتم - الى أنه يتوجب أن نلتقي الطرف الآخر فربما تكون قد فقئت له ليس عينا واحدة بل إثنتين.

مشكلتنا أيها الأحبة في "رأس النبع" في عالمنا العربي. ففي ظل إنعدام سيادة القانون وإحترام للسلطة القضائية فان مطلق العنان هو "للظل العالي" أو " الباب العالي" فيتخذ قرارته وفقا لرؤيته وإستنادا الى رواية قد لا تكون حقيقية من " البطانة الصالحة" و" السحيجة" والى حد ما " الشبيحة" وتقارير العسس والمخبرين.

مشكلتنا أيضا أيها الأحبة في هذا النهر الجارف من الغوغائية والديماغوجيا التي تغلفنا فنتسرع في إطلاق الأحكام وتوصيف الأمور وتتدحرج كرة الثلج لتكبر وتكبر وعندما تنتهي الى مستقرها تذوب رويدا رويدا وعندما يذوب الثلج " يبان المرج" كما يقولون وعندها نكتشف أن ما ذهبنا إليه من توصيفات وإطلاف أحكام كان متسرعا وجراء ردود فعل موتورة ولا يوجد لدينا مطلقا ثقافة الاعتذار ونصر على ما ذهبنا إليه من رأي جزافي وفعل أخرق بل ونبرره هديا بمقولة " عنزة ولو طارت" أو " أخذته العزة بالإثم".

كم من الارواح زهقت جراء روايات كاذبة، كم من الأشخاص لحقهم الاذى قدحا وذما وتشهيرا ما إضطر بعضهم الى مغادرة البلد، كم من الأشخاص ظهروا في مقابلات صحفية وأول ما قالوه كان إقتباسا من القرأن الكريم من سورة الحجرات تحديدا وبعد بسم الله الرحمن الرحيم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" وهم أنفسهم من حرفوا الحقائق والوقائع ولم يعبروا فيما بعد عن ندمهم بل ويزاحمونك في الصلاة في الصف الأول في المسجد.

وتأتي الطامة الكبرى عندما يكون من فقئت عينيه الاثنتين من المسحوقين في المجتمع حيث لا يوجد له "سند قوي" عند الباب العالي ولا يعرف من "البطانة الصالحة" أو " السحيجة" أحدا ولا ينتمي لهذه الجماعة أو تلك أو لهذا الفصيل أو ذاك ... عندها يختفي حقه وربما يختفي هو بنفسه مع مزيد من التأويلات حول ظروف إختفاءه التي تصل الى القول أنه " وجد مشنوقا" أو "إنتحر".
وكان المفكر كارل ماركس قد قال يوما " التاريخ يعيد نفسه مرتين ... في المرة الأولى كمأساة ... وفي الثانية كمهزلة" فالزمن دوار أيها الأحبة. 

إستمعوا الى أغنية وديع مراد الرائعة التي تقول " كتاب الماضي ..  راح انطوى ... والزمن دوّار" وإنتبهوا جيدا لأعينكم.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير