لدى بريطانيا الكثير لتعتذر عنه عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني

18.02.2019 11:00 AM

كتب كامل حواش- ترجمة خاصة وطن - آلاء راضي:  لم تتخلّ بريطانيا عن الفلسطينيين فقط في مواجهة "الإرهاب الصهيوني" منذ  عام 1948، بل استمرت في إنشاء علاقات صداقة مع الدولة التي تضطهدهم.

لقد ترك الاستعمار البريطاني في الماضي بصماته في أجزاء كثيرة من العالم، لكن معظم الشعوب التي حكمتها حصلت على استقلالها بعد مغادرة بريطانيا  باستثناء الفلسطينيين.

وبدلاً من ذلك، وعدت بريطانيا بوطن للحركة الصهيونية من خلال وعد بلفور عام 1917، حتى قبل احتلالها لفلسطين التاريخية، وقد فعلت بريطانيا ذلك دون استشارة الحركة الصهيونية، لكن حتى يومنا هذا ترفض بريطانيا الاعتذار عن دورها في المأزق المستمر الذي سببته للفلسطينيين.

كان ازدراء بريطانيا للفلسطينيين آنذاك ملاحظاً للجميع في الإعلان نفسه  والذي تحدث عن "وجهة نظر حكومة جلالة الملك بتأييد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسيبذل قصارى جهده لتسهيل هذه المهمة"، ولم يكن هناك أي ذكر أن " هذا الأمر يترك  لنا لمناقشته مع الأشخاص الذين يسكنون الأرض حالياً". على العكس لم يكن هناك ذكر للفلسطينيين حتى بالاسم.

سياسات توسعية

واستمر الإعلان في تأطير دعمه  مشيراً إلى أنه "لن يتم فعل أي شيء يمكن أن يمس الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين  أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".

لم يقر الإعلان أنه في ذلك الوقت  شكلت "المجتمعات غير اليهودية" حوالي 90% من السكان، ورأت بريطانيا أن الفلسطينيين الأصليين لا يستحقون نفس الحقوق مثل اليهود الذين لم يصلوا بعد لفلسطين.

عندما غادرت بريطانيا فلسطين في عام 1948  لم يكن العرب الفلسطينيون هم السكان الأصليين للأرض الذين أعلنوا استقلالهم، بل الأجانب الذين استولوا على الأرض من خلال الإرهاب وطرد أكثر من 700000 فلسطيني إلى الدول المجاورة.

في حين تم إنشاء إسرائيل على مساحة أكبر بكثير من الأرض (78%) مقارنة مع خطة التقسيم للأمم المتحدة المخصصة لليهود، فإنها تسيطر الآن على فلسطين التاريخية بالكامل بعد احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في عام 1967 من خلال تطبيق سياساتها  التوسعية، كما تسيطر على جميع نقاط الدخول والخروج  وقد أدخلت أكثر من 700000 مستوطن إلى الأراضي المحتلة من خلال ما يعتقد الكثيرون أنه سلسلة من جرائم الحرب.

اعتقد الفلسطينيون أن الذكرى المئوية لإعلان بلفور ستكون فرصة لبريطانيا للتكفير عن خطيئتها والاعتذار للفلسطينيين عن وعدهم بأرضهم، في الوقت الذي لا يقومون بمساعدتهم  في الحصول على حقوقهم، لكن الحقيقة تقول أن بريطانيا ليست في حالة مزاجية للاعتذار.

بمناسبة وعد بلفور "بكل فخر"

تحدثت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في حفل عشاء أقامه أصدقاء حزب المحافظين قبل الذكرى المئوية لوعد بلفور، وقالت إنه "ذكرى سنقيمها بكل فخر". ولم يكن هناك سوى ذكر مختصر جداً حول الفلسطينيين: "لذا بالطبع يُعتبر الناس على صواب عندما يقولون إن ضمان حقوق الفلسطينيين والدولة الفلسطينية لم يتحقق بعد".

لقد سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تقديم اعتذار بل وهدد بمقاضاة بريطانيا على الإعلان الذي وصفه بأنه "وعد مشؤوم" يستند إلى "انتقال مئات الآلاف من اليهود من أوروبا وغيرها إلى فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، الذي عاش آباؤه وأجداده منذ آلاف السنين على أرض وطنهم". لكن في النهاية كان تهديد عباس  فارغاً وغير مجد.

في الواقع، احتفلت بريطانيا بالذكرى المئوية خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لها والتي زعمت أنه إحياء ذكرى وليس احتفال.

وعندما تطرح مسألة الاعتذار عن وعد بلفور مع ممثلي الحكومة البريطانية، فإن الجواب عادة هو أنه إذا اعتذرت بريطانيا عن هذا الوعد فأين ستتوقف بعدها إشارة إلى تاريخها الاستعماري الطويل؟

إذا كان هذا المنطق مقبولاً  لدى البعض فإنه يجب تطبيقه حتى مع عدم قبول الفلسطينيين له، لكن هذا ليس هو الحال، فقد أصدرت بريطانيا مؤخراً اعتذاراً لليهود، حيث وضح وزير الخارجية جيريمي هنت: "كانت هناك بعض اللحظات السوداء عندما ارتكبنا خطأ مثل الكتاب الأبيض لعام 1939، الذي منح عددا معينا من التأشيرات لليهود الراغبين في الذهاب إلى فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني ".

النقد غير المجدي

كيف لبريطانيا أن ترفض الاعتذار عن معاناة الفلسطينيين المستمرة بسبب وعدهم للصهاينة، بينما تعتذر فعلياً عن الحد من عدد التأشيرات لليهود في فلسطين؟

تزعم بريطانيا أنها صديقة لإسرائيل وتتصرف من منطلق الصداقة معها، لكنها لم تعلن أبداً عن نفسها صديقاً للشعب الفلسطيني. فلم لا؟

إنها تريد أن ترى إسرائيل تزدهر وستبذل ما بوسعها لحمايتها من المساءلة في المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأكثر ما ستفعله هو انتقاد سياسات إسرائيل، لكن دون اتخاذ أي إجراء ذي جدوى للضغط عليها، كما يتضح من تصريحاتها بشأن المستوطنات.

لقد استثمرت بريطانيا في التجارة المتنامية بين البلدين بشكل مرتفع، دون الضغط على إسرائيل لإنهاء خرقها المعتاد للقانون الدولي.

وقد هرعت بريطانيا للاتفاق على صفقة تجارية مع إسرائيل، التي أعلنها وزير التجارة الدولية ليام فوكس في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "بينما تستعد بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي وضمان استمرارية أعمالنا في كلا الاتجاهين، وصلنا إلى اتفاق من حيث المبدأ مع اصدقائنا في إسرائيل" علماً أن المملكة المتحدة تشارك في الوقت الحالي على علاقة تجارية بقيمة 10 مليار جنيه إسترليني (12 مليار دولار) مع إسرائيل.

لم يكن هناك أي ذكر لتوقف الاستمرار في بناء المستوطنات غير القانونية وهدم المنازل  وقتل المتظاهرين المسالمين أو سن قانون الدولة القومية العنصري. كما يعلن الوزير بعد الاَخر أن إسرائيل لديها حق مطلق في الدفاع عن النفس ولكن لم يدين أي منهم لقيامه بقتل المسعفة رزان النجار أو الصحفي ياسر مرتجى على حدود غزة.

التخلي عن الفلسطينيين

لم تتخلّ بريطانيا فقط عن مواجهة الإرهاب الصهيوني في عام 1948، بل استمرت في إقامة علاقات صداقة مع الدولة التي تضطهدها والتي أعلنت عن نفسها دولة عنصرية من خلال سياساتها وصدور قانون الدولة القومية.

هناك القليل من الإجراءات لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق حقوقهم الطبيعية، فإذا كانت بريطانيا ترى الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين متساوين كونهم بشر،ا فلماذا تستمر في دعمها بفخر للطرف الأول بينما تتجنب الدعم للطرف الاَخر؟

لدى بريطانيا الكثير لتعتذر عنه عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني ولكن حان الوقت أيضاً لأن تعمل على الضغط على "صديقتها وحليفتها" في إنهاء حكمها الإجرامي على الفلسطينيين.

المصدر: Middle East Eye

تصميم وتطوير