خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": الوطن يا صفية

04.03.2019 08:00 AM

في رواية الكاتب الفذ الكسندر بك بعنوان " الرعب الجرأة" يقول آمر الكتيبة ماميش أوغلي أن " الوطن ... هو الانسان".
وفي روايته الشهيرة "كيف سقينا الفولاذ"  يقول نيقولاي أستروفسكي أن "الحياة اعزّ شيء للإنسان. أنها توهب له مرة واحدة، فيجب أن يعيشها عيشة لا يشعر معها بندم معذب على مر السنين التي عاشها، ولا يلسعه العار على ماضٍ رذل تافه، وليستطيع أن يقول وهو يحتضر: كانت حياتي، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم: النضال في سبيل تحرير الانسانية".
أما في روايته "عائد الى حيفا" فيخاطب الشهيد غسان كنفاني صفية بالقول " أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ .... الوطن أن لا يحدث ذلك كله".
فما الذي يحدث أيها الأحبة؟

طفل يشتهي ساندويشة شاروما .... ليس معه إلا ثلث ثمنها تقريبا ... لا يريد الشاورما التي تصنعها أمه في المنزل بما توفر ... يريد تلك الشاورما على "سيخ" الشاورما في المدينة مع كل ما يراففها من إضافات .... يغادر مدرسته في المخيم ولا يداوم ... يصل الى المدينة ... يقف قبالة "سيخ" الشاورما ... يشاهد الجميع يشتري وبضمنهم أطفال ... بينما يقف متفرجا.
يقترب من سيدة يقول لها " خالتو معي شوية مصاري وبدي شاورما " لم يقل لها أنه جائع، لم يقل لها أنه لا يملك نقودا .... بل أبرز ما معه في راحه يده ... تذهب السيدة وبالكاد تحبس دموعها تسألة هل تريد سندويشة أو إثنتين ... يجب سندويشة واحدة .. تلح عليه ... يؤكد أن سندويشة واحدة تكفيه لم يطلب المزيد، تستفسر منه السيدة ماذا يريد أن يشرب معها، يجب أنه لا يريد شيئا .. يرفض أخذ علبه كولا أو عصير أو حتى زجاجة ماء ... فقط يريد سندويشة شاورما " شراك" ... تشتري له السيدة ما يشتهي ... يشكرها .. تذهب مبتعدة كي تجهش بالبكاء.
الوطن يا صفية ... أن لا يحدث ذلك.
الوطن هو الانسان.
كانت حياتي، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم: النضال في سبيل تحرير الانسانية.
طفلة تمسك يد والدتها تجحش بالبكاء بينما تشدها والدتها مبتعدة عن بسطة تبيع من بين ما تبيعه طلاء ألاظافر ... يزداد بكاء وضراخ الطفلة إذ أنها تريد أن تشتري زجاجة طلاء اظافر بلون " فوشي". يسرع صاحب البسطة ويعطي الطفلة الزجاجة، تحاول السيدة إعادتها يصر البائع، تفتح حقيبتها علها تجد شيئا بديلا فليس معها من النقود إلا أجرة العودة الى المنزل يقول لها البائع " ولو يا أختي" يسرع ويعطي الطفلة زجاجة طلاء اظافر أخرى بلون "أحمر" ويقبّل يد الطفلة.
الوطن يا صفية ... أن لا يحدث ذلك.
الوطن هو الانسان.
كانت حياتي، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم: النضال في سبيل تحرير الانسانية.
طالبة جامعية تجلس في مكان عام تنتظر إنتهاء الدوام الجامعي كي تعود لمنزلها كما لو أنها كانت في الجامعة ببساطة لأن والدتها أعطتها أقل من نصف أجرة الطريق الى الجامعة وقالت لها " دبري حالك" .. فكان ان دبرت حالها ولم تذهب للجامعة وأصبحت تذهب فقط كلما قامت بتجميع أجرة الطريق ذهبا وإيابا.
الوطن يا صفية ... أن لا يحدث ذلك.
الوطن هو الانسان.
كانت حياتي، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم: النضال في سبيل تحرير الانسانية.
يقول قائل ... لم نصل الى مرحلة الجوع بعد؟ واتساءل .. ولماذا علينا أن نصل الى مرحلة الجوع؟ وهل علينا أن نجوع؟
ويقول أخر ... طلاء ألأظافر حرام شرعا ... فأقول له .. تبا لك طفلة تشتهي تزيين أظافرها .. طفل يشتهي شاورما من محل الشاورما ... طالبة جامعية لا تملك أجرة الطريق.
بصراحة ... تبا لنا جميعا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير