لم التباطؤ في زيارة سوريا؟

05.03.2019 02:44 PM

كتب: جعفر صدقة

لم يعد خافيا على احد إن الأمور في سوريا بدأت تستقر لنظام الرئيس بشار الأسد، ولم تعد مجدية المفاضلة بين استمرار النظام القائم أم تغييره، ليس فقط لاتجاه الأمور نحو الحسم لصالح الأسد، وإنما استمرار للموقف الفلسطيني المحايد من الملف السوري منذ بداية الأحداث قبل نحو سبع سنوات، وان كان في الباطن يشكك كثيرا بنوايا المناوئين للنظام، ولا يجد فيهم من يحمل تغييرا محمودا، لا لسوريا ولا للقضية الفلسطينية، ولا لخير العرب جميعا، وان كان هاجسنا في كل ذلك هو حماية الفلسطينيين هناك، أو على الأقل تجنيبهم الأسوأ، ونجحت الدبلوماسية الفلسطينية في ذلك.

أما وقد لاقى هذا الموقف تقديرا، متعاظما، من قبل السوريين، نظاما وشعبا، وقد بدأت الحرب تضع أوزارها، وتوشك سوريا على الدخول في ورشة ضخمة من إعادة الاعتمار، فقد حان الوقت للسعي لقطف ثمار الجهد الدبلوماسي على مدى السنوات الماضية.

واذا كان الزعماء والدبلوماسيون العرب، يتقاطرون إلى دمشق، سرا وعلانية، بما في ذلك من دول لطالما ناصبت النظام السوري القائم العداء، وأمدت المنظمات "الإرهابية" بالمال والرجال والسلاح، في محاولة لاستدراك ما يمكن استدراكه من العلاقة مع بشار الأسد، وقد بات وضاحا إن الأمور آيلة إليه لا محالة، فحري بالرئيس محمود عباس، وهو الذي حافظ باقتدار وصبر وأناة على الحياد في هذه الأزمة، أن يكون أول الزائرين لدمشق، ولقاء سيدها بشار الأسد، علنا وعلى رؤوس الأشهاد، أولا: لإعادة ترتيب أوضاع الفلسطينيين هناك، ولملمة جراحهم، وتأمينهم، وقد كانوا جزءا من نسيج المجتمع السوري، لهم ما للسوريين وعليهم ما على السوريين، وهو واقع فريد مقارنة مع إخوانهم اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى.

أما ثانيا: فقد اتفقت معظم الدراسات والتقديرات، الدولية والإقليمية والمحلية، إن كلفة إعادة إعمار سوريا لن تقل عن نصف تريليون دولار (500 مليار دولار)، فقد طال التدمير كل القطاعات: ثلث المنازل دمرت، جزئيا أو كليا. نصف المستشفيات والمراكز الصحية والمدرس . الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي . قطاع الزراعة . قطاع النفط والغاز.

وان كان القطاع الأخير (النفط والغاز) قد حسم للشركات الروسية والإيرانية، تقريبا، فان باقي القطاعات مفتوحة لغيرهما من الدول، ولم تخف الحكومة السورية حرصها على إعطاء الأولوية في فرص الاعمار لشركات الدول التي دعمت سوريا في حربها متعددة الجبهات، أو على الأقل الدول التي نأت بنفسها عن دعم الحركات المعارضة، وان كنا سنضع أنفسنا في مكان بين هؤلاء وهؤلاء، فقد كنا اقرب إلى النظام منا إلى المعارضة، وتفضيل استقرار سوريا على تغيير يدفع المنطقة إلى المجهول، ويزج قضيتنا في متاهات جديدة لها أول وليس لها آخر.

وعليه، فقد باتت زيارة الرئيس إلى سوريا مطلبا حيويا، سياسيا واقتصاديا، لكنها لا تكفي، إذ على القطاع الخاص أن يكون أكثر حرصا ونشاطا للحصول على حصة من إعادة اعمار سوريا، ومهما بلغت تلك الحصة، ستكون مهمة للاقتصاد الفلسطيني الصغير، الذي لا يتجاوز حجمه 13 مليار دولار.

وان كان مطلوبا من الحكومة السعي بجدية لعقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع سوريا، وعدم إضاعة جهدها ووقتها في السعي لاتفاقيات مع دول لا فائدة منها، كالصين مثلا، فان على القطاع الخاص أيضا عدم إضاعة جهده "بفشخرة كاذبة" بتشكيل مجالس إعمال مشتركة مع دول نعلم جميعا أن فرصنا فيها ضعيفة إن لم تكن معدومة، وعقد مؤتمرات لمجرد السياحة هنا وهناك، وبدلا من ذلك القفز فورا إلى دول نحظى فيها بفرص أفضل، وعلى رأسها سوريا.

كذلك، نعلم جميعا ضعف إمكانيات الشركات الفلسطينية، وخصوصا شركات المقاولات، وهي جميعا قاصرة، بشكل منفرد، عن الوفاء بمتطلبات تنفيذ مشاريع ضخمة، وان كان من الصعب ضخ رأس مال جديد في هذه الشركات في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، فليس اقل من تشكيل تحالفات فيما بينها لتعزيز إمكانياتها وقدراتها وفرصها في الولوج إلى السوق السورية، والمبادرة فورا إلى تشكيل أجسام مشتركة بين المؤسسات التمثيلية للقطاع الخاص الفلسطيني، ونظيراتها السورية، وأظن أن الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي "بيكا"، حديثة التأسيس، يمكن أن تلعب دورا رائدا في هذا المجال.

على مدى عقود، كان الجهد الدبلوماسي الفلسطيني منصبا على حفظ مستوى جيد من العلاقات مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، طمعا في الدعم المالي، النقدي، الذي تقدمه لمنظمة التحرير، وحاليا لخزينة الحكومة، لكن ثبت قطعا أن هذه التدفقات لم يعد دورها عن المساهمة في إبقائنا على قيد الحياة دون أي أثر حقيقي على الاقتصاد الفلسطيني، ولم تنجح كل الاتفاقيات العربية الجماعية، والثنائية مع هذه الدول، في تأسيس علاقة اقتصادية تتضمن أي مستوى من التكافؤ، وفائدتها على مختلف قطاعاتنا الاقتصادية تكاد نكون معدومة، وعلى كل حال، فان الدعم المالي المتأتي من هذه الدول في تراجع مستمر، وما بقي منه أصبح مسخرا لخدمة السياسات العدائية الإسرائيلية والأميركية ضد الشعب الفلسطيني.

الأولى، حاليا، أن ينصرف الجهد نحو دول لنا فيها فرصا اقتصادية وتجارية حقيقية عائداتها اعم واشمل من المساعدات النقدية الاغاثية، وتقوم على أساس المصلحة المشتركة وليس المنة، كسوريا، والعراق، وليبيا، وشمال ووسط إفريقيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير