خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": علمه الصيد

11.03.2019 07:30 AM

الى أين يسير المجتمع الفلسطيني؟ ما هي توجهات الكيان الفلسطيني؟ هل هي توجهات تعزز الرأسمالية أم أنها توجهات إشتراكية؟ هل نريد كيانا للبرجوازيين والنخبة أم كيانا للعمال والفلاحين والكادحين؟ ما مصير الثوابت الفلسطينية بدءا من القدس ومرورا بحق العودة وبالافراج عن الأسرى والمعتقلين؟

الأفق السياسي وبكل صراحة ... مسدود، موازين القوى في العالم ليست في صالح القضية الفلسطينية بل على العكس ضدها، حكومة تسيير أعمال ما زالت تؤدي مهامها منذ فترة جراء خطأ سياسي كبير تمثل في إقالة الحكومة قبل إجراء الترتيبات لتشكيل حكومة جديدة ( لا تبع سيارتك القديمة قبل أن تشتري السيارة الجديدة) حيث أعلن البارحة فقط عن تسمية رئيس وزرائها وأسرع فصيل فلسطيني الى الاعلان عن عدم إعترافه بحكومة الدكتور محمد إشتيه. حالة الإنقسام تتكرس وتتعزز ولا يوجد أفاق إنفراج على الاطلاق بل وعلى العكس يوجد تصعيد وإجراءات واجراءات مضادة لا تبشر أبدا بإمكانية تحقيق لحمة شطري الوطن. حتى الان مصير الرواتب التي تشكل أساس القوت اليومي لقطاع الموظفين ما زال مجهولا.

تصعيد إسرائيلي غير مسبوق على كافة الأصعدة يهدف الى إحكام السيطرة على الأرض والحدود والإقتصاد بل وحتى الأوكسجين الذي نتنفسه، ولا بد لنا من الإشارة الى نجاح اللوبي الصهيوني في التأثير على السياسات العالمية في ظل تقصير واضح للدبلوماسية الفلسطينية. وبكل حنكة ودهاء يغذي الاحتلال حالة الانقسام ويسيطر على مظاهر الغليان على صفيح نار هادئة بين الفينة والأخرى.

حالة تردي عربي نشهدها يوميا تعيدنا الى العصور القديمة وحكم العسكر ومحاكم التفتيش والتعذيب والتصفية الجسدية في إبتعاد واضح عن قضية الشعوب العربية المركزية ألا وهي قضية فلسطين. تشديد الخناق على اللاجئين الفلسطينين في مخيمات الشتات في الدول العربية وصلت الى منع الطلاب من اللاجئين من الدراسة في المدارس خارج المخيمات في لبنان.
على الصعيد الداخلي، فصائل العمل الوطني أكثر ما نسمع عنها في إحتفالات إنطلاقاتها حيث تزداد إبتعادا عن هموم الجماهير وتهتم أكثر ما تهتم بمخصصاتها الشهرية ولديها ولشديد الأسف القدرة الفائقة على أن توجه بوصلتها تماما كما نبتة عباد الشمس نحو "حنفية التمويل" بغض النظر عن جهة التمويل عربية كانت أم أجنبية أم فارسية أو خليجية أو غيرها.

يتجه الكيان الوطني الفلسطيني أكثر فأكثر نحو التوجه الرأسمالي وتعزيز قطاع الخدمات على حساب قطاع الانتاج. تتغطرس البنوك وشركات الخدمات وتترعرع ثقافة الاستهلاك ويزداد عدد المستوردين لكل ما هب ودب من السلع ويقل عدد الشركات المنتجة وتحكم السلطة الوطنية قبضتها على السلع الاستهلاكية الرئيسية كالوقود والإسمنت والتبغ وتتحكم في أسعارها بما يضمن لها الحفاظ على مداخيل ثابتة دون عناء.

يزداد تدفق الخريجين من الجامعات والمعاهد وتنحسر فرص العمل وبالكاد يكاد الحد الأدنى للأجور أن يغطي مصاريف ذهاب وإياب العامل أو الموظف من منزله الى مكان عمله وتمكنه من شراء وجبة خفيفة أثناء العمل. وتزداد البطالة ومعها تزداد المشاكل المجتمعية والتعاطي ويسعى البعض للبحث عن عمل في الخارج.

ما العمل؟ أمام هذه الصورة القاتمة وأمام كل هذه المعادلات الفلسطينية والعربية والاسلامية والدولية؟
نحن أولا بحاجة الى إعادة صياغة توجه الكيان الوطني الفلسطيني بدلا من التوجه الى الرأسمالية ورأسمالية الدولة الاحتكارية ومونوبوليا الاحتكارات وإثراء شريحة الكمبرادور الى التوجه الاشتراكي وتعزيز دور ومكانة الطبقة العاملة والفلاحين وجماهير الكادحين فهم وقود النضال الوطني الفلسطيني وبناة الكيان. نحن بحاجة الى تطوير سياسات تحد من غطرسة رأس المال وقطاع الخدمات وتسعى الى إحداث تنمية بنكهة خاصة تحاكي الحاجة الفلسطينية وهي التنمية من أجل تعزيز الصمود المقاوم وليس جعل السوق الفلسطينية مرتعا إستهلاكيا لكل سلع العالم، نحن بحاجة الى تعزيز قطاع الانتاج والصناعات والحرف وذلك بالحد من عملية الاستيراد لما هو متوفر محليا مع تطوير المواصفات... نحن بحاجة الى خطة أستراتيجية لاعادة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وبضمن هذه الخطة تفعيل الدبلوماسية الفلسطينية بدلا من إنشغال سفاراتنا بخلافاتها الداخلية بين موظفيها كما يتناهى على مسمعنا بين الفينة والأخرى ونأمل أن يكون ذلك كله من باب الاشاعات ليس أكثر. ونحذر هنا من محاولات الادارة الأمريكية وزبانيتها من إيجاد بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية أو أيجاد حالة إختراق لتمرير صفقة القرن الهلامية عبر ضغوط أوروبية تمارس تلميحا وتصريحا همزا ولمزا يسمعونها لرجال الأعمال واصحاب روؤس الأموال.

لا يجدي نفعا البته أن تستمر عملية إدارة مجتمعنا الفلسطيني "ع السبهلله" حيث نحتاج الى بلورة رؤى أستراتيجية لكل قطاع من القطاعات المجتمعية تحت العنوان العريض " التنمية من أجل الصمود المقاوم" وعندها نستطيع أن نعيد قضيتنا الفلسطينية الى مكانتها التي كانت عليه دوليا وإسلاميا وعربيا وداخليا.

وفي هذا المضمار لا بد من إعادة النظر في ثقافة "الشحدة" السائدة داخل المجتمع، فبدلا من أن نكرس عملية تقديم المعونات على نحو متجدد يوميا أو شهريا، لنشجع روح العمل والمشاريع الصغيرة المدرة للدخل على هدي مقولة " بدلا من أن تطعمه السمك ... علمه الصيد"، ولعل مبادرة أحد البنوك العاملة في فلسطين مؤخرا بمنح قروض إنتاجية للنساء بـ "صفر فائدة" مبادرة تستحق أن تشكل نموذجا إن تكللت بالنجاح ولم يجر خنق المقترضات بالعديد من الضمانات.

الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني طاقات وإبداعات ... أطلقوا لهم العنان ... شدوا على أياديهم .... أعطوهم الفرصة ... وإبتعدوا عن التمسك بمقولة "حنكة وخبرة الآباء" .... سلموهم الدفة ... فهم يعرفون أكثر منا.
ما بحرث الأرض إلا عجولها .. وما ببقى في الوادي إلا حجاره. والسلام ختام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير