بعد 70 عاماً من النكبة.. ماذا لو تم عرض "ويلز" البريطانية كوطن لليهود بدلاً من فلسطين؟

11.03.2019 12:16 PM

كتب: كامل حواش

ترجمة خاصة - وطن/ ترجمة: الاء راضي

دعم وعد بلفور إقامة وطن يهودي في فلسطين منذ مائة عام، فلنتخيل لو كان التاريخ قد أخذ منعطفاً آخر وقدم منظوراً جديداً لنا في هذا الشأن بالذات. 

في 2 تشرين الثاني عام 1917 ، أرسل وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور رسالة إلى اللورد والتر روتشيلد، وهو صهيوني بارز والذي أصبح يعرف باسم وعد بلفور، وفيه هذه الرسالة وعدت الحكومة البريطانية الصهاينة بإقامة دولتهم في فلسطين وفعلت ذلك دون استشارة الفلسطينيين أو اليهود البريطانيين أو السكان البريطانيين ذو الغالبية الأكبر، وبينما كان العرب الفلسطينيون في ذلك الوقت يشكلون 90 % من سكان فلسطين البالغ عددهم 700,000 نسمة ، إلا أنه من الغريب تمت الإشارة لهم باسم  "المجتمعات غير اليهودية القائمة"، وتم الحديث في الرسالة أنه "لا ينبغي القيام بأي شيء للإضرار بحقوقهم المدنية والدينية".

كان لإعلان بلفور تأثير كارثي على الفلسطينيين، وأدى ذلك في النهاية إلى إقامة إسرائيل في عام 1948، حيث تم طرد الفلسطينيين من منازلهم  وكان ذلك معظمه من خلال أعمال الإرهاب اليهودية.

أقل ما يتوقعه الفلسطينيون في الذكرى المئوية من البريطانيين سيكون بعض الندم والاعتذار، لكن حكومة تيريزا ماي لم ترفض فقط الاعتذار نيابة عن المملكة المتحدة البريطانية، بل إنها تخطط أيضاً "لجعلها مميزة وبكل فخر" كما أخبرت جماعة أصدقاء حزب المحافظين الموالين لإسرائيل في كانون الأول 2016.

وفي هذا الأسبوع ستنضم تيريزا ماي  إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو  لإحياء الذكرى المئوية إلى جانب مجموعات مؤيدة لإسرائيل في لندن.

ليس لبريطانيا الحق في تقديم فلسطين للصهاينة، كما يرفض الفلسطينيون المزاعم التي تدعي بأن اليهود لديهم حق دائم في العيش في فلسطين. وهذا يثير عدة اسئلة فمثلاً، هل يحق لجميع المسلمين "العودة" إلى المملكة العربية السعودية؟ وماذا عن "حق العودة" المسيحي لفلسطين؟ صحيح أن المؤيدين لإسرائيل ينظرون على أنها ديمقراطية ، لكن الكثيرين غيرهم يرونها كدولة استعمارية.

ماذا لو قدم بلفور ويلز كدولة للصهاينة؟

إذا افترضنا أن لندن رغبت عام 1917 في مساعدة شعب مضطهد في العثور على ملاذ آمن، فمن المنطقي أنه كان سيعرض على الصهيونيين وطناً في منطقة كان يسيطر عليها في ذلك الوقت؟

فهناك قول معروف أن الصدقة تبدأ في المنزل، فديفيد لويد جورج الذي كان رئيس الوزراء البريطاني في وقت إعلان وعد بلفور ويفخر بكونه من ويلز،  يقول ماذا لو كان تصريح بلفور قد قرأ بطريقة أخرى فمثلاً أن يُقال: "وجهة نظر حكومة صاحب الجلالة تؤيد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في ويلز؟"

في الوقت الحالي تغطي ويلز 20,779 كيلومتر مربع، أما إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة تغطي20,770  كيلومتر مربع.

كان عدد سكان ويلز في عام 1917 حوالي 2.5 مليون نسمة بينما كان عدد سكان فلسطين حوالي مليون نسمة (واليهود يشكلون أقل من 10٪ من هذا العدد).
لو كان بلفور قد عرض ويلز على الصهاينة، فمن المنطقي القول أن السكان الويلزيون رفضوا تطبيق هذا الإعلان، أما اليهود وعلى الرغم من خيبة أملهم وقتها من الفشل للحصول على فلسطين، سبدأون بالوصول إلى تسوية الأرض في ويلز.

من المحتمل أن تكون هناك توترات بين الصهاينة والويلزيين، وكان بإمكان لندن أن تحافظ على السلام  لكن من المحتمل أن تكون قد فشلت  خاصة في ظل الصراع المستمر في أيرلندا  من أجل الاستقلال والتي  سيطر البريطانيون عليها.

لو كان وعد بلفور ينطبق على ويلز، لكان الصهاينة قد أنشأوا ميليشيات مسلحة لمحاربة الويلزيين، والمزيد من اليهود قد وصلوا إلى هناك في أوائل الأربعينيات لتتدخل الأمم المتحدة في ويلز كما فعلت في فلسطين وتقدم خطة التقسيم التي منحت اليهود 56% من الأرض تاركة السكان الأصليين في ويلز بنسبة 44 % فقط.

هل يصدق أحد أن المواطن الويلزي كان سيوافق على التخلي عن شبر من وطنه للصهاينة؟ أم أنهم كانوا سيقاومون مثلاً من خلال الكفاح المسلح؟

كان الصهاينة سيعلنون استقلالهم وإقامة إسرائيل كدولة في ويلز بدلاً من فلسطين في عام 1948، وسوف يبدأون أيضاً عملية توسيع قبضتهم على ويلز، وتدمير القرى الويلزية وسيهرب حوالي مليوني لاجئ من ويلز إلى إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا حتى أن البعض قد يصل إلى فرنسا وإسبانيا.

وعندما ينتهي النزاع المسلح وتهدأ أصوات المدافع ستمدد إسرائيل احتلالها لتصل إلى 78% من مساحة ويلز، أي أبعد من خطة التقسيم وستصدر الأمم المتحدة قراراً يدعو إسرائيل السماح للاجئين بالعودة، لكن إسرائيل سترفض.

وقد يدعو العالم إلى حل الدولتين حيث تعيش إسرائيل وويلز جنباً إلى جنب مع كارديف كعاصمة مشتركة. في عام 1967 ، كانت إسرائيل ستهاجم الإيرلنديين والاسكتلنديين، الذين سيحاولون مساعدة المقاومة الويلزية على استعادة أراضيهم المحتلة، و في نهاية المطاف ستستولي إسرائيل على كامل ويلز وتعلن كارديف عاصمة أبدية موحدة، وسيتم طرد المزيد من الويلزيين إلى الدول المجاورة مثل أيرلندا.

ولأسباب  تدعي أنها "أمنية"  ستبدأ إسرائيل في بناء مستوطنات لليهود في ويلز المحتلة وبالقرب من المراكز السكنية مثل سوانسي، ومن شأن ذلك أن يزيد من صعوبة تحقيق حل الدولتين، وبسبب التخلي عن المجتمع الدولي ورؤية أراضيهم قد تآكلت أكثر، فإن الويلزي سيبدأ بانتفاضة الغضب (الانتفاضة الويلزية) في عام 1987، والتي سوف يتم قمعها من قبل إسرائيل بحلول عام 1991.

وفي عام 1993  كانت المحادثات السريّة في فنلندا بين الويلزيين والإسرائيليين ستؤدي إلى اتفاقات هلسنكي بحيث تعترف "منظمة تحرير ويلز" بإسرائيل،  لكن إسرائيل لن تعترف بالمنظمة باعتبارها "الممثل الوحيد للشعب الويلزي".

المقاومة من قطاع غوينت

لن يكون هناك أي تحرك حقيقي نحو السلام وسيكون من المخطط أن تقوم دولة ويلزية بحلول عام 1998،  وبدلاً من ذلك ستزيد إسرائيل من مشروعها الاستيطاني وتقسم الأراضي الويلزية المحتلة بما في ذلك مقاطعة ديفيد السابقة  إلى مناطق "أ" و "ب" و"ج".

سوف تربط إسرائيل المستوطنات في الأراضي الويلزية المحتلة ببعضها البعض وبإسرائيل، وسيطبق القانون العسكري على الويلزيين والقانون المدني الإسرائيلي على المستوطنين اليهود غير الشرعيين.

ولن يرى الويلزين نهاية لاحتلالهم الاسرائيلي وستندلع اتفاضة الغضب الثانية في عام 2000، وهذه المرة ستكون أكثر عنفاً،  وسوف يُتهم الويلزيين على أنهم إرهابيون.

ستقوم إسرائيل ببناء جدار في عمق المناطق الويلزية المحتلة لفصل  قطاع غوينت وزيادة عدد نقاط التفتيش للحد من حركة الناس والحيوانات والبضائع، ومن شأنه أيضاً احتلال معظم الموارد المائية وبيعها للويلزيين بأسعار باهظة.

سيكون قطاع غوينت مشكلة بشكل خاص ويصبح مصدراً للمقاومة و ستقرر إسرائيل إزالة المستوطنين من هناك ومن ثم فرض حصار على المنطقة، وهو حصار قد يستمر حتى يومنا هذا.

وفي داخل إسرائيل نفسها  سيتم التعامل مع المواطنين الويلزيين كمواطنين من الدرجة ثانية والذين عليهم مراعاة 60 قانوناً تمييزيأ، وسيكونون قادرين على المشاركة في الديمقراطية الإسرائيلية  لكنها ستكون ديمقراطية تخدم اليهود فقط.

وفي كارديف سوف تتلاعب إسرائيل بالتوزيع الديمغرافي السكاني لضمان وجود أغلبية يهودية باستمرار، وسوف يُحبط الويلزيين بسبب نظام التخطيط الذين لن يسمح لهم ببناء منازل في كارديف المحتلة.

وفي نهاية الأمر سيبني الويلزيين بعض المنازل دون إذن من الإسرائيلين ليتم هدمها من قبل السلطات الإسرائيلية، وسوف تلغي الدولة تصاريح "الإقامة" الخاصة بهم إذا ما حكموا على كارديف ألا تكون "مكان إقامتهم".

كما لن يُسمح للويلزيين بالوصول إلى المطار أو الميناء أو للسفر إلى الخارج، بل سيكون عليهم استخدام معبر الحدود في إنجلترا ثم السفر من بريستول أو برمنغهام.

النكبة الويلزية

ماذا عن الشرق الأوسط؟ على الرغم من الرغبات الصهيونية السابقة، لم تكن فلسطين قد وعدت كوطن قومي لليهود، بل أُنشئت دولة عربية فلسطينية مستقلة عندما انتهى الانتداب البريطاني هناك عام 1947، وعاصمتها القدس حيث يعيش المسلمون واليهود والمسيحيون بسعادة حتى يومنا هذا، وسيكون في المدينة حملة للتضامن مع الويلزيين والتي تعمل على دعم الحقوق المشروعة للشعب الويلزي.

ومن خلال تصور هذا المستقبل البديل، ستحتفل لندن بالذكرى المئوية لإعلان بلفور الذي يقدم ويلز وطناً لليهود "وبكل فخر" في 2 تشرين الثاني 2017.

لكن رئيس الوزراء البريطاني سوف يرفض الاعتذار للويلزيين عن دور لندن في سلب أراضيهم وما تبعها من حدوث "النكبة الويلزية".

ماذا لو حقيقة انطبق هذا التصور البديل حول وعد بلفور وتقديم ويلز وطناً لليهود، هل كان ليتم الاحتفال بهذه الذكرى أيضاً ؟

المصدر: Middle East Eye

تصميم وتطوير