مقالع الحجر والكسارات.. الشرخ الذي يبتلع أراضي الخليل الخصبة

19.03.2019 06:45 PM

وطن- ساري جرادات: تتمدد أكوام النفايات والحجارة الناتجة عن مقالع الحجر والرخام في وادي القنطرة وعزيز ببلدة تفوح شمال مدينة الخليل، على حساب ما يطلق عليه المواطنون "جنة البلدة" ويقصد به واديها الذي كان يعد منتجعاً طبيعياً، ومهرباً للمواطنين في فصل الربيع، لقضاء أوقات فراغهم والتمتع بالطبيعة بعيدا عن ضجر المدن، لكن هذا الماضي الجميل أصبح ذكرى أمام واقع مليء بالتلوث قضى على مساحات واسعة من أراضي المواطنين الزراعية، واقترب من منازلهم.

وتعتبر صناعة الحجر والرخام من أهم الصناعات المحلية الرافدة للاقتصاد الوطني، إلا أنها أغفلت الجوانب والتأثيرات البيئية والقضايا الصحية على الإنسان، ودمرت الأراضي الزراعية والغطاء النباتي، كذلك لوثت الهواء والتربة والمخزون الجوفي من المياه الذي من الصعب علاجه وإعادة استصلاحه، كما وأحدثت خللاً في نظام التوازن البيئي عبر إدخال الملوثات إلى الطبيعة.

ووفقا لبيانات بلدية تفوح، فإن ما يزيد عن الثلاثين مقلعاً ومصنعاً للحجارة تتربع على مساحة 413 دونما من أراضي البلدة الواقعة ضمن المخطط الهيكلي للبلدية، حيث لم تفلح محاولات البلدية ومديرية الحكم المحلي وسلطة جودة البيئة والدفاع المدني والسلامة العامة في وقف أو تخفيف الآثار المباشرة والجانبية لمقالع الحجر على أراضيها.

المال مقابل التلوث
"أصحاب مقالع الحجر العاملين في البلدة قاموا بدفع مبالغ مالية لبعض المواطنين الذين تقدموا بشكاوٍ لدى جهات الاختصاص الفلسطينية، بسبب الضوضاء وتلوث الهواء الناتج عن مقالعهم، فتم إسكات العديد منهم، وهو ما أدى إلى زيادة فرص مالكي المقالع بالعمل دون حسيب أو رقيب"، وفق ما قاله مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية تفوح محمد ارزيقات.

ويشير ارزيقات إلى أن الحياة البرية تأثرت بشكل كبير في المناطق التي تحوي مقالع الحجر، بسبب قضائها على المناطق الرعوية، والنباتات الطبيعية، وهو ما أدى إلى اختفاء وهجرة بعض أنواع الحيوانات والطيور البرية التي كانت تتغذى عليها.

ورغم الأضرار الناجمة عن المقالع والكسارات، إلا أن قطاع الحجر والرخام يساهم بحوالي 40% من حجم الصناعة الفلسطينية، وبنحو 4.5% من إجمالي الناتج المحلي، كما تشكل صادرات الحجر، ما يزيد على ثلث الصادرات المحلية، ووصلت إلى 100 دولة في العالم، وفق بيانات اتحاد الحجر والرخام في فلسطين والذي يسمى أيضا حجر الأراضي المقدسة لأهميته التاريخية، وملاءمته للظروف الجوية المختلفة.

وفي هذا الصدد يقول رئيس اتحاد الحجر والرخام نور الدين جرادات لـ "آفاق البيئة والتنمية": "عملنا على تنظيم المناطق التي يتم فيها التحجير، وفرض شروط خاصة بإعادة ردم المقالع التي ينتهي العمل فيها، وأن تكون بعيدة عن المناطق السكنية، والتقيد بالمحافظة على البيئة، وفق دراسة يقدمها صاحب مقلع الحجارة لجهات الاختصاص.

ويتابع: "وزارتا الحكم المحلي والاقتصاد الوطني وسلطة جودة البيئة وجهاز الدفاع المدني ولجنة السلامة العامة واتحاده نظموا عددا من ورشات العمل للحد من الآثار السلبية الناتجة عن العمل في مقالع الحجر، وهو ما أدى إلى خفض الآثار السلبية الناتجة عن العمل بها في السنوات الأخيرة".

ضجيج وربو
أصدر جهاز الدفاع المدني ولجنة السلامة العامة تنبيهات لثلاثة مقالع للحجر والرخام في بلدتي تفوح وسعير، مطالبةً إياهم بضرورة تصويب أوضاعهم، كون مقالعهم لا تلتزم بشروط السلامة العامة والأمان وحماية البيئة من الآثار السلبية الناتجة عن المقالع والكسارات.

ووفقا لمعطيات قسم صحة البيئة في الخليل، فإن انتشار مقالع الحجر بالقرب من المناطق السكنية يتسبب بحدوث أضرار كبيرة بسبب الغبار والأتربة المتطايرة والمواد الغازية الناجمة عن عوادم السيارات والآلات، بالإضافة إلى الضجيج الناتج عن الماكينات، ويتسبب الغبار بانتشار العديد من الأمراض التنفسية مثل الربو وضيق التنفس والأزمات الصدرية والتهاب العيون والجلد، كما أن للغازات الناجمة عن الآلات والسيارات دور في انتشار تلك الأمراض، أما بالنسبة للضجيج فيعتبر مسبباً للأمراض السمعية".

المواطن محمد الطردة (58 عاماً) والمتضرر من المحاجر جرّاء إصابة اثنين من أبنائه بمرض الربو، إضافة للإزعاج الذي يسببه مرور الشاحنات الثقيلة من اهتزاز للبيوت وتشقق للطرق، يشير إلى أن السكان في مشاكل شبه يومية مع المستثمرين، ولكن لم تفلح محاولاتنا ومناشداتنا لكافة جهات الاختصاص بمعالجة ووقف الآثار الناتجة عن مقالع الحجر والرخام في بلدة تفوح".

نتابع ولكن!
يشير مدير مكتب سلطة البيئة في الخليل بهجت جبارين إلى وجود 22 ألف منشأة صناعية وتجارية متنوعة، منها (1000) منشأة لقطاع الحجر والرخام، جرى إغلاق 38 مقلعا منها في المحافظة، لكن عملية المتابعة بحاجة إلى زيادة عدد الموظفين، علماً أن عدد موظفي مكتب الخليل عشرة.

وتنتهج سلطة جودة البيئة عملية إعادة تنظيم قطاع الحجر والرخام، وتصويب أوضاع المقالع القديمة، وتعمل على إلزام أصحاب مقالع الحجر الجدد على تقديم معاينة للأثر البيئي لمقالعهم، ومعالجة الآثار الناتجة عنها، وعملية استصلاحها وردمها بعد الانتهاء من العمل فيها، مؤكداً أن هناك نسبة من الالتزام بعد منح صاحب مقلع الحجر الأوراق اللازمة للعمل.

وقال الخبير البيئي د. طالب الحارثي: "مقالع الحجر والرخام أضرت بالقطاعين الزراعي والحيواني، وأدت إلى تلوث الهواء بفعل الأتربة والغبار المتطاير منها، وإلحاق الأذى بالمواطنين وشوارعهم والتأثير على حياتهم العادية، وهناك مناطق قريبة من مقالع الحجر والرخام باتت مهجورة وتركها أصحابها دون زراعة أو سكن بفعل امتداد مقالع الحجارة عليها.

ويرى د. الحارثي أن صحة البيئة والإنسان أهم من وجود مقالع الحجر بصورة عشوائية وتركها دون تنظيم، وهو ما يتحمل مسؤوليته جهات الاختصاص الفلسطينية التي عليها الحفاظ على الموارد الطبيعية واستغلالها بالطريقة الصحيحة، بما يحقق التنمية المستدامة، منطلقين من قاعدة لا ضررَ ولا ضرار.

تداخل الصلاحيات لدى جهات الاختصاص وتعددها، ونقص الإمكانيات الفنية وانخفاض عدد الكوادر، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لإدارة قطاع الحجر والرخام، وغياب الوعي البيئي والمجتمعي بالأضرار والأمراض، يؤدي إلى بقاء الخطط والبرامج طي الكتمان، وسط حالة ضبابية تعيشها قطاعات متعددة من المجتمع ناتجة عن سوء الإدارة.

 

"خاص بآفاق البيئة والتنمية"

تصميم وتطوير