جاسيندا أردن "نموذجاً في فن أدارة الازمات"

30.03.2019 01:17 PM

كتب: زكي زبدة

دقائق معدودة عقب الهجمات التي استهدفت مسجد النور ومركز لينود الإسلامي في مدينة كرايستشرش والتي راح ضحيتها 50 شخصا على الاقل، مرت جميع انحاء البلاد في نيوزلندا بأوقات عصبية، فقد اصبح الاستقرار الامني على المحك، نظراً لبشاعة الجريمة والتي تم تصويرها مباشرتاً عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، مما أثار تخوفات كبيرة بحدوث ردود فعل غاضبة عقب الهجمات، خصوصاً ان استخدام منفذ الهجوم كلمات عنصرية ضد الاسلام والمسلمين، جعل الجريمة تتمركز في خانة التميز والعنصرية ذات الخلفية الدينية، مما فرض على الموقف المزيد من الحساسية، في بلد مستقر سياسياً وامنياً، تسوده بيئة ديمقراطية ومساواة وعدالة بين جميع المواطنين والمهاجرين بغض النظر عما يحملون من توجهات فكرية او معتقدات دينية او غيره ذلك ...
في ظل هذه الجريمة والتي اربكت العالم، كانت رئيسة الوزراء النيوزلندية جاسيندا أردن واضحة منذ البداية بشكل لم يُعتد على سماعه بهذه البساطة من المسؤولين عقب هجمات مماثلة، حيث قالت لضحايا الهجوم: »نيوزلندا وطنهم .. وهم نحن«، ورفضت الحديث كثير عن المجرم ووصفت ما حدث بكل وضوح بالعمل الارهابي، إزالة الحواجز والتي ممكن ان تكون بين المهاجرين والنيوزلنديين وقالت »هم ليسوا غرباء استهدافهم استهداف لكل البلاد«، وقامت بالتأكيد على اجراء اصلاحات سريعة والتعديل على قوانين حيازة السلاح في البلاد خلال الفترة المقبلة، ووضع الضوابط الكفيلة بالحد من هذه الحالات مستقبلاً، قامت بتعزيز الوجود الامني وتأمين الحماية للمساجد بشكل غير مسبوق لتفادي أي اعمال عدائية من الممكن أن تحدث.

فيما يتعلق بذوي الضحايا زارت جاسيندا أردن بيوت العزاء التي اقيمت مرتدية الحجاب، واظهرت اقصى درجات التضامن والمساندة لذوي الضحايا، وأكدت التزام بلادها بإحضار ذوي الضحايا على نفقة الدولة، وارجاع جثامين الضحايا لمن يريد من ذويهم دفنهم في بلادهم على نفقة الدولة، كل ذلك يحمل دلالات كبيرة ويؤكد على تضامن عالي المستوى وعميق الانسانية مع ذوي الضحايا في داخل البلاد وخارجها.

واثناء حضورها في ساحة هاغلي بارك حيث تقام صلاة الجمعة أمام مسجد النور، أحد المسجدين اللذين تعرضا للاعتداء، ألقت  جاسيندا أردن كلمة وهي ترتدي الحجاب، حيث استشهدت بحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول فيه: »مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«، وأبدت تعاطفها مع الجالية المسلمة، وقالت في خطاب قصير »نيوزيلندا تشاطركم الأحزان .. نحن واحد«، ورفع أذان صلاة الجمعة في جميع أنحاء نيوزيلندا عبر التليفزيون والإذاعة الوطنيين تأبيناً لضحايا الاعتداء الإرهابي في كرايستشيرش وتوافد آلاف النيوزيلنديين للتضامن مع المواطنين المسلمين.

جاسيندا اردن رئيسة الوزراء النيوزلندية والتي لم يتجاوز عمرها الـ 40 عام، قدمت نموذجاً في الترابط المجتمعي ودرس في فن ادارة الازمات، حيث أن المهارة حقاً لا تعني كيفية التصرف بالظروف العادية ولكن المهارة تعني فن التصرف في احلك الايام واكثر الظروف تعقيداً، استطاعت رئيس الوزراء الشابة بناء الراي العالمي بالطريقة النيوزلندية، من خلال تحويل انظار العالم عن المجزرة وبشاعتها، الى نموذج القيم المجتمعية التي تحلى بها النيوزلنديين اتجاه الضحايا وذوي الضحايا من مسلمي البلاد.

نيوزلندا والتي تقع في جنوب غرب المحيط الهادئ، وضعتها جاسيندا اردن على خارطة القيم الانسانية ومنظومة الترابط المجتمعي متجاوزتاً مرحلة المجتمعات الديمقراطية، حيث استطاعت أن تصل بالبلاد الى حالت »المجتمع الديمقراطي المترابط«، أن ما اظهره النيوزلنديين قولاً وفعلاً، بالتضامن الكامل مع ذوي الضحايا وفق شعائرهم، أذاب ما قد يتشكل بين المواطنين والمهاجرين نتيجة هذه الجريمة المروعة والتي لم تعتد البلاد مثلها سابقاً، وجاء في سياق التأكيد الفعلي لمقولة جاسيندا اردن الموجهة للضحايا وذويهم: "نيوزلندا وطنهم .. وهم نحن".

نيوزلندا تعني أوتاروا بلغة الماوري أي أرض السحابة البيضاء الطويلة، والشعب النيوزلندي بتعزيزه حريات وحقوق الاقليات في البلاد، وحالت التضامن على كافة المستويات، أنما يعبر عن الحالة الحقيقة للمجتمعات الديمقراطية المترابطة القوية، والتي غدت واضحتاً في نيوزلندا كالسحاب الابيض في سماءها، واستذكر هنا ما قاله الزعيم الروحي للهند مهاتما غاندي: "يجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية. أن الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذر".

النماذج الناجحة للقيادة وإدارة الازمات في العالم تُصنع من خلال شخصيات قادرة، يمتلكون أو تمتلكن القدرات الفكرية والمرونة والقدرة على ادارة الاولويات، أضافةً الى الإرادة الصادقة لأجراء التغيير الحقيقي من الموقف السلبي الى الاثر الايجابي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير