فلسطينيات زادهن النضال جمالاً

31.03.2019 09:53 AM

كتبت: حليمة خوالدة

المرأة الجميلة، بصدقها لوعدٍ قطعته على نفسها، جميلة تلك صاحبة الاخلاق تراعي مشاعر من حولها رغم تشوه اصابها، تلك الام المدبرة التي تصون بيتها، مربية لأولادها في غياب زوجها، هي الفلسطينية!

صاحبة الوجه المحروق

مجندة إسرائيلية تمسك ذراع الأسيرة "نوران البلبول" ( 16 عاما)، وتشدها عبر ممر طويل لتصل الى سجن يزدحم بالأسيرات، فتحت السجانة باب السجن، دفعت نوران للداخل، ليبدأ مشهد جديد أكثر ألما من السجن ذاته.

المشهد ترويه البلبول بعد أن من الله عليها بالفرج، وتقول "بدأت أتمعن النظر الى الاسيرات واذ بأسيرة تجلس على سرير (برش) محروقة الوجه".

وتضيف "سألت الاسيرات عن تلك الأسيرة قبل ان اتعرف على الاخريات، فقلن لي "انها اسراء الجعابيص، انحرق جسدها اثر انفجار قارورة غاز للطبيخ كانت تنقلها في سيارتها في طريق عودتها الى المنزل".

"حروق بالغة في كامل جسد إسراء، خاصة على وجهها ويديها، وفقدان لأصابعها، آلام وصراخ من الألم"، هكذا وصفت نوران الواقع الصعب لإسراء.
وتضيف "كنت أنا والأسيرات ننادي على حراس السجن من نافذة صغيرة، نستغيث وضع إسراء وآلامها، لكن الدواء المسكّن فقط هو ما حصلنا عليه.
واشارت الى ان الاهمال الطبي للاسيرات المريضات مستمر وخاصة الاسيرة اسراء.

المأساة الأكبر كما تراها نوران، أن عددا من الأسيرات كن يخشين النظر لوجه إسراء ويديها، و يحاولن عدم الاقتراب منها.

الا ان اسراء رغم الالم، بعزيمتها كانت تخيط قطعة من القماش مستعينة بفمها بمسك الابرة وبين اطراف كفي يديها، ماسكة الخيط لتدخله في خرم الابرة لتخيط من القماش أنف وتلبسه كالمهرجة. وترتدي البنطلون الواسع المشكوك بالخرز ، ساعدتها الاسيرات في شكه، وتغطي اصابعها المحروقة بارتدئها القفازات، لتقوم اسراء بلعب دور المهرجة بين الاسيرات القاصرات، لكي لا يخفن منها.

جاء موعد انتظرته اسراء بلهفة ولم تنم ليلتها الا بعد ان اتمت خياطة دبدوب صنعته من قماش (المنشفة الخاصة بها) في اتقان وشغف، لتقدمه هدية لابنها في يوم زيارته لها.

زيارة بين الام وطفلها لدقائق معدودة، تنتهي بعودتها الى غرفة السجن تبكي، قائلة " ابني ما حضنته، ما عرفني، وخاف من وجهي المحروق" طفلها لم يتعرف عليها، ملامح وجهها تغيرت، رآها امراة غريبة ولم يقترب منها.

جسد محروق ووجه مشوه واصابع محروقة، ماذا تبقى من اسراء الجعابيص ليؤثر على أمن "اسرائيل" لتبقى في السجن محرومة العلاج ،الى يومنا هذا؟

البُعد ليس جفا

منع الاحتلال خالدة حمدان زوجة الاسير محمد ابو سطحة (12 عاما) من اول زيارة لزوجها المحكوم 9 مؤبدات و50 عاماً، سنوات مضت في انتظار موافقة الاحتلال على منح حمدان تصريح الزيارة.

قالت حمدان "أول نظرات بيننا قال لي زوجي الاسير ابو سطحة : انت مثل ما انت ما تغير فيكي شي " المحبة بيننا والمشاعر أقوى رغم اعتقاله من بعد زواجنا بسنة ونصف، اشتاق له وللحديث معه، كل مكان في بيتي يذكرني فيه.

غياب 17 سنة لم تتغير مشاعرها تجاهه، واضافت حمدان مخطىءٌ من قال ان "البعد جفا" المحبة والوفاء لا تضيع رغم البعد والحرمان من وجوده بيننا ، مع انه قال لي" اذا اردت الطلاق منه؟" لانني شابة لا يريد محمد ان اخسر عمري في الانتظار،لان حكمه من الاحكام العالية،  لكن اقل شيء اقدمه لزوجي سنوات عمري في انتظاره.

واضافت كنت على يقين ان ابو سطحة سيسجن يوما من الايام بعد مصارحته لي منذ ايام خطبتنا قائلاً " يا خالدة انا يمكن انسجن " كنت مهيأة نفسياً لهذا الوضع القائم حالياً، وانا لم اعارض لانني احببت في هذا الرجل نضاله ومحبته للوطن.

 

وهبت عمري لزوجي ولابني الوحيد، عانيت في تربيته ، سجن زوجي وابني كان يبلغ 4 شهور من عمره، ربيت طفلا لوحدي، كان يزور والده كل 6 شهور وعند عودته من زيارة والده في السجن يحضنني ويعطيني قبلة على خدي ويقول لي هذه من بابا، وتبدأ اسئلته المتكررة يومياً " متى انروح نزور بابا" هو طفل لا يعي ما معنى سجن واحتلال ، وبعد بلوغه السنوات العشر الاولى من عمره يبدأ بلومه لي قائلاً "انا ما عندي اخوة العب معهم" هنا يأتي الشعور بالحسرة على ابني، كلما بلغ من العمر بضع سنوات يريد ان يكون والده معه خاصة في الاعياد والعطل المدرسية، رغم وجود العم و الخال لكن لا احد يحل مكان الاب عنده.

تحديات واجهتها في تربية ابنها والمحاولة في تعويضه عن حنان ورعاية الاب الاسير، الى جانب ذلك اشادت حمدان الى انها تواجه البعض من الناس قائلة" انا رضيت بواقعي زوجي اسير وابني الوحيد لكن هناك اناس كثر مزعجون بتدخلاتهم في حياتي الخاصة وتعليقهم على وضعي الاجتماعي، واسئلتهم ما هو شعوري في غياب زوجي، انت صغيرة اتزوجي غيره وعيشي حياتك" انهم لا يعرفون ما هو الحرمان من الزوج الذي احب وحرمان طفل من ابيه.

واضافت نحن زوجات اسرى منهن من يعملن ليعيشن بكرامة ولا يحتاجن لاحد في تسديد النفقات المترتبة عليهن لاولادهن، فهناك التعب من التوجه باكرا للعمل ووتربية الاولاد والسؤال المستمر عنهم في مدارسهم وبين اصدقائهم، والمتابعة المستمرة لهم، لاننا نقوم بواجب الام والاب الغائب.

واضافت خالدة انا مؤمنة بالله سيأتي اليوم المنتظر ونجتمع انا ومحمد معاً، الامل موجود بزوال الاحتلال او ان يكون لمحمد نصيب الخروج من السجن في عملية تبادل للاسرى.

نضال امرأة مع طفلها الوحيد في غياب زوج اسير لتسع مؤبدات و50 عام، خليط من مشاعر الوحدة والاشتياق والعزم والقوة في تحمل كل الصعاب مقابل ان نحيى في كرامة .

الفلسطينية تتحدى الظروف

"المرأة الواعية عليها ان تتقبل الواقع الذي فرض عليها من غياب زوجها ان كان شهيدًا او اسيراً، وعليها القرار اما ان تُهزم أمام غيابه والمسؤوليات الملقى عليها او ان تقرر الصمود والوقوف امام التحديات التي ستواجهها في غيابه"، ما قالته وفاء ابو غلمة زوجة الاسير عاهد ابو غلمة بعد ما واجهته في غياب زوجها.

بمرورها عبر التفتيش على الحواجز قبل الوصول لرؤيته في زيارة لا تتعدى 45 دقيقة، والرجوع للبيت مع دمعة ممزوجة بالفرح لانه كان لها نصيب في زيارته وبالحزن على واقع صعب ستعيشه في غيابه.

توجه ابوغلمة رسالة الى المرأة الفلسطينية، زوجة الاسير وزوجة الشهيد، قائلة "المرأة عليها ان تنظم وتُدير حياتها، إن تشتغل على تطوير حياتها وان تدخل مجال العمل، ليس بالضرورة الالتحاق بالجامعات والبحث عن العمل في الوظائف الحكومية ان لم تستطع، البدائل متوفرة لتحصل على المال لتأمين احتياجاتها دون اللجوء الى مساعدة احد، واشارت الى ان العمل في مجالات كثر للنساء من فتح مشاريع صغيرة من الخياطة وغيرها او فتح محل تجاري صغير للبيع في منطقة سكنها".

وأفادت علينا مسؤولية كبيرة تجاه اولادنا، ان كان خيارهم عدم الالتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية، لميولهم لتعلم صنعة ما او لعدم توفر اقساط الجامعات، علينا ان نرشدهم الى تعليمهم صنعة ينتفعون بها.

قالت ابو غلمة " بعد ان حُكم على زوجي عاهد ابو غلمة بالسجن 9 مؤبدات و5 سنوات، حزنت كثيراً وكنت على يقين تام أنني سأواجه صعوبات في حياتي من تربية اولادي وتلبية احتياجاتهم، لكنني قررت ان اقابل هذا الوضع الصعب بالصبر والمثابرة والعمل على تطوير ذاتي، اكملت دراستي الجامعية ودخلت مجال العمل لاوفر لاولادي حياة كريمة.

رغم المعوقات والاوجاع التي فرضها الاحتلال على حياة كل فلسطيني، اوجاع الاسرى في السجون، ومعاناة الاهل والاذلال في الزيارة، حياة فرضت علينا ولم تكن من خياراتنا، لكن خيارنا النهوض وعدم الاستسلام حتى يأتي يوم النصرالمنتظر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير